آراء وتحليلات
دلالات انتفاضة القدس: فلسطين واحدة
إيهاب شوقي
بعد سنوات توقفت خلالها مظاهر الثورة نسبيًا في الأراضي المحتلة، وسيطرت تجاذبات السياسة ومحاولات فرض الأمر الواقع، وصولًا الى درة تاج القضية وهي القدس المحتلة، فاجأ أحرار القدس العالم كله بصحوتهم وانتفاضتهم وتمسكهم بثوابت القضية، وهو ما شهد انتفاضات متزامنة في الضفة وغزة بما شكل بوادر لانتفاضة مباركة جديدة.
هذه الصحوة المقدسية وما ترافق معها من صحوة فلسطينية عامة ينبغي رصدها جيدًا في سياق الحوادث الراهنة ومستجدات التوازنات وطوارئ الوضع العربي الرسمي المخزية، وهو ما نحاول قراءة دلالاته كما يلي:
1- السياق الإقليمي والدولي العام يشهد هزات ارتدادية لزلزال أحدثته فترة ترامب، حيث سعت للقفز على الاتفاقيات الدولية وكافة الأعراف الدبلوماسية، واستغلت الضعف والتخاذل العربي أسوأ استغلال لتوريطه في تنازلات تاريخية تقفز بمستويات التفريط إلى مستويات قياسية بتمرير الاعتراف بضم العدو الصهيوني للجولان والقدس الشرقية، رغم أن العرب رسميا ورغم تفريطهم وضعوا هذه الأسقف لتفريطهم!
وبعد مجيء إدارة بايدن الضعيفة حتى الآن والتي لا تجرؤ على اتخاذ خطوات عملية للخلاص من إرث ترامب الذي أضر بالولايات المتحدة، أكثر مما أضر بغيرها، تسارعت الخطوات الإسرائيلية لفرض الأمر الواقع، وربما توريط إدارة بايدن في خطوات فجرت خلافات علنية نادرة بين الإدارتين.
وأهم هذه الخطوات كان التصعيد الخطر مع إيران وفرض أوضاع جديدة بالضفة والقدس، ناهيك عن محاولة الانقلاب في الأردن، سعيا لتطبيع سعودي جائزته الإشراف على المقدسات برؤية صهيونية خالصة!
وهنا جاءت انتفاضة القدس لتضع حدا لأوهام الصهاينة والأعراب، بأن الأمر ليس نزهة، وليس مجرد تنفيذ عملي لما تم تخطيطه على الورق دون تبعات خطيرة تهز أمن الكيان ومستوطنيه وحكومته المتعثرة من الأساس.
2- في سياق تصفية القضية، عمل كيان العدو على تقسيم فلسطين لجزر منعزلة، تنشغل كل جزيرة بأوضاعها ومصالحها، فحاول الفصل بين غزة والضفة والقدس، وحاول بمساعدة عرب التطبيع، خلق طابور خامس من العرب داخل الخط الأزرق مثل بعض الكتل المتحالفة مع نتنياهو والمروجة للتطبيع، أملا في الوصول لوضع منفصل داخل القدس ومشغول بمصالحه الخاصة ولا يقف عائقا أمام خطة تهويد القدس وضمها نهائيا للكيان.
وجاءت انتفاضة أحرار القدس لتضرب هذه الأوهام وتصحح الأوضاع، ليس داخل القدس المحتلة فقط، وإنما داخل فلسطين كاملة، بتضامن أحرار الضفة وانضمامهم للانتفاضة، وبتضامن صواريخ غزة التي أمطرت مستوطنات الكيان، لتعلن عن وحدة فلسطينية ميدانية بعيدة عن الانقسام السياسي الذي يتصدر الصورة.
3- في سياق محور المقاومة وتناميه، تزامنت الانتفاضة المقدسية مع الصاروخ الواصل لمحيط مفاعل ديمونة النووي كسابقة خطيرة لم يعلن العدو حتى الآن روايتها الصحيحة، ومع استهداف لمصانع صواريخ العدو وفشل قبته الحديدية في إسقاط صواريخ المقاومة، ومع تآكل الردع الصهيوني، ومع انتصارات المقاومة اليمنية في جبهاتها المختلفة وانطلاقها من الدفاع إلى الهجوم.
وهنا جاءت انتفاضة القدس لتنضم الى حالة عامة من المقاومة بعثت روح الصمود وحمست الأحرار على العودة الى هذا الخيار باعتباره الخيار الوحيد والحتمي لاستعادة الحقوق، وهو ما عكسته هتافات المقدسيين والتي قالت إنهم لا يريدون (لا سلمية ولا بطيخ...بدنا حجارة وصواريخ).
هذه الانتفاضة المقدسية والتي انتصرت حتى الآن بإجبارها العدو على إزالة حواجزه عند باب العامود وسعيه للتهدئة، جاءت في وقت قاتل، أريد له تعميم حالة اليأس داخل الشعوب، وتدشين محور جديد مخالف لوجدان المنطقة وتاريخها، بتحالف بين عرب وصهاينة ضد قوى المقاومة.
هذه الانتفاضة والمرشحة لتصبح انتفاضة فلسطينية عامة، بل والتي ينبغي أن تتحول لذلك، هي تأكيد على خيار المقاومة داخل الوجدان الشعبي، وهي بانتظار لحظات الخطر المفصلية لتعلن عن نفسها، وبانتظار محفزات قوية، وكان أقواها هو صمود محور المقاومة وإثباته ان الكيان أوهن من بيت العنكبوت.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024