آراء وتحليلات
السياسة الخارجية العراقية.. ثبات في مواجهة التطبيع
د.علي.أ.مطر
تعد السياسة الخارجية أحد أهم العناصر المحددة لسلوك الدولة، والتي تدل على نمط علاقاتها ورؤيتها السياسية التي تتراوح ما بين الصراع أو التعاون، حيث تأتي من سياقاتها مصطلحات الرفض والممانعة أو القبول والخنوع، التطبيع مع العدو أو البقاء في الصراع، وهذا ما تنطبق عليه علاقات الدول العربية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي اليوم، حيث ذهب بعضها إلى قبول التطبيع مع الكيان مؤخراً وتنازل عن القضية الفلسطينية كالإمارات والبحرين وغيرهما، ومنها ما زال يُعد أحد الدول المحافظة على القضية والداخلة في خضم الصراع، كالعراق الذي يتحمل ضغوطات خارجية كثيرة تحثه على السير في ركب التطبيع.
منذ ما بعد الغزو الأميركي، يسعى الكيان الصهيوني إلى جعل العراق حليفاً له في المنطقة عبر تطبيع العلاقات معه، وفي ظل الرفض العراقي لذلك، فإنه يعمل على جعله ساحة حرب وصراعات، كحال بقية الدول العربية التي لم توقع على اتفاق "سلام". وفيما لم يعترف العراق حتى الان بكيان العدو فإنه يواجه مساعيَ عربية ودولية حثيثة لجعل هذا البلد يقبل التطبيع، في مقابل مظلة إقليمية وعربية تتمثل في إيران وسوريا وقوى المقاومة في العراق وخارجه تعمل على رفض ذلك. وقد كان لافتًا تعليق رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على اتفاق التطبيع بين الإمارات و"إسرائيل"، حيث رأى أن السلام بين أي دولة عربية و"إسرائيل" مسألة سيادية تقررها الدولة المعنية، فكيف تؤثر العلاقات الخارجية العراقية على العلاقات مع الكيان الإسرائيلي؟ وهل أن شبكة العلاقات الخارجية العراقية تحمي بغداد من "إسرائيل" ام ترميها في احضانها؟ أسئلة سنحاول الاجابة عنها في هذا المقال.
أولاً: الأهداف الإسرائيلية في العراق
يعد العراق صاحب مكانة واسعة على الساحتين العربية والاقليمية، نظراً للموقع الاستراتيجي الذي يحتله، حيث يحده من الجنوب الكويت والسعودية، ومن الشمال تركيا، ومن الغرب سوريا والأردن والسعودية ايضاً، ومن الشرق إيران، وبالتالي فإن أي تسوية شاملة في المنطقة، لن تكون مكتملة إذا بقي العراق خارجها أو رافضاً لها. وبفضل موقعه يعتبر العراق أحد أهم الأركان في ترتيبات الأمن الإقليمي، ولا يمكن بناء نظام أمني إقليمي مستقر في المشرق دون مشاركة عراقية، كما لدول الخليج و"إسرائيل" مصلحة في الحؤول دون أن يكون العراق قوة إقليمية فاعلة، أو أن يشعر بأن أمنه مهدد، وهو تصور يمكن أن ينشأ من جراء استثناء العراق من الترتيبات الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك فإنه يراد للعراق أن يكون طرفاً مواجهاً لإيران في المنطقة.
وفي حال حصول هكذا علاقات، فإن "إسرائيل" ستحقق أهدافا ونتائج سياسية واستراتيجية كبيرة، حيث سيؤدي ذلك إلى مزيد من الضغط على سوريا لتقديم تنازلات بشأن الجولان ودعم الموقف التفاوضي الإسرائيلي في المفاوضات المتعلقة بأي اتفاق سلام في المنطقة، كما سيضغط على بقية الدول العربية للدخول في علاقات مع الكيان، والمشاركة في مشاريع إقليمية مشتركة مع "إسرائيل ".
بالإضافة إلى ما تقدم، فإن أي ترتيبات إسرائيلية عراقية سوف تزيد الضغط العربي ـ الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية في إيران وايجاد قوة موازية لاحتواء النفوذ الإيراني وقوة وتمدد محور المقاومة، فضلاً عن تفتيت اي محاور وتحالفات تقوم في وجه كيان العدو، في حين سيؤدي إلى قيام محور إسرائيلي ـ أردني ـ عراقي ـ خليجي تدفع إلى إنشائه مصالح سياسية واقتصادية مشتركة، كل ذلك سيؤدي إلى منافع داخلية للكيان اقتصادية وسياسية، من ضمنها تأييد سياسي وانتخابي للحكومة الإسرائيلية، وفي المقابل لن يحقق العراق نتائج تذكر من خلال تطبيع العلاقات، بل إن ذلك سيؤدي إلى تراجع الثقة الشعبية بأية حكومة تقدم على ذلك، فضلاً عن توتر علاقاته مع جيرانه خاصةً مع سوريا وإيران التي باتت تعد شرياناً أساسياً للاقتصاد العراقي.
ثانياً: دور العلاقات الخارجية للعراق في مواجهة التطبيع
لا شك أن تمسك العراق بالقضية الفلسطينية، وعدم تخليه عن حقوق الفلسطينيين هما من الثوابت الخارجية الحالية لدى الدولة العراقية، ما يجعلنا أمام ثوابت تسقط أية محاولات للدخول في علاقات مع الكيان الإسرائيلي؛ لكن مع أن هناك ثوابت عراقية في مواجهة الكيان الإسرائيلي، فإن هناك عدة متغيرات مقابل هذا الثابت، من الممكن أن توثر على الأطراف الرسمية العراقية، ومن أهمها الضغوطات الأميركية نتيجة وجود قوات الاحتلال الأميركي، وانفتاح أطراف داخلية على أي علاقة مع "إسرائيل" خاصةً في اقليم كردستان، وتأثير السياسة الخارجية للعراق سلباً أو ايجاباً على نشوء علاقات مع كيان العدو وعلى رأسها العلاقات الاقليمية والعربية.
في سياق ما تقدم، تأتي العلاقات بين العراق وإيران من أهم التوازنات في المنطقة، والعلاقات القائمة على الاحترام المتبادل بين الجيران، والتي تلعب دوراً أساسياً في منع حصول أي علاقة عراقية مع كيان العدو الإسرائيلي، لكن من شأن أية توترات عراقية ـ إيرانية أن تعزز استغلال بعض الأطراف في التوصل إلى تطبيع العلاقات مع الكيان لموازنة التهديد الإيراني، ولا سيما إذا أخذنا في عين الاعتبار الضعف العسكري العراقي الحالي وهشاشة وضع العراق السياسي والأمني، وفي مقابل ذلك يلعب الأتراك دوراً ضاغطاً على العراق إلى جانب كيان العدو، من خلال الاعتداء على أراضي العراق ومياهه.
وكذلك تلعب العلاقات الجيدة بين العراق وسوريا دوراً هاماً يضر بالمحاولات الإسرائيلية لسلب العراق إرادة المواجهة والذهاب نحو التطبيع، حيث إن تحسن العلاقات العراقية ـ السورية يمكن أن يؤدي إلى خلق كتلة عربية قوية تؤثر في المشروع الإسرائيلي، من خلال قيام محور ممانعة عراقي ـ سوري ـ إيراني، وهو ما يشكل محوراً استراتيجياً مهماً في مواجهة الكيان الاسرائيلي. وعلى المقلب الغربي للحدود العراقية، تسعى "إسرائيل" لمنع تحسن العلاقات بين الأردن والعراق، لمنع قيام اتحاد عراقي ـ أردني معاد للكيان الإسرائيلي.
وتبقى العلاقات بين العراق ودول الخليج لا سيما السعودية، هي الأكثر خطورة في ذهاب العراق نحو تسوية مع كيان العدو أو القبول بالتطبيع، خاصةً بعد الانفتاح الخليجي الواسع على الكيان الإسرائيلي، فمع نشوء علاقات إسرائيلية ـ خليجية، فإن بعض القوى الخليجية الصغيرة تنساق بصورة متزايدة باتجاه اعتبار الكيان الإسرائيلي ثقلاً موازناً للعراق وإيران على حد سواء، وهنا يبدأ التأثير على العلاقات مع العراق لدفعه نحو القبول بالتطبيع معه، وإلا فإنه سيكون أمام حصار من نوع جديد، ومع ذلك فإننا لا نرى أن العراق سوف يذهب نحو هكذا علاقة، ولن يتخلى عن قضية فلسطين والمسجد الأقصى بل سيقى سباقاً بالدعم لها، ولن يتأثر بعلاقاته بالدول التي ذهبت نحو تطبيع العلاقات مع "اسرائيل".
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024