آراء وتحليلات
أوهام "السلام".. والسلاح
أحمد فؤاد
خلال العام المنقضي، مارس النظامان المسيطران في كل من السعودية ومصر، ما لا يمكن حصره من جهد ومال في تجميل عملية التطبيع الواسعة العربية الصهيونية، من الإعلام إلى الاتفاقات الاقتصادية، مرورًا بلقاءات سرية وعلنية، استثمر فيها ابن سلمان وتابعه السيسي الكثير من مواردهما، طمعًا في الوصول لرضا الإدارة الأميركية.
وكما أضاف فشل مسيرة المطبعين وضلال سعيهم، إلى ما هو مؤكد من القدرة العربية على الفعل، إذا ما توفر لها الحد الأدنى من إمكانيات المقاومة والصمود، فأنها تثبت من جديد وحدة القضية والعدو، قضيتنا كل فلسطين، وعدونا الأميركي وكل وكلائه.
البداية من محاولة شيطنة الفلسطينيين، واستغلال الانقسام المزمن ـ المفتعل ـ لتبرير التخلي عن قضية العرب المركزية، مرورًا بالتهويل والتعويل، التهويل من تفوق الكيان الصهيونية وقوته، والتعويل على إمكانات الكيان في الصناعة والتكنولوجيا لإنقاذ بلديهما من سوء بدء يلطم المواطنين، كل بحسب قدراته على التحمل.
ورغم أن البلدين بهما ما بهما من كوارث، تستحق صرف كل هذه الجهود لحلحلتها، إلا أن نظامي الحكم قررا الرهان على الورقة الصهيونية، وكما يقول المثل المصري "القلب وما يريد"، وقلوبهما السوداء لا تصدق إلا في حب الصهاينة، وإرداتهما لا تظهر إلا في الخضوع للأميركي.
تكفل أنصار الله خلال السنوات الست الماضية بالسعودية، هدموا في بهاء وتألق الأساطير التي نسجتها مملكة آل سعود طوال عقود عمرها القصير، وفضحوا بالفعل تجارتها بالدين، بل وسمسرتها في المقدسات الإسلامية، ثم مرغوا جيشها وعلمها وسلاحها في الوحل، وهو مستمرون بإذن الله حتى انتصار كامل يمسح عن وجه المنطقة هذا القيح.
بينما نشط النظام المصري بشدة في التواجد بمؤخرة كل صورة مع الصهاينة، لا تتجه دولة عربية إلى التطبيع، دون أن يباركها بيان رسمي من الرئاسة المصرية، لتثمين الجهود نحو السلام، في رسالة لمشغله الأميركي أنه صاحب دور ما، ووضعًا لاسمه غير الشريف في لوائح المكافآت.
نظام الجنرال المصري العاجز عن مجابهة التغول الإثيوبي على النيل، المرتعش من ترديد كلمة حرب في وسائل الإعلام التابعة كلية له، مستمر في حملته للوصول إلى تهدئة في فلسطين، بالطبع ستكون لصالح حلفائه الصهاينة.
لكن ماذا قدم هذا النظام تحديدًا لقضاياه، قبل أن يخرج متملقوه الأذلاء برفض ما يقولون أنه تضحيات لصالح فلسطين.
معهد إستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، سيبري "SIPRI"، خرج قبل أسابيع بتقرير كارثي عن صادرات الأسلحة إلى دول العالم، خلال السنوات الخمس الماضية، وضع مصر ثالثة على رأس أكثر الدول استيرادًا للسلاح، فيما وضع السعودية بالمقدمة.
رغم الأزمة الاقتصادية، والديون المتعاظمة والموازنة التي لا تعرف سوى العجز، رفع النظام عبد المصري مشترياته من السلاح بنسبة 136% في الفترة 2016-2020 مقارنة بالخمس سنوات التي سبقتها 2011-2015، ليحتل بجدارة وقصر نظر المركز الثالث في قائمة المستوردين بحصة 5.8% من حجم تجارة السلاح في العالم.
دفع النظام المصري مليارات الدولارات دعمًا لموازنات الدول المنتجة للسلاح، مثل فرنسا والولايات المتحدة، ولا تدخل في الحسابات صفقاته القريبة جدًا مع إيطاليا والتي تشمل تسليحًا بحريًا إضافيًا، في الوقت الذي لا تمتلك فيه إثيوبيا ـ الخطر المؤكد على الحياة ـ سواحل من الأصل.
ولمجابهة فاتورة السلاح الضخمة، رفع النظام من الديون المصرية إلى أرقام قياسية العام تلو الآخر، تضاعفت الديون الخارجية من 46 مليار دولار فقط في 2014، إلى نحو 123.5 مليار دولار في 2020، وتضاعفت الديون الداخلية من 1.8 تريليون جنيه في 2014 إلى نحو 4.5 تريليون جنيه في 2020.. والمقابل بالنسبة للمواطن العادي صفر، حتى لقاح كورونا الذي تحصل عليه الحكومة كمساعدات أو هبات يتم بيعه.
بينما جاء ابن سلمان في مقدمة مستوردي السلاح، مع نزيف حربه الإجرامية في اليمن، لتستحوذ السعودية على حصة قدرها 11% من سوق السلاح العالمية، وهي حصة هائلة وغير مبررة، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن السعودية حين تحل ساعة التهديد فإنها تتحول إلى قاعدة أميركية عسكرية، ولا يعتقد من الأساس ان جيشها قادر على الوقوف أمام أي عدو، مثلما حدث في حرب الخليج الثانية.
التقرير كشف عن دخول 6 دول عربية ضمن قائمة أكثر 11 دولة في العالم استيرادًا للسلاح، وإضافة لهذا، فإن السعودية ومصر تنفقان على استيراد السلاح ما يقرب من 4 أضعاف إنفاق التنين الصيني!.
لكن ماذا فعل سلاح الأنظمة العربية في أية قضية عربية؟
من اليمن إلى صدور المتظاهرين بالقطيف والبحرين والقاهرة، لا يعرف سلاح الأنظمة العربية إلا العزل من مواطنيه أو أمته، لا يجرؤ جنرال عربي على تخيل كلمة حرب، فضلًا عن خوضها، وأداء جيوشهم في أي ميدان فضيحة، ويستعيض النظام المصري عن الفشل بإنفاق مبالغ هائلة على أعمال تلفزيونية ومسلسلات، يزيف فيها الوقائع القريبة قبل البعيدة، ويخلط الوهم بالأمنيات.
لكن حين يكون التهديد ماثلًا، ووزير الدفاع الإثيوبي يدعو من يجرؤ للدخول في حرب على التجربة، سيتضائل النظام المصري، بجيشه وسلاحه وإعلامه، ويهرول إلى طلب "وساطة أميركية" لعلها تمنحه ورقة توت يستر بها عورته أمام شعبه، ويجد فيها منافقوه فرصة لتبرير الخيبة والعجز والخسة.
وفي مقابل الوكلاء، فإن العدو الأميركي الذي يضمن استمرار المشروع الصهيوني، ويمده بأسباب البقاء من ثرواتنا على حسابنا، هي أكبر بائع للأسلحة بالمنطقة، تبيع للجميع وهم القوة، مقابل شفط أرصدة هائلة إلى شركاتها وأسواقها، وحملًا لمصروفات بقاء الكيان العدواني.
كل حرب اشتعلت أو ستشتعل في المنطقة ورائها الأصابع الأميركية، والمواقف المعاشة قبل المستدعاة من الذاكرة تفضح أن حكامًا كهؤلاء لا يجرؤون على ضغط الزناد دون ضوء أخضر من واشنطون, التي تعتدي علينا بسلب الثروة مقابل وهم اسمه السلاح المتطور، لا ينطلق إلا للخلف، في وجوه الشعوب العربية.
وأخيرًا..
هل يعد الدورين العربي والإسلامي، في خدمة القضايا المقدسة، خصمًا من حقوق الشعوب، بالتأكيد لا، ومن يروج لهكذا مقولات ساقط أخلاقيًا، الأمر لا يتعلق سوى بالإرادة والشرف والقدرة، وواقع الحال يقول إن الأنظمة المطبعة لا تعرف لهم طريقًا من الأصل.
ونعاين اليوم، أن الموقف الإيراني المشرف مع فلسطين لم ينعكس سلبًا على الجمهورية الإسلامية، التي امتلكت من الإرادة ما مكنها من كسر حصارها، والرد الكامل على ما كان الكيان يصدره من أكاذيب وترهات بعزمه قصف المفاعلات النووية عسكريًا، بما يجري في كل شبر من أرض فلسطين، والرعب اليومي الذي يعايشه قطعان المستوطنين.
خلال عام كورونا وأزماته على أغلب دول العالم، رفعت إيران معدلات نموها 1.4% في النصف الأول من السنة المالية الجارية، فترة 20 آذار/مارس حتى 20 أيلول/سبتمبر 2020 على أساس سنوي، وبدون احتساب عوائد النفط، سجل الاقتصاد الإيراني نموًا بنسبة 1.3% عن الفترة المناظرة 2019، كما كشف عنه عبد الناصر همتي محافظ البنك المركزي الإيراني، وهو ما يتفق تمامًا مع تقديرات البنك الدولي الصادرة في شهر نيسان/ إبريل الماضي بشأن عبور طهران لأزمة كورونا بشكل كامل، واستعادتها القدرة على النمو.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024