آراء وتحليلات
معادلة السيد.. وشروط واشنطن
أحمد فؤاد
لم تتعلم النخب السياسية العربية درس حرب العراق، أبدًا، تلك الحرب التي كانت فاصلة بين تاريخ وتاريخ، بين حقبة الحرب الباردة، وحقبة القطب الأوحد، المسيطر تمامًا على العالم، اقتصاديًا وسياسيًا، يملأ الآفاق بدعايته وحدها، ولا تتواجد على الساحة العالمية قوة تستطيع لجم طموحه أو مواجهته.
من تهديد جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة، لطارق عزيز، بوضع شروط للحرب، استخدام الأسلحة الكيماوية معناها مسح بغداد من الخارطة، وابتلعها سفاح العراق صدام حسين، ودخل الحرب مهزومًا مقدمًا، ثم لقطتين مع نهاية الحرب، طريق الموت الذي حصدت فيه الطائرات أرواح الآلاف من الجنود العراقيين المنسحبين، والأخرى حين فتك الحرس الجمهوري بالثورة الشعبانية.
وضعت واشنطن شروط الحرب مع العراق، قبل أن تبدأ، فانتصرت، ثم وضعت شروط استمرار الحكام العرب على كراسيهم، سلاحكم نحو الداخل حرٌّ، ولا قيود على استخدامه، وفقط.
عقب حرب الخليج الثانية، جرت في النهر مياه كثيرة، كلها كانت تحت العين الأميركية الصانعة واليد القادرة المديرة، تشعل حريقًا هنا أو تسارع إلى إطفاء شرر هناك، باختصار بدا المشهد العربي كقطع صغيرة تعمل كلها في آلة واحدة كبيرة، تخدم بتفانٍ وإخلاص هائلين المصالح الأميركية، ومن ورائها مصالح تل أبيب وطموحها.
وعقب عقد كامل من الصياغة الأمريكية، حانت لحظة الحقيقة مع هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وخطاب الكراهية للناعق جورج بوش، من ليس معنا فهو ضدنا، كانت الهرولة الرسمية العربية تسابق الوقت لإثبات الولاء ووضع المقدرات في خدمة الكاوبوي الغاضب، حتى أن ملك السعودية السابق عبد الله مرر الخطة العربية للاستسلام الشامل، ومنح الكيان الصهيوني كل ما يريد، بينما رفضها الصهاينة بتعالٍ وصلف.
الدولة الوحيدة التي نجت من الطوفان الأمريكي، قبل 1991، وبعده، كانت الجمهورية الإسلامية، التي اعتمدت كلمات الإمام الخميني الثلاث "أميركا هي الشيطان الأكبر"، عرفت عدوها منذ البداية، وخاضت حربها كاملة، لا توارت خلف شعارات طنانة، ولا اختبأت حين توجب عليها المقارعة، فبدت جزيرة وحيدة لم يقترب منها الطوفان الأميركي.
اليوم.. يعيد السيد تذكير، وتوجيه الإعلام المقاوم إلى مهمته المقدسة، وفي ظرف بالغ الحساسية والحسم، عصر جديد يتكون، عصر من صنع الإيمان والدم الزكي والبندقية، عصر تهفو فيه القلوب إلى القدس فعلًا لا قولًا، وتخوض فيه الشعوب حرب الوعي ضد طلقات التزييف والتخويف وحرف البوصلة عن هدفها الحق.
الحرب الأميركية التي تشن على عقول الشعوب العربية، باستمرار، وبلا هوادة، ترغب في إفراغ كل نصر عربي مؤزر من محتواه تمامًا، عقب الحرب الأخيرة "سيف القدس" انطلقت سيول من العناوين البراقة، عن ضحايا فلسطين، وجوع سوريا، وفقر لبنان، ودماء اليمن السيالة، وقبل كل شيء، الحصار الذي يمتد ليشمل كل من يرفع راية المقاومة في هذه البقعة من العالم، لتشتيت الانتباه عن إنجاز تحقق على الأرض.
يريد العدو الأول تعليق المعاناة على الحرب، وربط الاحتياج والقهر بالمقاومة، فحيح شيطاني بأقلام عربية في الأغلب، لإيهام الجميع أن الوقوف أمام الأميركي انتحار، وكأن الشعوب العربية ترفل في الحرير، ثم جاءت الحرب فسلبتها رغد العيش ومنعت الكافيار الذي يملأ موائدنا.
وتكفي نظرة واحدة على أي دولة، اختار نظامها الرسمي الركوع أمام الأميركي، ستنبئ عن مآل الحال في ظل الاستسلام للعدو، يكفي مصر التي تقف مكتوفة الأيدي أمام خطر تعطيش كل مواطنيها المائة مليون، لا تستطيع دفعًا للتحدي، الذي يكاد يكون دمارًا شاملًا، ليس له بعد.
التوقيع على كامب ديفيد، ثم سرقة القرار الوطني، مرورًا بالحرص على الصداقة مع واشنطن، جعلا نظام حكم بلا أي أوراق أمام إثيوبيا، التي تجرأت أخيرًا فأخطرت القاهرة بقيامها بالملء الثاني لسد النهضة، في ظل ثقتها باليد الأميركية التي تحرضها وتدفعها، ضد خدمها، عفوًا أصدقائها كما يحلو للرئيس أن يسميهم.
بينما إيران، التي اختارت الطريق الآخر، تبدو في حالة من الألق الثوري الدائم، والفوران القادر على تقديم المزيد والمزيد إلى الجيران والحلفاء، وتبادر بعرض المساعدة على البعيد قبل القريب، مثلما أرسلت بواخر نفطها إلى فنزويلا المحاصرة، في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، رغم عظم التحدي وفاتورة التكلفة.
وأخيرًا..
كان الرعب الذي ملأ حياة مؤسس كيان الاحتلال، دافيد بن جوريون، أن يظهر من بين الشعوب العربية شخص يعيد ثقتهم إلى أنفسهم، ويشطب الخوف من معادلات حياتهم، أن يقود على طريق واسع نحو مستقبل حقيقي، بناء يرتكن إلى الزراعة الحديثة والصناعة المتقدمة، شخص يستطيع أن يضرب المثل بنفسه أولًا، ويعبر الجسر بين خيبات الماضي وآمال المستقبل.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024