آراء وتحليلات
"المسرحية".. الثالثة عشرة
أحمد فؤاد
بحماس وجدّ أنجزت الجمهورية الإسلامية الاستحقاق الرئاسي الثالث عشر، بخطوات واثقة على منهاج الثورة، متشبثة بثوابتها الراسخة، ساعية إلى مستقبلها، بمزيج من حكمة وصمود الشهداء، ممن صنعوا خيارًا ثالثًا، مبهرًا، في العام 1979، لكي يعاين العالم انتخابات تنافسية كل 4 سنوات، نادرة في هذه البقعة من الكوكب.
الطريق المرسوم بدماء الشهداء، ممن صنعوا لبلدهم، وقدموا لدينهم، الفداء والبديل، شهد انتخابات تعددية جديدة، لرأس السلطة التنفيذية في طهران، في وقت مصيري، تنتظر فيه الجمهورية تحديات عصر جديد، من المحاولات الأميركية المستمرة لتطويق القرار الإيراني المستقل، أو إخضاع الحكومة الإيرانية بسيف العقوبات الجاهز.
ولن يكون الاسم الفائز بالانتخابات الإيرانية، في هذه الظروف العصيبة، سوى المنهج والطريق، مهما كان القادم إلى سدة الحكم لسنوات أربع قادمة، نجحت طهران في تجاوز عراقيل عديدة خلال السنوات القليلة الماضية، وينتظرها المزيد من التحديات والصعوبات، تحت القيادة الأمينة للسيد الإمام القائد علي الخامنئي.
للمرة الثالثة عشرة انتخب الإيرانيون عبر صناديق الاقتراع، رئيسهم الجديد للجمهورية الإسلامية، من بين 4 مرشحين، (السيد ابراهيم رئيسي وعبدالناصر همتي ومحسن رضائي وامير حسين قاضي زادة هاشمي)، بعد انسحاب كل من سعيد جليلي وعلي رضا زاكاني ومحسن مهر علي زاده، مدفوعين فقط بما يرونه الأصلح لقيادة سفينة البلد في وقت حساس وظرف دقيق، ودعاية تجري بسلاسة، وعملية انتخابية شفافة ومباشرة، بشكل لا نعاينه في الخليج أو مصر، على الإطلاق.
لكن على الجانب الآخر من المياه، في الجهة العربية المقابلة للخليج، بالغبطة أحيانًا، وبالحسد في أحيان أخرى، تتعامل معظم الشعوب العربية مع انتخابات رئاسية لا تعرف لها طريقًا، وإن عرفت، تكون مسرحيات بائسة، غارقة في اللامعقولية والبلاهة، تسبح بحمد الرئيس المؤبد، تراه قدرًا كالشمس والقمر، ثابتًا على مقعده كالجبال الرواسي.
"مسرحية".. هذا هو العنوان الذي يروجه الإعلام الرسمي للأنظمة العربية لهذه الانتخابات، لصرف الانتباه أولًا عن تداول للسلطة جرى ويجري في إيران، ولا يريدون بالطبع أن يكون مثالًا للشعوب، وثانيًا لاستمرار حالة الاستعداء ضد معسكر كامل، أثبت مرارًا أنه قادر على مجابهة المستقبل الأميركي الذي يراد للمنطقة، ورد بالسلاح والنار والدم، مرات عدة على التحدي.
الحاضر، قبل الماضي، يقول إن طهران نجحت في ترسيخ مفهوم جديد للدولة القادرة، والدولة المثال، تخوض تحديات الخارج، بالقدر ذاته الذي تعبر فيه خطوات بناء مؤسسات الداخل، بوتيرة سريعة وواثقة في إمكانياتها، وسلاحها في كل ذلك شعبها ودستورها.
أما الأنظمة العربية الغارقة تمامًا ونهائيًا في أحضان الفتنة بالكيان الصهيوني، فلا يرى إعلامها في المنطقة ديمقراطية سواه، ولا انتخابات إلا التي تجري هناك، تسبح بحمد النظام الحديث وتشيد بمزاياه، وتريد تعلم الحضارة والتقدم من الجيران، مدفوعة بطمع يعمي القلوب التي في الصدور بقرب إلى واشنطن، يرون تل أبيب وسيلته المثلى والأكفأ، وبواسطة تسويق الطمع لدى المشيخات الخليجية والعربية من ورائها، صارت تل أبيب قبلة وإيماناً لقلوبهم.
نجحت واشنطن بتغذية الطمع لدى القلوب الجشعة، وسحر الأعين النهمة، والنفخ في أحلام الزعامة البائسة، لقبائل ورثت دولًا وتحكمها بالعقلية القروسطية، باتت قصور الحكم في الخليج كلًا مستباحًا للصهاينة، وخدمًا متذللين على أعتاب الرضا الصهيوني والإشارة الصهيونية.
من الرياض إلى أبو ظبي، أو المنامة، الجميع يهرول على طريق الخيانة، ويستجدي العطف الصهيوني السامي بكل ما أوتي من سبل ومال وأعوان، والنتيجة هي ما يستشعره أمراء الخليج من خسارة قاسية برحيل حليفهم وصديقهم بنيامين نتنياهو، وحكومته قبله، إلى مزابل التاريخ.
لكن الحيرة الحقيقة من المواقف الساقطة للأنظمة التي اختارت حلف الشيطان الصهيوني، تبدت في كل هذا الهلع إزاء انتخابات تجري في دولة يربطنا بها ويشدنا إليها مصير وجغرافيا ودين، فسخرت كل إمكانياتها لمحاولة النيل من العملية الانتخابية برمتها، وكأن تلك الإمارات المتناثرة على بقع من الرمال المتحركة ورثت عن واشنطن صكوك الديمقراطية، فقررت أن تمنعها أو تمنحها لطهران!
قريباً يسدل الستار على المسرحية الفعلية في مماليك الخزي والعار.. عندها سيشهد العالم لمن سيصفق الجمهور ويرفع القبعة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024