آراء وتحليلات
تآكل نظرية الأمن الصهيوني
شريف عبد البديع عبد الله (*)
في شبابنا الباكر، وفي مقاعد الدرس والتعلم، كان منهج الدكتور حامد ربيع رحمه الله لدراسة نظرية الأمن الصهيوني هو وسيلتنا لفهم كيف تسير الأمور مع كيان إستيطاني عنصري إستعماري إحلالي.
تقوم نظرية الأمن لديهم أولآ على التعامل في الحرب مع الجبهات العربية على أنها جبهة واحدة، ينبغي أن يكون الكيان أقوى من إمكانات جيوش الوطن العربي مجتمعة، هذا إذا أجتمعت، وأن يقوم الكيان بفرض السلام عليهم حين ينتصر بمفاوضات مع كل طرف على حدة.
العنصر الثاني من عناصر نظريتهم هو مبدأ الحرب الخاطفة السريعة، فالكيان لا يحتمل نظرآ لظروف بنيوية خوض حرب طويلة المدى، فالكيان عبارة عن ثكنة عسكرية، وتعبئة الإحتياطي هو تنقيص من قوة العمل بالمصانع والمزارع لذا يتجنب دائمآ إطالة أمد المعارك، وهذا ما حملهم على الصراخ من حرب الإستنزاف 1967-1970 مع مصر، وهذا ما جربوه أيضآ من تجربة إحتلال جنوب لبنان ثم الفرار منه، وكذلك فرارهم من غزة في العام 2005.
العنصر الثالث من عناصر نظرية الأمن هو نقل المعركة الى أرض الخصم (الدول العربية) ومحاول صنع منطقة عازلة بين حدود الكيان وبين العدو، حتى يجنب الجبهة الداخلية مخاطر القصف.
العنصر الرابع هو إعتبار أن كل معركة هي المعركة الأخيرة، إذ ليس أمامهم سوى الإنتصار وإلا فالهزيمة تعني إنتهاء المشروع بأكمله معتمداً في ذلك على القوى الصانعة للكيان وهي هنا القوى الإستعمارية أو الناهب الدولي الذي صنع الكيان ليقوم بدور الكيان الوظيفي لتحقيق أهدافه.
وبهذا السرد السابق ذكره نفهم أن الكيان هو مجرد قاعدة متقدمة للغرب الإستعماري، زرع بشكل جيد شرق مصر بناء علي تصورات تلمودية إسطورية براقة، لعزل مصر عن مجالها الحيوي وأمنها القومي الموجود في المشرق العربي، ولضرب مصر إذا ما حاولت أن تنهض من جديد ( راجع عدوان العام 1956 ثم عدوان يونيو (حزيران) كنموذج حي وعملي ).
وكما نعلم أن مؤسس الكيان دايفيد بن غوريون قال واصفآ الدور الوظيفي للكيان بقوله: " نحن عاهرة الموانئ نبيع أجسادنا لمن يدفع"، وكذلك قوله "نحن مجرد حاملة طائرات غربية في هذه المنطقة وهي الأضخم في العالم".
فالوطن العربي الذي يضم الثروات والموقع الجغرافي والقدرة على تحقيق التكامل الإقتصادي الذي يجعله إذا ما أراد أن يكون قوة عالمية عظمي بموارده الطبيعية والبشرية تحت قيادة مصر.
وبطبيعة الحال هذا خط أحمر للإستعمار العالمي الذي يريد إجهاض أي إحتمال لتنسيق عربي بقيادة مصر، فهذه سوق كبيرة، ومناطق عمالة رخيصة، وهي كذلك مصدر من مصادر المواد الخام.
وفي هذه السنوات العجاف، التي بدأت بإحتلال وتدمير العراق في العام 2003 ثم تدمير ليبيا وإسقاط نظامها الوطني في العام 2011 ثم محاولة تركيع سوريا وتدميرها تبرز أنبل ظاهرتين للمقاومة الباسلة.
الظاهرة الأولى هي بروز حركة حزب الله والمقاومة اللبنانية بقيادة السيد حسن نصر الله وأركان حربه الذين إجترحوا معجزة بتحرير جنوب لبنان في العام 2000 بالمقاومة بدون إعتراف بالعدو وبدون إبرام إتفاق سلام وبدون الإذعان بقبول إستلام جنوب لبنان منزوع السيادة والسلاح.
لم يكتف المقاومون بهذا النصر العظيم، بل صمموا على إسترداد الأسرى لدي العدو من لبنانيين وعرب، وكان إنتصار تموز/ يوليو 2006 وإسترداد الأسرى ورفات الشهداء أيضآ بعد معركة مرًغ فيها المقاتل العربي أنف الغطرسة الصهيونية وأذل جنوده وقادته.
وامتدت هذه الظاهرة النبيلة بدعم من إيران وسوريا للجوار العربي، وأمدت المقاومة الفلسطينية بما تحتاجه من سلاح، ومن تدريب، ونقل خبرات، بل ودعم لوجستي ومعلوماتي ومخابراتي مكًن المقاومين في الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي وحماس من الصمود في مناسبات ثلاث ضد عدوان العدو الصهيوني أعوام 2009 ـ 2012 ـ 2014.
وبعد أحداث العدوان على سوريا واليمن والعراق، ظن العدو أن الفرصة صارت سانحة لتطبيق ما حلم به شيمون بيريز (الشرق الأوسط الجديد) بقيادة الكيان الذي يمتلك العقول والتكنولوجيا وبالمال الخليجي والعمالة الرخيصة المصرية، وكما صرًح شيمون بيريز لإحد وزراء الخارجية العرب ذات مرة (لقد جربتم قيادة مصر للأقليم عقودً طويلة، ماذا جنيتم سوي الهزائم والخيبات، فلتجربوا قيادتنا للأقليم).
وتم العمل على قدم وساق خلال إدارة دونالد ترامب للتحضير لـ"صفقة القرن" ومشروع "نيوم" وتم الإعلان عن (يهودية الدولة) والتطبيع مع عدد من الدول العربية، وظن الكيان أن قيادته للأقليم قد حان وقته وآوانه .
وفوجىء العالم في الأيام القليلة الماضية بتلك المحاولة الدنيئة للعدو للإستيلاء على حي الشيخ جراح في القدس تميهيدآ للسيطرة على المسجد الأقصى ومن ثم هدمه وبناء ما يسمى هيكل سليمان مكانه.
يعلم قادة الكيان بينهم وبين أنفسهم، وربما هذا ما صرح به بنيامين نتنياهو في لحظة صراحة نادرة أنه ليس متأكداً أن الكيان قد يكون قادراً على الإحتفال بمئوية "إنشاء الدولة".
فوجىء العدو بهذه الروح العالية للمقدسيين في الذود عن مقدساتهم وبيوتهم ووطنهم بصدورهم العارية وتعاطف الملايين معهم.
ولحسن الحظ، إلتقط المقاومون في غرفة العمليات المشتركة خيط الإنتفاضة الباسلة، ووجهوا للمرة الأولى في تاريخ المقاومة وتاريخ الكيان إنذاراً بسحب جنودهم من المسجد الأقصى والكف عن إستهداف المقدسيين وإلا ستكون الصواريخ تدك مخادعهم.
تعتبر الصواريخ تغيراً نوعياً في مسيرة الصراع العربي ـ الصهيوني، والجدير بالذكر أن أول من تنبه لأهمية الصواريخ وفاعليتها كانت مصر الناصرية (الظافر والقاهر) وكذلك الجنرال الذهبي للعسكرية العربية الشهيد عبد المنعم رياض.
كان يوم العاشر من أيار/ مايو 2021 مفصليآ في تاريخ الصراع، إذ أنه لأول مرة في تاريخ الصراع توجه المقاومة إنذاراً للعدو بسحب جنوده حتى الساعة السادسة وإلا عليه أن ينتظر العقاب.
ولإنه عدو متغطرس وغبي فلم يمتثل، وواقع الحال لم يكن منتظراً منه أن يمتثل ويفقد هيبة الجيش الذي لا يقهر بعد أن كان يراهن على أن صورته الذهنية في عقول العرب قد أعيد ترميمها بعد هزيمته المذلة في العام 2006 .
وبالفعل سقطت أركان نظرية الأمن القومي الصهيوني بوصول الصواريخ الدقيقة للداخل في فلسطين المحتلة لتنشر الرعب والذعر والحرائق والدمار والهزيمة النفسية قبل أي شيء آخر.
حاول العدو عبثاً أن يرد بغارات قد تردع المقاومة وترمم صورته الذهنية المتضررة والمهترئة، وإذا به يتحول إلي أضحوكة في نظر "مواطنيه" (أو قل المغتصبين) وفي نظر الشعوب العربية وفي نظر سيدهم الناهب الدولي.
هذا يوم من أيام الله ونحن نرى على الشاشات مدن الداخل المحتل وعاصمتهم تل ابيب وهي تحترق وتدك.
النصر حليف المقاومة والمقاومين
(*) كاتب مصري
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024