آراء وتحليلات
جامعة الدول العربية.. الدور المفقود بانتظار عودة دمشق
د. علي أ. مطر
تنعكس التغيُّرات الإقليمية والدولية على المنطقة العربية بشكل دائم ومستمر، وتؤثر إلى حد كبير في دولها وقدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة، إذ تقف الدول العربية عاجزة في مواجهة التحديات خاصةً أمام تنافر مصالح دولها. ودائمًا ما يشهد العالم العربي أحداثاً وأزمات يمكن تقييمها ووصفها بأنها من أصعب ما يمر به، وعادة ما تكون هذه الأزمات متعددة الأطراف، ما جعل هذه المنطقة تدخل في نزاعات وخلافات وتقف أمام تحديات تفقدها روابطها التي يمكن أن تجعلها ذات إقليم مشترك.
لقد أصبح الحديث عن الإقليم العربي، والمظلة العربية، والجامعة التي تشكل اجتماعاً واحداً صعباً جداً، نتيجة الترهيب الذي تمارسه بعض الدول العربية بمالها وعجرفتها، وبسبب تبعية هذه الدول إلى الخارج، حتى صارت السيادة العربية شيئاً عابراً لم يعد له قيمة، هذا فضلاً عن مصادرة قرار هذه الدول وتبعيتها وتأثرها اللامحدود بالنظام العالمي القائم الذي جعل منها أداة لتحقيق مصالحه واستراتيجياته لا سيما من قبل الولايات المتحدة الأميركية المسيطر الأول على هذا النظام، وفي ظل غياب النموذج الممانع الذي تمثل بسوريا عن الجامعة.
لم يعد هذا النظام ملائماً، مع ما تمر به الدول العربية من تقلبات وتحديات أمنية، خاصةً إبان الأزمة السورية، وخروج سوريا العضو المؤسس من الجامعة، ما جعلها مجرد تجمع لا يقدم ولا يؤخر في حل الأزمات، بل بات قراره مرتهناً للأموال التي تدفعها الدول الخليجية، فالجامعة لا طعم لها بلا سوريا التي كانت الأساس إلى جانب مصر في تأسيسها، إبان الوحدة المصرية السورية انذاك، والمساعي التي حصلت حينها للوصول إلى نظام إقليمي مشترك.
عشر سنوات مرت من عمر الأزمة السورية، أصبحت معها الجامعة مترهلة، لا دور يذكر لها في حل قضايا العرب، عقد كامل من عمر الأزمة مر على تعليق عضوية الدولة السورية في جامعة الدول العربية، باتت الجامعة معه عاجزة عن بلورة حلول للقضايا الكبرى التي تواجهها، على رأسها القضية الفلسطينية، والأزمات السياسية والاقتصادية لدى العديد من أعضائها.
ولكن بعد أن صمدت الدولة السورية وانتصرت على المؤامرة، التي للأسف كانت الجامعة جزءاً منها، بدأت تجدد الدعوة لعودة سوريا إلى الجامعة، في تعبير مباشر عن إدراك العالم العربي لحجم الضرر الذي عاد على سوريا والسوريين جراء التدخلات الخارجية. وتجددت الدعوة طيلة السنوات الماضية لعودة سوريا لشغل مقعدها بالجامعة العربية، دون أن تجد تلك الدعوات طريقها للتنفيذ على وقع خلافات داخل البيت العربي إزاء تلك الدعوات، لكنّ تغيّر المعطيات حالياً على الساحتين الإقليمية والدولية، وحتى على صعيد المشهد داخل سوريا، بات يُحتم عودة قوية وفاعلة ومؤثرة للدور العربي، وهو ما أكده الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، الذي قال إن عودة سوريا لشغل مقعدها بجامعة الدول العربية، ستسهم من دون شك في تطبيع العلاقة السورية العربي العربي.
أبرز الإخفاقات في تاريخ الجامعة
منذ تأسيسها لم تقم الجامعة بشيء يذكر لمصلحة القضايا العربية، ولم يُبصر التّعاون الذي كان يفترض أن يحصل في ظل تأسيس الجامعة النّور، لا بل أن الجامعة منيت بسلسلة من الإخفاقات، على رأسها معالجة القضية الفلسطينية وحماية المقدسات. لقد بدأت هذه الاخفاقات مع الاعتداء على مصر عام 1956 مروراً بحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973. وقد شهدت السّاحة العربيّة أربع جولاتٍ من الصراع العربيّ ـ الإسرائيليّ منذ الإعلان عن "إسرائيل" في أيار/ مايو 1948 وحتى حرب تشرين الأول/ اكتوبر 1973. ومرّت الأمّة بالكثير من الأحداث أيضاً، مع اجتياح لبنان 1982 وصولاً إلى اجتياح العراق للكويت عام 1990، ومن ثمّ الحرب الأميركيّة الأولى على العراق 1991. وقد شكّلت الأزمة العراقيّة - الكويتيّة شاهدًا على عدم قدرة الجامعة العربيّة على التّعاطي بفعاليةٍ مع القضايا المنّفجرة وفي مقدّمتها قضايا الحدود السّياسيّة. ما كشفته هذه الحرب، هو أنّ "نظام الأمن القوميّ العربيّ، الذّي حاولت جامعة الدّول العربيّة إقامته، منذ عام 1945 حتى 1990، لم يُحقّق المُرتجى منه".
لم تنته الإخفاقات بعد حرب الخليج الأولى، بل استمرت بعد العدوانين الإسرائيليين على لبنان في تموز/يوليو 1993 ومن ثم نيسان/أبريل 1996، كما سجل العجز العربي في حفظ الأمن القومي مرة جديدة أمام الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
بدت الدول العربية مجدداً عاجزةً عن التحرك لردع العدوان، بل إن هناك دولاً اشتركت مع التحالف الأميركي في غزو العراق وسهلت له هذه المهمة من خلال قواعده المنتشرة في الخليج، "وبدلاً من أن تكون قمة شرم الشيخ التي انعقدت في 1/3/2003 لبحث الوضع العراقي وكشف ما تقوم به واشنطن، فإنها كانت مكاناً لعرض التشرذم العربي وعجز العرب على الحفاظ على الأمن القومي العربي.
وفي تموز/يوليو 2006 تفاقم التشرذم العربي، خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، تحت تصور أن القضاء على حزب الله اللبناني يحل الأزمات في الشرق الأوسط. وقد تفاعلت قضية تراجع مفهوم الأمن القومي العربي، لتدخل في مرحلة جديدة أكثر خطورة، بعد "ثورات الربيع العربي" ومن ثم التدخل الأجنبي في ليبيا، ومن ثم الأزمة السورية، والفشل في منع العدوان السعودي على اليمن، وكذلك إعلان تنظيم "داعش" عن دولته، والتي شكلت مرحلة انعدام الأمن القومي العربي، كما شكلت تراجعاً لدور جامعة الدول العربية التي لم تستطع إيجاد حلول لهذا النزاع، بل إتخذت قرارات فاقمته ما ساهم بتنامي حدته وساعد في انتشار وتقوية الجماعات الإرهابية، بدل أن تعمل على إرساء السلام في سوريا والحفاظ على أمنها وسيادتها وكيانها الذي كان أمام خطر التقسيم إلى دويلات.
ثانياً: الجامعة بحاجة الى سوريا مجدداً
لقد ساعدت جامعة الدول العربية بشكل أو بآخر على تأجيج النار الكبرى في سوريا بدلاً من إخمادها، لا سيما بعد أن قامت بتعليق عضوية دمشق في الجامعة خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، ودعت إلى سحب السفراء العرب بحجة تنفيذ مبادرتها لحل الأزمة في سوريا وذلك بشكل يخالف ميثاقها، حيث إن سوريا لم تخالف واجباتها التي تحرمها عضويتها كما تنص المادة الثامنة عشرة من الميثاق.
سوريا التي انتصرت، لم تكن بحاجة إلى منظمة إقليمية تفرق ولا تجمع، تتآمر عليها بدل الوقوف معها، في ظل الأحداث التي عصفت بأمنها لا بل بالأمن القومي العربي بأكمله. هذه الجامعة التي نشأت منذ عام 1945، لم تقدم رؤية متكاملة عن الأمن القومي، ولم تستطع تحقيق أهدافها، التي كان أبرزها توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها.
لقد ذهبت الجامعة في خضم الأزمة السورية إلى محاربة الدولة عوض الوقوف معها. وبدلاً من أن تتوحد دول الجامعة حول سوريا الداعم العربي الأول لفلسطين، اختارت المشاركة في تدمير بنية الدولة. وقد شكلت الحرب على سوريا تراجعاً لدور جامعة الدول العربية التي دخلت فيها كشريك للحرب، بدل أن تعمل على إرساء السلام فيها والحفاظ على أمنها وسيادتها وكيانها الذي كان أمام خطر التقسيم إلى دويلات.
وبعد 10 سنوات عاد ربيع سوريا يزهر مجدداً، وأصبحت الدول العربية تتقاطر إليها من أجل إعادة العلاقات معها، تحت شعار عودة سوريا إلى المناخ العربي، خاصةً بعد أن أدركت أنّ الإقليم العربي بلا سوريا لا قيمة له، ولا يمكن للجامعة أن تنتج موقفاً موحداً في ظل غياب رأس الحربة العربية في مواجهة الكيان الصهيوني.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024