آراء وتحليلات
الاستهداف الأميركي لـ"الحشد الشعبي".. ماذا وراءه؟
شارل ابي نادر
لا يمر أسبوع وأحيانًا أقل، إلا تعتدي فيه الوحدات الأميركية على مواقع تابعة للحشد الشعبي العراقي، وذلك داخل الأراضي العراقية إجمالًا، وأحيانًا على الحدود مع سوريا أو داخل اراضي الأخيرة بعدّة كيلومترات. وفيما بدأت تلك الوحدات المحتلة للعراق بتنفيذ اعتداءاتها هذه منذ ما قبل انتهاء المعركة ضد "داعش" وتحرير أغلب الأراضي العراقية والسورية من التنظيم الإرهابي، تحرص على المثابرة على هذه الاستهدافات والتي تكون بغالبيتها، عبر قاذفات أو طائرات مسيّرة، وكأنها تدخل من ضمن مهماتها الدورية التي تكلف بها بشكل روتيني متواصل.
بالأمس، وفي سيناريو مشابه لأغلب ما سبقه من اعتداءات، استهدف الطيران الأمريكي 3 نقاط مرابطةٍ لقوات الحشد الشعبي (اللواءان 14 و46) بمسافة 13 كم داخل الحدود العراقية في قضاء القائم غربي محافظة الأنبار، وقد أسفر الاعتداء الأمريكي عن ارتقاء 4 شهداء كانوا يؤدُّون واجبهم الاعتيادي لمنع تسلُّل عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي من سوريا إلى العراق، وخلافًا للادعاءات الأمريكية التي سردتها من أجل تبرير جريمتها، أكدت قيادة الحشد أنَّ النقاط التي تعرَّضت للقصف لا تضمُّ أية مخازن أو ما شابه.
طبعًا، ليست مستغربة هذه الاستهدافات الأميركية للحشد الشعبي، حيث يمثل الأخير طرفًا أساسيًا من أطراف محور المقاومة، وهذه الأطراف إجمالًا، مستهدفة من قبل الأميركيين بشكل دائم، بمعزل عن المناسبة أو المكان أو التوقيت، ولكن يبقى الغريب في الموضوع، هذا التركيز المتواصل من قبل وحدات الاحتلال الأمريكية على استهداف وحدات وعناصر ومواقع الحشد الشعبي العراقي، متجاهلة بشكل كامل موقف وموقع الحكومة العراقية، والتي تتواصل بشكل دائم مع قيادة هذه الوحدات، كما وتربطها بها علاقة أكثر من جيدة، فما هي الأسباب التي تدفع بالأميركيين إلى الإصرار على هذه العمليات العدائية، مستهدفة بالحشد الشعبي أكثر من غيره؟
لا شك أن الحشد الشعبي العراقي لعب دورًا أساسيًا في محاربة "داعش" وتحرير العراق، وكانت مساهمته حاسمة في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي، ليس فقط لأن التنظيم الإرهابي كان يملك من الإمكانيات العسكرية والأمنية واللوجستية الكثير، أو من الامكانيات التسليحية والتنظيمية ما هو كاف لكي يقاتل ويتمدد بقدرات جيش قوي، بل لأن التنظيم واستنادًا إلى مسار نشأته وتمدده وطريقة قتاله وأجندة عملياته ومخططاته، كان يمثل وبامتياز، واجهة رئيسية للاحتلال الأميريكي، والذي استغل هذا التنظيم لتنفيذ مخططاته، ليس فقط داخل العراق أو داخل سوريا، بل في منطقة الشرق الأوسط على الأقل، لذلك كان من الطبيعي أن يعمد الأميركيون إلى ملاحقة الحشد الشعبي عسكريًا وسياسيًا، والعمل بكافة الوسائل على ازاحته عن الساحة العراقية، بهدف إبعاده عن مواجهتهم، وإفساح المجال لإكمال مخططاتهم في العراق والمنطقة.
لم ينس الأميركيون أهمية ما قام به الحشد الشعبي منذ اطلاقهم بداية عام 2014 للتنظيم الإرهابي في العراق ولاحقًا في سوريا، حيث كان للمعارك الشرسة التي خاضتها وحدات الحشد لحماية بغداد مرحلة أولى، دورًا رئيسًا في إبعاد التنظيم عن السيطرة على العاصمة العراقية، وذلك في مناطق أمرلي شمالًا وجرف الصخر جنوبًا، حيث شكل تدخل الحشد في تلك المناطق الحيوية، نقطة ارتكاز دفاعية، كانت حاسمة لوقف تمدد التنظيم وتوسيع انتشاره، ولتشكل معارك تحرير صلاح الدين والموصل ومدن الرمادي والفلوجة في المرحلة الثانية، الضربة القاضية للتنظيم ولرعاته الأميركيين.
في الواقع، ما مثله الحشد الشعبي العراقي لناحية البعد الوطني والقومي، أو لناحية الموقع والقدرة العسكرية، تخطى العراق إلى المنطقة، فقد ساهم أيضًا في إضعاف "داعش" في سوريا، بطريقة مباشرة من خلال ثباته في المعركة بداية وإضعاف التنظيم على الأراضي العراقية، وبطريقة غير مباشرة من خلال تشتيت جهود التنظيم في غرب الأنبار وامتداد إلى البوكمال والأرياف الشرقية لدير الزور وللحسكة، على الحدود العراقية - السورية، الأمر الذي قضى على المخطط الأميركي الهادف إلى تمكين التنظيم من السيطرة على سوريا والعراق وتشتيت تماسك محور المقاومة وضرب موقع ونفوذ ايران كراعية رئيسة للمحور.
لقد عانى الحشد الشعبي العراقي الكثير أثناء عمليات التحرير من "داعش"، حيث كان يقاتل التنظيم من جهة، ويقاتل الأميركيين من جهة أخرى، والذين طالما استهدفوا وحدات الحشد عبر ضربات جوية مؤذية، (كانوا يدّعون أنها تحصل عن طريق الخطأ) وفي مناطق ومواقع كانت حاسمة في المعركة ضد "داعش"، وكان يتابع الحشد قتاله بشكل مستميت، رغم هذه الضغوط والصعوبات، ويصل بالنهاية إلى تحقيق الانتصار على التنظيم وعلى رعاته الأميركيين.
نعم، إنه مسار طويل من المواجهة الخطيرة والحافلة بالشهداء والمصابين، خاضه وما زال يخوضه الحشد الشعبي ضد الأميركيين، وبما أن تاريخ المقاومة العراقية ضد الاحتلال الاميركي سابقا ثابت ومعروف، وحيث كانت نهايته انسحابًا مذلًّا وعشرات آلاف القتلى والمصابين، لن تكون نهاية هذا الاحتلال اليوم مختلفة عن السابق، مهما نفذ الأميركيون من اعتداءات واستهدافات لأبطال الحشد الشعبي، الثابت على التزاماته المقدسة في الدفاع عن العراق وعن سيادته وحقوق أبنائه وأمانهم.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024