آراء وتحليلات
وانتصرت المقاومة الفلسطينية.. "اسرائيل" إلى أين؟
شارل ابي نادر
حتى صباح الأمس (20 أيار)، بقي رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو يصرح بأن العملية العسكرية ضد غزة والتي أسماها "حارس الأسوار" مستمرة، في الشكل المناسب لمواجهة "حماس والفصائل الأخرى"، وفي المدى الكافي لتحقيق جميع الأهداف التي وضُعت لها، ليعود وبعد اجتماع حكومته المصغرة، ويقرر الالتزام بوقف اطلاق نار كما اقترحته بعض الأطراف الخارجية، على أن يكون متزامنًا مع قرار مماثل من الفصائل الفلسطينية في غزة.
طبعًا، وباعتراف كامل الداخل الإسرائيلي تقريبًا، من إعلاميين وباحثين استراتيجيين ومسؤولي أجهزة أمنية وعسكرية، فإن العملية لم تحقق أي هدف له قيمة عسكرية أو سياسية من الأهداف التي وُضِعَت لها. فقط، ما نتج عن عملية "حارس الأسوار"، أن عملية المواجهة التي خاضتها ضدها المقاومة الفلسطينية تحت اسم "سيف القدس"، حققت ما لم يكن أحد يتوقعه، حتى من قادة فصائل المقاومة الفلسطينية، والتي خاضت أشرس مواجهة في تاريخها ضد الكيان حتى الآن، أولًا، لناحية نجاحها في إدارة وتنفيذ مناورة استهداف صاروخية لافتة، وثانيًا لناحية كشف رزمة واسعة من نقاط الضعف لدى العدو، لم تكن لتظهر لو لم تتطور المواجهة الى المستوى الذي بلغته، وثالثًا، لناحية نجاح هذه المقاومة في فرض أكثر من معادلة، ستشكل نقطة مفصلية في صراعها ضد العدو بعد اليوم.
لقد برهن العدو من خلال اخفاقه في عمليته "حارس الأسوار"، أن هذه الجولة الأخيرة من المواجهة، كشفت الكثير من الثغرات الخطرة والحساسة، بعد أن كان يعتقد قادته أنها هي التي تشكل له عناصر القوة التي يمكن أن تحمي أمن واستمرارية الكيان، وذلك على الشكل التالي:
القبة الحديدية: لفترة طويلة سبقت عملية "سيف القدس"، كان الاعتقاد سائدًا في "اسرائيل"، وفي العالم أيضًا، أن منظومات الدفاع الجوي بشكل عام والقبة الحديدية الإسرائيلية بشكل خاص، قادرة على تأمين حماية الأجواء من الصواريخ والأجسام الطائرة الأخرى، بنسبة تتجاوز الـ60 بالمئة لتصل في أحسن ظروف نجاحها الى 75 بالمئة، خاصة أنها نالت حقها من التمويل والتجارب والمناورات، اضافة الى أنها استفادت من التجهيزات التقنية المكملة لها، مثل الرادرات وأجهزة التشويش والاتصال والربط الالكتروني، من الأغلى والأكثر تطورًا في العالم، لتكون النتيجة: فعالية شبه معدومة لهذه القبة الحديدية، بعد أن تجاوزتها نسبة كبيرة من صورايخ المقاومة، وصلت الى عمق الكيان وإلى شماله وجنوبه، مهددة أغلب المواقع الإستراتيجية، والتي طالما كانت نقاط ارتكاز الدفاع عن هذا الكيان، وخاصة المطارات العسكرية التي كانت دائمًا الحاضنة الرئيسة للقوة الضاربة لسلاح الجو، وبالتالي لجيش العدو.
سلاح جو العدو: تبين أن فعاليته محصورة فقط في الاغتيالات للمدنيين الآمنين، ولعائلات بعض قادة المقاومة في منازلها، ولبعض المقاومين الذين أعطوا نجاح المناورة والمواجهة الأفضلية على حياتهم، فاستشهدوا في أصعب ظروف التضحية، بهدف إنجاح "سيف القدس" وتحقيق الانتصار، ولم يستشهدوا بسبب نجاح وفعالية سلاح جو العدو الذي فشل في تحقيق أي هدف منتج لمناورة العدو، والتي هدفت بالأساس الى اغتيال أكبر عدد ممكن من المقاومين والقادة والكوادر، وإلى تدمير الأنفاق وقواعد إطلاق الصورايخ ومنعها من مواصلة مسار ونمط الإطلاق.
من جهة أخرى، أثبتت المقاومة الفلسطينية في هذا الإنتصار التاريخي، أنها السند الرئيس للشعب الفلسطيني، وأنها العمود الفقري الأساسي لجبهة الدفاع عن الأقصى والقدس، وأنها السبيل الوحيد والطرف الأمكن والأقوى والأكثر قدرة على استعادة الحقوق وحماية المقدسات.
منظومة الأنفاق التي عززتها وثبتتها المقاومة عبر شبكة عنكبوتية معقدة من عشرات أو مئات المداخل والمخارج والفتحات الجانبية والاحتياطية المحصنة، وامتدت على مساحة واسعة، تحت قطاع غزة بكامله تقريبًا، على شكل قاعدة ضخمة مفتوحة ومرتبطة ببعضها بعضًا بمئات المسارب المحمية، وحيث أصبحت صالحة لكل أنواع المناورات، دفاعًا أو هجومًا أو للعمليات الخاصة أو لإطلاق الصورايخ، شكلت نقطة الارتكاز الأقوى في عملية "سيف القدس".
النقطة الأخرى والتي يمكن استنتاجها من نجاح المناورة الصاروخية للمقاومة، ومن فشل العدو في تدميرها أو في عزلها أو في اخراجها من الخدمة، أن هذه الشبكة العنكبونية من الأنفاق محصنة أمنيًا بشكل كامل، وأن طاقمها والعاملين فيها أو الذين ساهموا في حفرها، بالاضافة الى من يرتبط بهم عائليًا، هم أيضًا محصنون أمنيا وبعيدون عن امكانية الإختراق من قبل العدو، وهذه نقطة أخرى تضاف إلى نقاط قوة المقاومة حاضرًا ومستقبلًا، وبالتالي يكون العدو قد خسر أيضًا نقطة أخرى من النقاط التي طالما راهن عليها.
مع كل هذه الإخفاقات التي أصابت العدو الإسرائيلي في عملية "سيف القدس"، والتي حتمًا سوف سيكون لها تداعيات مستقبلية على موقعه في الصراع المفتوح الذي وضع نفسه فيه، ولن تتوقف تداعياتها على نتائج المواجهة الأخيرة فقط، يبقى السؤال الاساس وهو: هل سيستطيع العدو تجاوز هذه الثغرات البنيوية في هيكليته الامنية والعسكرية؟ وكيف سيكون مصير هذا الكيان غير المستقر بعد اليوم؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024