معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الصراع الروسي - الغربي.. أوكرانيا معبر المصالح
23/04/2021

الصراع الروسي - الغربي.. أوكرانيا معبر المصالح

د. علي مطر

يحتدم التوتّر بين روسيا والغرب نتيجة التطورات الحاصلة في الملف الأوكراني، وبدء تحريك الأزمة من قبل إدارة الرئيس الأميركي جون بايدن، وهذا ما دفع الكرملين إلى التهديد بأنّ موسكو قد تضطر لاتّخاذ إجراءات إضافية لضمان الأمن، في حال أرسلت دول غربية قوات إلى أوكرانيا. يأتي النزاع الأوكراني - الروسي، ومحاولة تحريك أحجار الدومينو من قبل الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة روسيا في سياق الصراع على النفوذ، والسيطرة على موارد الطاقة في العالم، وعلى أسعارها وطرق امدادها إلى أوروبا والغرب، خاصة من روسيا عبر أوكرانيا، ومن بحر قزوين عبر جورجيا والبحر الأسود، ومن تركيا عبر مضيقي البوسفور والدردنيل، وصولاً إلى البحر المتوسط.

تعد أوكرانيا سياسيًا واقتصاديًا دولة هامة لروسيا، كونها خاصرة رئيسية بالنسبة لها، وتتمتع بثروات وإمكانيات عسكرية وصناعية وزراعية واسعة وضخمة، وموقع جغرافي يفصل بينها وبين "معسكر القوى الغربية"، فيما يرتبط البلدان بعلاقات كبيرة، ثقافية واجتماعية، وخاصة في المناطق الحدودية. كل هذه الأمور تجعل من أوكرانيا "حديقة خلفية" بالنسبة لموسكو التي ترفض التخلي عنها وتَحوّلها إلى "وصاية الغرب".

تشكل أوكرانيا لروسيا البناء الأساسي لمجالها الجيوستراتيجي الأوروبي، وبالتالي غياب كييف عن الطوق الروسي يشكل فجوة كبرى في جدار الأمن الاستراتيجي الروسي - الأوراسي، والسيطرة على العالم.

لذلك تشكل أوكرانيا أرض كباش بين مصالح روسيا ومصالح الغرب إلى جانب ما يحصل في الشرق الأوسط، ولا يمكن فصل ما يحصل بين المنطقتين، لذلك تتصاعد المواجهة الحادة بين روسيا من جهة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.

ويحتدم الصراع نتيجة محاولات جعل أوكرانيا بؤرة نزاع متقدم مع روسيا، بانضمامها إلى حلف شمال الأطلسي، وجعلها قاعدة له، لإقامة قواعد للدرع الصاروخي فوق أراضيها. وهذا ما تجد فيه روسيا تهديدًا لأمنها ووسيلة للعمل على إثارة التناقضات داخلها، لذلك تعمل لمنع استخدام أوكرانيا لدفعها إلى تقديم التنازلات في بعض الملفات الدولية لمصلحة السياسية الاميركية والغربية، ومنها دفعها إلى القبول بمقايضة أوكرانيا بملفات أخرى في العالم، من سوريا والعراق وإيران إلى مصر وأفريقيا، وغيرها.

هذا الصراع المحتدم اليوم على أوكرانيا، والذي يدل على عودة العالم إلى الحرب الباردة في ظروف مختلفة، يدفع روسيا الى تلمّس محاولات لكسرها، وهي بالتالي تحدد الخطوط الحمر، نتيجة أن لروسيا حدودًا طويلة مع أوكرانيا. ولهذا فإن سيطرة الغرب على هذا البلد تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن روسيا، كما أنها تشكل طريقًا أساسيًا لوصول روسيا إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط وغيره. وشكلت أوكرانيا الممر الاقتصادي والبوابة الروسية الجنوبية الرئيسة نحو أوروبا لمرور أنابيب الغاز الروسي والبضائع والسلع الروسية إليها.

وفق ذلك تحشد روسيا قواتها على حدود أوكرانيا بشكل واسع وغير مسبوق، نتيجة ما تقدم من عوامل، خاصةً في الوضع الحالي مع تغير الإدارة الأميركية، وتشدد إدارة بايدن مع موسكو فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، إضافة إلى تنامي العلاقات العسكرية بين أوكرانيا وتركيا، حيث باتت تركيا مصدرًا رئيسيًا للطائرات المسيرة بالنسبة للجيش الأوكراني، خاصةً أن أنقرة معنية أيضًا بالحد من تنامي النفوذ الروسي شمالًا وجنوبًا، في البحر الأسود وسوريا، والعامل الأخير هو حملة أطلقتها السلطات الأوكرانية ضد نفوذ ورموز المعارضة الموالية لروسيا.

وفي حين أن كييف لا تملك الكثير من أدوات الضغط على موسكو، فإن موسكو، تمسك بعدة أدوات وملفات وقضايا، من أبرزها، ضم القرم وعسكرتها، وهو ما تعتبره أوكرانيا احتلالًا لأراضيها، دعم الانفصاليين في شرق البلاد، الذين لا يخفون أحلامًا توسعية تكاد تبلغ نصف مساحة أوكرانيا، كذلك ورقة الغاز المتمثلة بمشروع "نورد ستريم 2" (Nord Stream2) الذي يهدد شبكات النقل الأوكرانية.

في المقابل، تعوّل أوكرانيا على الدعم الأوروبي والأميركي خاصة، حيث تقوم الولايات المتحدة بدعم الأخيرة من أجل مواجهة موسكو. فعلى مدار 7 سنين دعمت واشنطن أوكرانيا بنحو ملياري دولار، جاءت على هيئة مساعدات عسكرية وأمنية وغيرها، ولا يزال الحديث يدور عن رغبة أوكرانيا بالحصول على "أسلحة أميركية فتاكة" لمواجهة روسيا. كذلك برز حلف "الناتو" منذ عام 2014 طرفًا تسعى أوكرانيا حثيثا إلى الحصول على دعمه وعضويته الكاملة، بدعم ومباركة دوله المجاورة حدوديًا، ودعم الولايات المتحدة أيضا. وهنا قد تحلّ تركيا في المرتبة الثالثة في مسألة التعويل على الدعم، لا سيما أنها دولة رئيسية في "الناتو"، ومعنية بالملف الأوكراني، أكثر من غيرها ربما.

ولكن ما يحصل حتى الآن لا يعدو كونه استعراضًا للعضلات بين موسكو وواشنطن، وهذا ما قد يفسره حجم التصريحات وتبادل الاتهامات بين الجانبين، وكذلك فإن الطرفين لا يريدان حربًا واسعةً إلا أنهما مستعدان لها، وهو ما يعبر عن الصراع بين الدول الكبرى على النفوذ والموارد والمصالح، وتشابك ذلك مع ما يجري في سوريا والعراق والخليج ومصر والقارة الأفريقية، وحتى شرقي آسيا والمحيط الهادئ.

اوكرانيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات