معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الرهان الأميركي على
07/05/2021

الرهان الأميركي على "هلسنكي" جديدة في التفاوض مع إيران

إيهاب شوقي

الراصد للتقارير الأمريكية وتوصياتها، يخرج بنتيجة مفادها أن الرهانات الأمريكية على المفاوضات سواء مع إيران أو مفاوضات الطمأنة مع العدو الصهيوني والخليج، لا تخرج عن كونها رهانات اقتصادية بمعزل عن تحالفات مبدئية أو وضع حسابات، ولو ضئيلة للجوانب الأيديولوجية.
وبتوضيح أكثر، فالنظرة الأمريكية لقياس نجاح سياستها تجاه الجمهورية الإسلامية، هي العصا الاقتصادية وتداعيات الحصار والعقوبات والرهان المستمر الخاسر على تفجير الوضع في ايران، وكذلك التلويح بالجزرة الاقتصادية مقابل التنازل عن الثوابت الثورية والتخلي عن دعم حركات المقاومة.

ويرى كثير من خبراء السياسة الأمريكية أن تطبيع العلاقات بين إيران ودول الخليج ممكن، ويرون في ذلك التطبيع فوائد اقتصادية تعم على سوق النفط بدخول النفط الإيراني وانعكاس ذلك على أسعار النفط، كما يراهنون على تحييد الخلافات وتبريد الصراع وهو ما يقود إلى عاملين رئيسيين من وجهة النظر الأمريكية، وهما:

1- الخروج من حالة الحصار والتحدي التي تلم شمل الشعب الإيراني تحت وطأة الأزمة وتحدي الخطر الخارجي والاصطفاف لمواجهته، وبالتالي الرهان على بروز قوى معارضة موالية للغرب لا تستطيع الإفصاح عن نفسها أو العمل بأريحية في ظل الحصار والأزمة، وفقا للمنظور والرهان الأمريكي.

2- الرهان على تخفيف الحدة والصلابة الإيرانية بما يخص مواجهة الغرب والعدو الصهيوني وبتخفيف الدعم لحركات المقاومة كجزء من تفاهمات بين الخليج وإيران، حيث يعمل الخليج مفاوضا بالوكالة عن الغرب والعدو الصهيوني، وفقا للرهان الأمريكي.

ومن الواضح هنا ان الرهانات الأمريكية تغفل عاملين أساسيين، الأول، أن تحدي الاستعمار ودعم حركات المقاومة هو مكون أيدلوجي للثورة الإسلامية وليسا ملفين تفاوضيين يمكن عقد الصفقات بشأنهما.
والثاني، هو أن الحصار والاستهداف كانا نتيجة هذين المكونين، ولم يشكلا رد الفعل، وبالتالي فإن ما لم يؤخذ بالقوة، لن يؤخذ بالتفاوض.
الرهان السابق لإدارة أوباما، وربما الراهن لإدارة بايدن، هو رهان على تحولات اجتماعية وسياسية في الداخل الإيراني، بالرهان على انتعاشة اقتصادية داخلية وحدوث اختراقات ثقافية بالنزوع للرفاه وثقافة الاستهلاك، واختراقات سياسية لمنظمات توالي الغرب تحت رايات حقوقية وديمقراطية.

وهو ذات الرهان الذي قامت به الولايات المتحدة في الحرب الباردة، حيث قامت ببث الدعايات المضادة للشيوعية وزرع منظمات ترفع راية الديمقراطية، شاركت فيما بعد في التفكك الحادث للاتحاد السوفيتي، والذي وقع على وثيقة هلسنكي ولم يكن يعلم أن بنودها الفرعية هي الفخ المنصوب بعيدا عن البنود الأساسية التي تصدرت الوثيقة.

صدرت الوثيقة في عام 1975، وهي تتضمن الاتفاق على مبادئ تدعو إلى تأسيس علاقات جديدة في أوروبا قائمة على المساواة في السيادة، واحترام حقوق السيادة الوطنية لكل دولة، وحصانة حدودها ووحدة أراضيها وسلامتها، وحل الخلافات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية بما فيها حرية التفكير والمعتقدات، والمساواة بين الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وترسيخ مظاهر التعاون بين الدول وتنفيذ الالتزامات والتعهدات الدولية بما ينسجم مع ميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي.

وكانت البنود التي تصدرت واجهة الوثيقة، هي الحرص على أن يتحول التوتر العسكري إلى علاقات تعاون عسكرية تستهدف تدعيم الثقة العسكرية بين الدول الأوروبية.

ويشمل ذلك الإبلاغ المسبق عن المناورات العسكرية التي ستقام في القارة وتحديد هدف المناورات وزمانها والدول وعدد القوات المشاركة فيها، وتبادل المراقبين والخبراء العسكريين للاشتراك في هذه المناورات.

وطالبت الوثيقة أيضا بضرورة العمل على نزع عام وشامل للسلاح وتوفير رقابة دولية فعالة لتحقيق ذلك. كما أكدت وثيقة هلسنكي على ضرورة الربط بين الأمن السياسي والعسكري، وبين أمن كل دولة من دول المؤتمر وأمن القارة الأوروبية.

إلا أن الفخ في الوثيقة، كان للأسف هو الجانب الإنساني، كحقوق الإنسان وحرية الفكر والعقيدة والتنقل وضرورة تسهيل نقل المعلومات وانتشارها وتبادلها بين دول القارة بالوسائل الإعلامية المختلفة، وتوسيع إطار التعاون الثقافي بالوسائل المختلفة مثل إقامة علاقات بين الجامعات والمعاهد وتسهيل تعليم اللغات المختلفة، وتبادل الزيارات العلمية، والمشاركة في المؤتمرات ذات الصفة العلمية.

وكان التعليق البارز للخبراء والمؤرخين حول الوثيقة، مفاده أن "وثيقة هلسنكي كانت بداية مرحلة جديدة للعلاقات بين الشرق والغرب، ولكن كان من ثمارها، تقويض الاتحاد السوفياتي في مرحلة لاحقة حيث كان يراه الغرب مصدر تهديد لغرب أوروبا من خلال منظومته العسكرية المسماة حلف وارسو".

ويؤكد ذلك أن بعض الخبراء الأمريكيين ذكروا وثيقة هلسنكي بالاسم، في توصياتهم بشأن المفاوضات مع إيران داعين الإدارة الأمريكية إلى استخدام ذات الأدوات الديمقراطية في الإطاحة بالثورة في إيران على غرار الاتحاد السوفياتي السابق!

أمريكا التي تنسحب من المنطقة بقوتها الظاهرة للتركيز على صراعها مع الصين وروسيا، تريد تبريد الصراع وخلق تعاون خليجي صهيوني عسكري واستخباراتي، وخلق حالة من الاسترخاء الإيراني استعدادا لجولة لاحقة من الاستهداف، وفي الطريق لهذه الجولة، الرهان على تغيرات داخلية إيرانية.
وإيران والمقاومة لا تغفلان عن هذه الخيارات الأمريكية والرهانات الخائبة، وإضافة إلى الصمود والشجاعة والصلابة في التمسك بالثوابت، فهي مسلحة بدروس التاريخ وأفخاخه ومتمتعة بالوعي الكافي لمواجهة ذلك.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات