آراء وتحليلات
ما هي أبعاد إفصاح الرياض عن اسم مرشحها "الشرعي" لتأليف الحكومة؟
ابراهيم صالح
بشكل مباغت، ومن خارج كل الحسابات المتداولة تفصح الرياض على لسان ولي عهدها محمد بن سلمان عن مرشحها "الشرعي والحصري" لتولي تشكيل الحكومة المنتظرة في بيروت، وهو المندوب السابق للبنان في الأمم المتحدة والقاضي الحالي في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي نواف سلام.
وعليه صار الراصدون للمشهد السياسي المستجد في بيروت أنفسهم أمام ضرورة التعامل من الآن فصاعدًا مع عنصرين أساسيين طرآ على هذا المشهد:
الأول، تجسد في إعادة الاعتبار لعنصر سبق أن ألقي فجأة في دائرة التداول السياسي والإعلامي، وبطريقة يكتنفها الغموض والاشتباه، بعد وقت وجيز على استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري التي أعقبت انطلاق الحراك الشعبي الملتبس أساسًا. في الشارع في 17 تشرين الأول عام 2019 طرح اسم نواف سلام مرشحًا "قويًا وجديًا" لتأليف الحكومة العتيدة في تلك المرحلة المضطربة.
والأمر حينها قوبل كما صار معلومًا بردتي فعل الأولى تمثلت في مسارعة فريق وازن من اللاعبين الوازنين في الحلبة السياسية في بيروت الى طرح التساؤلات الملحة المشوبة بالاستنكار والتخوف من أبعاد جلب هذه الشخصية إلى هذه الدائرة في ذلك التوقيت بالذات.
الرجل (نواف سلام) لم يكن نكرة تمامًا عند المتابعين، فهو الأستاذ الجامعي (لبعض الوقت) خريج جامعة هارفرد الأميركية العريقة حاملًا شهادة دكتوراه في القانون العام والدولي. وهو الاسم الذي اختارته حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى ممثلًا للبنان في الأمم المتحدة. وقبلا هو سليل العائلة السياسية البيروتية العريقة. وهو استهلالًا، صاحب النشأة اليسارية (كان تروتسكيا والبعض يذكر أنه انتمى لـ"اتحاد الشيوعيين" (بقيادة نخلة مطران) وهو الفصيل الصغير المنشق عن الحزب الشيوعي في مطالع الستينيات).
وفي سيرته السياسية أنه كان واحدًا من حلقة المثقفين والمخضرمين التي تكوكبت حول الرئيس سليم الحص (قبل أن تغزو ثقافة الحريرية السياسية الحياة السياسية اللبنانية) في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات. وهو أيضًا المحامي (لبعض الوقت ) في مكتب الوزير السابق عادل الداعوق.
ولكنه لم يكن صاحب البصمات المميزة والحضور اللامع في كل هذه المحطات والمراحل.
فقد كانت تجربته في الأمم المتحدة تجربة "العابرين عبور الكرام" إذ لم تكن خطبه باسم لبنان علامات فارقة أو انطوت على جهد مميز وطرح يسجل له. وثمة من يجد أن أبرز موقف يشهد له به لحد اليوم هو ساعة أن رفع أمام صحافي كان يساجله حذاءه ليزعم "أنه كان مقاوما قبل المقاومين" (هذه الواقعة موثقة صوتًا وصورة في شريط محفوظ).
ولقد
وتمامًا كما كانت تسميته لتمثيل لبنان في نيويورك مفاجأة للكثيرين، كذلك كان طرح اسمه للمرة الأولى لتأليف الحكومة أيضًا مفاجئًا خصوصًا بعد أن اندفع رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس حزب "القوات" اللبنانية سمير جعجع الى تأييد تسميته الملتبسة تلك.
ومما يذكر أن الرجل قدم حينذاك مرشحًا يحظى ضمنًا بتأييد حماسي من واشنطن رغم أن الأخيرة لم تنطق بهذا التأييد.
ومن المفارقات التي تسجل إلى اليوم أن
ومهما يكن من أمر سيرة هذه الشخصية وخياراتها السياسية المتقلبة والمتحولة والغامضة، فإن
لم يكن مفاجئًا لأولئك الراصدين أداء القيادة السعودية وسلوكها، أن تبادر إلى الإفصاح عن اسم مرشحها "الجدي المنتقى عن وعي ودراية وتبصر" في هذا التوقيت بالذات. فثمة لهذا الأمر عندهم تفسيرات وقراءات واستشراف ينطلق من مقدمات مكشوفة يأتي في طليعتها:
- تبين أن الرياض التي أعلنت مرارًا عقب استقالة الحريري أنها ليست في وارد تزكية اسم بعينه لهذه المهمة بما فيه الرئيس الحريري، إنما هي تناور لكسب الوقت من جهة ولكي يصبح الوضع اللبناني في قبضة الاهتراء والفوضى، حتى تميط اللثام في اللحظة التي تراها مناسبة عن مرشحها الفعلي، ولكي تثبت بالملموس أنها عكس كل ما توحي ليست في وارد الخروج من ساحة الفعل السياسي في لبنان. ويبدو جليًا أن الرياض وجدت في هذه اللحظة تلك الفرصة.
- وعليه أيضًا، لم يكن مستغربًا أنه بعد أقل من 36 ساعة على كشف الرياض عن اسم مرشحها الموثوق لرئاسة الحكومة أن تبادر سلطات الرياض الى "تفجير" قنبلة "المخدرات المهربة من لبنان الى السعودية" المدوية وتعلن على إثرها قرارها "العقابي" بحظر استيراد المنتجات الزراعية من لبنان.
ولقد سارع المتابعون الموضوعيون الى إدراج هذا التصرف السعودي المتعجل في خانة فرض المزيد من أنواع "الحصارات" المفروضة على لبنان عقابًا له على رفضه مماشاة الرياض في خياراتها "ومغامراتها" السياسية من جهة ووضع لبنان أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما نواف سلام رئيسًا للحكومة مع دفتر شروطه المعروفة مضامينه سلفًا، وإما مزيد من الفوضى والتجويع.
وخطورة ما في الأمر أن تبادر الرياض الى التلويح بفرض كل هذه الشروط العقابية على لبنان في وقت بدأ فيه قادة المملكة يشعرون بضرورة حشد أوراق سياسية بيدها لاستخدامها في تعزيز مواقعها على طاولة التسويات الآتية ساعتها في الإقليم والتي بدأت بوادرها تتبدى تباعًا. مما يعزز مخاوف الخائفين من أن تمضي الرياض قدمًا في ضغوطها على لبنان المختنق بفعل الانهيارات اللاحقة به.
والثاني، يتصل بمستقبل الموقع السياسي للرئيس الحريري في ظل إصرار الرياض على عدم التعامل معه وفتح الأبواب الموصدة بإحكام أمامه نحوها واستطرادًا في أعقاب الكشف عن اسم نواف سلام مرشحًا أو لا أحد.
فواقع الحال هذا والمعادلة الجديدة التي تعلن الرياض التزامها بها مضافًا إليه دفتر الشروط المعروف، باتت تفرض على الرئيس الحريري اعادة عجلى للنظر بكل سلوكياته وأدائه وحساباته خصوصًا في مجال العلاقات مع المكونات الداخلية، اذا كان راغبًا فعلًا في "مواجهة "رغبات الرياض المضمرة والتي لا تريده في الموقع الذي تصدى له أخيرًا، وذلك على غرار ما أقدم عليه ابان تأليف حكومته الأخيرة بعد الانتخابات النيابية.
واستطرادًا، يتعين عليه أكثر من أي وقت التبصر بأبعاد الدعوة التي أطلقها سابقًا مرارًا الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله ولاقاه فيها آخرون وفحواها أن المدخل الأساس والمجدي لتأليف الحكومة هو العودة للتفاهم مع الموقع الشريك في عملية استيلاد الحكومة الموعودة لا سيما وقد ثبت عقم الرهانات على وعود الخارج. واللافت أن تلك الدعوة كانت مقرونة دومًا أيضًا بالحض على عدم الرهان على "مفاوضات" الإقليم لأنها طويلة جدًا.
وأمر آخر لا بد أن المعنيين الذين داخلهم الشك قد كشف الآن عن هويته ونفسه وهو يتصل بالمعيق الحقيقي والمبدئي أمام الولادة السريعة للحكومة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024