آراء وتحليلات
الخيمة السعودية في بيروت: انتصار على من؟
علي عبادي
سنسلّم بأن وزير الخارجية اللبناني شربل وهبة أخطأ في مقابلته مع قناة "الحرة" الأميركية، وكان عليه أن يعتذر حفظاً لمصالح لبنانية وقد فعل. لكن الرجل دفع الثمن مرات عدة، مرة بإرغامه على الاعتذار من السعودية، ومرة أخرى بشن بعض الأوساط السياسية اللبنانية حملة قاسية عليه، ومرة ثالثة بحملة اعلامية سعودية تزعم أن له علاقة بمطلوبين في ملف المخدرات (اتهام جاء بعد تصريحاته لا قبل، مما يجعل الاتهام سائباً ومشكوكاً في دوافع مطلقيه)، ومرة رابعة في دفعه الى طلب إعفائه من ممارسة مهامه كوزير خارجية في حكومة تصريف الاعمال (المستقيلة).
وزير الخارجية اللبناني بدا في المقابلة منسجماً مع نفسه وبعيداً عن المواربة والمجاملات، خاصة في مقام توضيح دور حزب الله في تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي والجماعات التكفيرية واعتباره سلاح المقاومة "بوليصة تأمين" وعامل ردع في وجه العدو الاسرائيلي. لكن يبدو أن أكثر ما أثار حنق المسؤولين السعوديين ومن يواليهم من اللبنانيين (الاستقلاليين!) أنه تعامل بندية مع السعودية، وهذا غير مقبول من وجهة نظرهم ولا يتناسب مع حاجة لبنان الى المال السعودي!
صحيح أن الرجل أخطأ التعبير في ما يتعلق بتناول البدو بطريقة فُهم انها تحطّ من قدرهم، لكن ذلك جاء في لحظة غضب خرج على أثرها من الاستديو في سياق الرد على المحلل السعودي سلمان الأنصاري الذي سخر من رئيس الجمهورية اللبنانية، في حين ان اتهام الوزير وهبة غير المباشر لدول خليجية اسماها بـ "دول المحبة والصداقة والأخوة" بزرع وتمويل تنظيم داعش ترددَ من قبلُ في وسائل اعلام غربية وعلى ألسنة مسؤولين غربيين وليس من بنات أفكار وهبة.
وهناك شك في أنه استُدرج، لقلة خبرته في المناظرات التلفزيونية، من قبل القناة الأميركية التي وضعته في قفص أسئلة اتهامية، كما من طريق إشراك ضيف سعودي مستفِزّ.
خيمة الاحتفال بالانتصار!
بعد "العاصفة" التي أثيرت بسبب هذه المقابلة، كان يمكن أن تكتفي السعودية باعتذار الوزير اللبناني واستبداله بوزير آخر، لكنها فضلت أن تقيم في بيروت عراضة أشبه باستفتاءات المبايعة. هل هذا إعلان انتصار وفي عقر الدار؟ وعلى من؟ على الوزير الذي رحل، أم على رئيس الجمهورية الذي هاجمه الضيف السعودي دون أن يطالبه أحد بالاعتذار؟
السفير السعودي في بيروت كان واضحاً عندما أشار في تصريح له خلال حفلة "الخيمة العربية" في بيروت أن "الأهم ليس أن نعتبر (اعتذار الوزير اللبناني) كافياً أم لا، بل مراجعة السياسات الخارجية.. تجاه المملكة ودول مجلس التعاون..". إذاً، السعودية كبّرت الحجر واستخدمت تصريحات الوزير شربل وهبة لاستئناف الهجوم السياسي على لبنان، وهو هجوم استُؤنف أخيراً مع قصة الرمان - الكبتاغون، ونعرف أن هذه الشحنة استخدمت لبنان طريق عبور ليس إلا.
"خيمة المبايعة" السعودية في بيروت لم تكن ضرورية، لولا أنها نابعة من الحاجة الى إشباع الرغبة في إذلال لبنان الرسمي، وفي ذلك ربما تعويض عن الإذلال الذي عانته الرياض على أعلى المستويات من ترامب الذي قرّع مسؤوليها مرات ومرات مطالِباً بالمال والمال والمال، كما يفسر بعضهم.
وبعد، تخيلوا لو أن المقابلة محل الجدل كانت مع وزير سعودي أخطأ بحق لبنان، وردّ عليه صحفي لبناني بمثل ما قاله الصحفي السعودي، ماذا كانت لتكون النتيجة؟ هل سيجرؤ لبنان على مطالبة الوزير السعودي بالاعتذار، او هل سيُقال من جانب حكومته؟ وماذا سيكون مصير الصحفي اللبناني في المقابل، ألن تلاحقة تهمة القدح الذمّ والاساءة الى علاقات لبنان العربية ؟
نعرف الجواب سلفاً، لأن المعادلة مختلّة حالياً، والسعودية تدرك انها تمسك لبنان من اليد التي توجعه: اللبنانيين الذين يعملون في الخليج، إذ تلوّح مباشرة او عبر رجالها في لبنان باحتمال ترحيلهم عند كل جدل يتعلق بهذه العلاقات، علماً ان لا دولة في العالم تستخدم أسلوب ترحيل رعايا دولة اخرى اذا شابت علاقتها بها أزمة تصريحات.
ليس هكذا تكون العلاقات العربية.. علاقات استقواء، في وقت كان لبنان الرسمي يسعى فيه فعلاً لنزع فتائل التوتر مع السعودية، بينما تتخذ الرياض مواقف سلبية متتالية من لبنان ليس أقلها الممانعة في تشكيل حكومة لبنانية برئاسة سعد الحريري، وفق مؤشرات عدة، هذا اذا لم نعد الى الوراء لنتذكر أخذ الحريري رهينة في الرياض وإرغامه على تلاوة فعل الاستقالة من دون مقدمات.
هناك لبنانيون مرتهنون للسياسة السعودية: المال مقابل الدعم المطلق لمواقف المملكة ولو على حساب الكرامة الوطنية. وهناك لبنانيون في السعودية والخليج أصبحوا رهائن المزاج السعودي. وهناك حكومة لبنانية لم تولد لأنها رهينة حسابات سعودية اقليمية.
مرة أخرى، اذا كان وزير الخارجية أخطأ في التعبير ودفع ثمناً كبيراً قد يرافقه الى وقت طويل، فإن السعودية ذهبت بعيداً في الانتقام واستغلت ظروف لبنان لخلق استقطاب داخلي لبناني- لبناني لا يزيدها رفعة أو اعتباراً، وذلك يشير فقط الى ممارسة دبلوماسية فجّة تماثل فجاجة كل الخطوات التي اتخذتها بحق لبنان ودول عربية أخرى في السنوات الأخيرة، وتحديداً في عهد الأمير محمد بن سلمان.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024