معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

المرأة الفلسطينيّة بين مقاومة الاحتلال والاعتقال
21/04/2021

المرأة الفلسطينيّة بين مقاومة الاحتلال والاعتقال

هيثم أبو الغزلان

قاوم الشعب الفلسطيني لمنع احتلال أرضه وإفشال المشروع الاستعماري الصهيوني، وبذلوا في سبيل ذلك الدماء والتضحيات منذ العام 1882. وفي المقابل مورست كافة صنوف الاعتقالات والاضطهاد والقتل لإخماد الهبّات والتحركات حيث تم إعدام مجاهدين من أبطال ثورة البراق: عطا الزير، ومحمد جمجوم، وفؤاد حجازي في (17 حزيران /يونيو1930)، وإعدام الشيخ المجاهد فرحان السعدي (في 17 نيسان /أبريل 1936). وخلال تلك التّحرّكات شاركت المرأة الفلسطينية في المظاهرات الاحتجاجية، وتم عقد أول مؤتمر نسائي في القدس، شاركت فيه 300 امرأة من جميع أنحاء فلسطين، حيث ناقشن قضيتي الهجرة اليهودية وتملك اليهود للأراضي الفلسطينية، وطالبن عبر عريضة بإلغاء وعد بلفور ومنع الهجرة اليهودية.

 كما شاركت المرأة بثورة الشهيد الشيخ عز الدين القسام وبعد استشهاده في أحراش يعبد (20-11-1935)، وصولًا إلى المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، والتي رافقتها حملات اعتقالات ومجازر بحق المواطنين الفلسطينيين في العام (1948) بهدف تفريغ الأرض من سكّانها الأصليين وإقامة "إسرائيل".

وإثر أحداث النكبة في العام 1948، أسّست نساء فلسطينيات "جمعيّة التّضامن النسائي" ومن ثم وبشكل سرّي "جمعية زهرة الأقحوان"، التي كانت مسؤولة عن نقل الأسلحة والطعام للمقاومين. وكان مركز الجمعية في مدينة يافا حيث تُقدّم هذه المنظمة السلاح للمقاومين حين يخوضون اشتباكات ضد المستوطنين، ويجمعون التبرعات لهم ويهتمون بهم طبيًا.

وفي عام 1965 تأسّست جمعيات ومنظمات كثيرة برئاسة النساء الفلسطينيات منها "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" و"جمعية أصدقاء القدس" و"جمعية إنعاش المخيم الفلسطيني" و"جمعية الخامس من حزيران".

ولجأت سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" عقب احتلالها الأراضي الفلسطينية عام 1967، وفرض سيطرتها الكاملة على تلك الأراضي إلى اعتماد سياسة الاعتقالات الجماعية للمواطنين الفلسطينيين، مُكرّسة بذلك همجية "إسرائيلية" واضحة في عدم الالتزام بالقوانين الدولية أو الأعراف الإنسانية. ولم يُميز الاحتلال في اعتقالاته بين صبي، وامرأة، وشيخ، وعجوز، وشاب، وقد بلغت عمليات الاعتقال أكثر من مليون فلسطيني بحسب ما أشارت إليه التقارير الحقوقية من أنه قد جرى اعتقالهم، أو جرى توقيفهم منذ العام 1967، بكافة المناطق الفلسطينية المحتلة. ووفق تقرير صادر عن مركز الإحصاء الفلسطيني فإن من بين المعتقلين منذ العام 1967، يوجد أكثر من 12 ألف مواطنة وعشرات الآلاف من الأطفال.

دور مُقاوم

لم تثن سياسات الاحتلال "الإسرائيلي" وجرائمه التي استمرّت ضد الشعب الفلسطيني الفلسطينيين عن الاستمرار في المقاومة، وخوض المعتقَلين الفلسطينيين معارك عديدة ضد الاحتلال لتبقى هذه القضية جرحاً مفتوحاً لن يغلقه إلا زوال الاحتلال عن الأرض الفلسطينية كلها. ولعبت المرأة الفلسطينية على مدار الصراع دورًا أساسيًا في مقاومة الاحتلال "الإسرائيلي"؛ فكانت شهيدة، أو أسيرة، أو جريحة، أو أمّا لأسير، أو أمًّا لجريح، ولاقت من صنوف العذاب والتنكيل ما لاقاه الرجال. ورغم الاعتداءات "الإسرائيلية" صمدت المرأة الفلسطينية وقدّمت نموذجًا للعالم لناحية صبرها ومقاومتها وصمودها في داخل المعتقلات وخارجها. وسجّلت الحركة النسوية الفلسطينية عبر مسيرتها التاريخية مواقف أسطورية كما حصل عام 1996، عندما رفضت الأسيرات الإفراج المجزوء عنهن على إثر اتفاق طابا، وطالبن بالإفراج الجماعي عنهنّ ودون ذلك فضّلن البقاء في السجن واستطعن أن يفرضن موقفهن في النهاية.

وشاركت المرأة الفلسطينية خلال (انتفاضة الحجارة (1987)، بفعالية كبيرة، ولعبت دوراً بارزاً في الانتفاضة حيث مثّلن ثلث الضحايا. وقمن بدور مهم في تخليص الأطفال والشباب في القرى والمخيمات والمدن من أيدي جنود الاحتلال.

وكان لها دور فاعل في تشكيل اللجان الشعبية على مستوى الأحياء التي كانت تقدّم للجمهور الخدمات المختلفة في مجال الصحة والتعليم، والرعاية الاجتماعية، وكذلك في أشكال النضال المختلفة المباشرة وغير المباشرة لمواجهة الاحتلال، وأدّت المواجهات التي خضنها ضد الاحتلال إلى اعتقال 433 امرأة ما بين العامين 1967-1990 لفترة ما بين شهر ومؤبد. وأفشلت المرأة الفلسطينية خلال الانتفاضة سياسة الاحتلال الإسرائيلي في فرض الحصار الاقتصادي على القرى والمخيمات حينما كانت تحمل هذه المرأة كميات كبيرة من الحليب وتتسلل مخترقة الحصار لمساعدة أهالي القرية أو المخيم المحاصر. فأدّت دورًا وطنيًا ونضاليًا مميّزًا من خلال انخراطها في العملية الانتفاضية في كافة مظاهرها وأشكالها ووسائلها ومجالاتها وصولًا إلى تنفيذ أو محاولة تنفيذ عمليات استشهادية.. وتواصل هذا الدور من خلال النشاط الواضح للمرأة في الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى (2000))، وظهر ذلك من خلال حملات الاعتقال الجماعي التي تعرّضت لها.. وشهدت سنوات انتفاضتي 1987 و2000 أعلى نسبة اعتقالات في صفوف المرأة، أما في العام 2017 فقد تم اعتقال 156 امرأة، و164 امرأة خلال العام 2016، و200 امرأة خلال العام 2015. وقد استخدمت سلطات الاحتلال ضد المعتقلات (كما المعتقلين) كل أساليب التّعذيب والتّنكيل في محاولة لكسر إرادتهنّ. وواصل الاحتلال الإسرائيلي استهداف النساء والفتيات الفلسطينيات بالاعتقال والاستدعاءات، والأحكام المرتفعة ولم تستثن القاصرات منهن، وكبار السن، والمريضات، حيث رصد "مركز أسرى فلسطين" (84) حالة اعتقال لنساء وفتيات خلال النصف الأول من العام 2018، فيما سُجّل (170) حالة اعتقال لنساء وفتيات في العام 2017.

وتتعرّض الأسيرات الفلسطينيات إلى انتهاكات عديدة، منها: التحقيقات القاسية والعزل الانفرادي، علاوة على الاقتحامات الليلية لغرفهن، وضربهن أثناء نقلهن للمحاكم على أيدي قوات "النحشون" المتخصّصة بعملية النقل، وشتمهن بألفاظ بذيئة، إضافة إلى وجود كاميرات مراقبة تنتهك خصوصيّاتهن. وتعتقل سلطات الاحتلال 22 أمًّا فلسطينية لـ 86 ابنًا وابنة من بين أسيرات يقبعن في معتقل "الدامون"، وتحرم إدارة معتقلات الاحتلال بعض الأسيرات الأمّهات من زيارة أبنائهنّ، ومن الزيارات المفتوحة، ومن تمكينهنّ من احتضان أبنائهن، إضافة إلى منع التواصل الهاتفي معهم، وتمنعهنّ من لقاء أبنائهنّ الأسرى.

ومن بين الأسيرات أمّهاتٌ لأطفال رضّع اعتقلهن الاحتلال وحكم عليهنّ بالاعتقال لسنوات طويلة، كالأسيرة نسرين حسن من حيفا، المحكومة لست سنوات، والتي يقبع زوجها وأطفالها السبعة في قطاع غزة، وتحرمها سلطات الاحتلال من زيارتهم، إلى جانب حرمان إخوتها - القابعين في حيفا- من زيارتها أيضًا، منذ اعتقالها بتاريخ 18 تشرين أول/أكتوبر 2015. وأصغر أطفال الأسيرة حسن كان حين اعتقال والدته بعمر ثمانية أشهر، وأكبرهم فتاة كانت بعمر (11 عامًا)، ما تزال ترعى أشقاءها إلى جانب والدها.

أما الأسيرة  فدوى حمادة من القدس، فهي معتقلة منذ العام 2017، ومحكومة بـ (10) سنوات، وهي أم لخمسة أطفال، أصغرهم كان يبلغ من العمر أربعة أشهر عند اعتقالها، والأسيرة الموقوفة لمى خاطر من الخليل، الأمّ لخمسة، لم يبلغ أصغرهم العامين عند اعتقالها، والأسيرة الموقوفة بلسم شرايعة من الرملة، الأم لثلاثة، أصغرهم بعمر سنة ونصف. وتعتقل سلطات الاحتلال الأسيرة أمينة محمود ـ عودة، من القدس، منذ العام 2017، وتحرمها من لقاء ابنها الوحيد محمد أحمد هلسة المعتقل في "ريمون"، والذي كان يبلغ من العمر (17 عامًا) عند اعتقاله عام 2016 والمحكوم عليه بالاعتقال لـ(18) عامًا.

وتؤكد منسّقة وحدة التوثيق والدراسات في "مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان"، احترام غزاونة، أن قوات الاحتلال تواصل انتهاك حقوق الأسيرات والمعتقلات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية، بما يخالف اتفاقية مناهضة التعذيب التي حظرت المعاملة غير الإنسانية وهدر الكرامة. كما تحرمهنّ من حقوقهن الأساسية، بما فيها الخدمات الصحية، الطعام والماء. كما يتعرضن للتفتيش العاري كإجراء عقابي، ويُحتجزن في ظروف غير صحية، إضافة إلى تعرضهنّ للاعتداء الجسدي والنفسي. وخاضت الأسيرات ردًّا على تردّي ظروف اعتقالهن السيئة في سجن "نيفي تريستا" إضرابًا عن الطعام لمدة ثمانية أيام متواصلة بتاريخ (2001-6-26)، كما أضربن مع الأسرى في العام 2004، في سجن "هداريم"، و"عسقلان"، و"جلبوع"، و"أوهلي كيدار"، و"نفحة"، و"إيشل"..

مرحلة نضالية وكفاحية

وتُشكل فترة اعتقال الأسيرة مرحلة نضالية وكفاحية في حياتها تُكسبها المزيد من القوة باتجاه الثبات على مواقفها وتعطيها دفعات من الإيمان بقضيتها التي قدّمت في سبيلها سني عمرها ويمكن أن نعطي أسماء كأمثلة عن الأسيرات اللواتي ضحّين وواصلن مسيرتهن الكفاحية "منى قعدان، وفاطمة الزق، ومريم أبو دقة، والنائب خالدة الجرار، وأحلام التميمي وغيرهن كثيرات"... وكما هو متوقّع من العدو فإنّه يسعى دائمًا إلى تحطيم الروح المعنوية للأسيرة، ولكن ما سجّلته الأسيرات من وقائع بعد خروجهن من المعتقل واستمرار أكثرهن في متابعة مقاومتهن ونضالهن وكفاحهن ضد الاحتلال يُثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن القضية اللاتي يحملنها قد تغلغلت في نفوسهن ما جعلهن أكثر إقدامًا على التضحية في سبيلها، سواء أكنّ معتقلات، أو خارج المعتقل. ما يُثبت أن قضيتهنّ هي قضية تحرر وطني من الاحتلال، وأن ما يقوم به المحتل هو إرهاب يمسّ الكينونة الإنسانية ويخالف المعايير الإنسانية وقواعد القوانين الدولية. ورغم المعاناة التي تعانينها الأسيرات، إلا أنّهّن يُسَطّرن صفحات من البطولة والفداء يكشفن من خلالها الوجه البشع للاحتلال "الإسرائيلي" الذي يستهدف الأرض والإنسان الفلسطيني.

وقد أوصيت في دراسة نشرتها بعنوان: "الأسيرات الفلسطـينـيّات "أنـسَـنَة" القـضـيّة والبُعد المُقَاوِم" بـدعوة المقاومة الفلسطينية إلى تكثيف جهودها ومحاولاتها لأسر جنود "إسرائيليين" وإجراء عمليات تبادل يتحرّر بموجبها الأسرى والأسيرات من سجون الاحتلال. وأن يتم إنشاء بنك معلومات خاص بالأسيرات الفلسطينيات المعتَقَلات والمحررات لما في ذلك من حفظٍ لجهادهن ومقاومتهن وتاريخهنّ وما تعرّضن له في معتقلات الاحتلال، والقيام بإنشاء جمعية أو تكتّل أو منظمة نسائية عالمية مؤلفة من محاميات فلسطينيات وعربيات وأجنبيات من جنسيات مختلفة يتبنّين قضية الأسيرات ويعملن على تشكيل رأي عام ضاغط على الاحتلال لإطلاق سراحهن، والعمل على محاكمة قادته ومعاقبتهم على جرائمهم ومخالفاتهم للقانون الدولي. والقيام بالمزيد من التحركات الضاغطة على المؤسسات الدولية وعلى رأسها مجلس حقوق الإنسان، واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات الأمم المتحدة والمؤسسات الإنسانية والحقوقية من أجل استمرار جهودها وتكثيف الزيارات للأسرى والأسيرات للإطلاع على الظروف الصعبة والقاسية التي يعيشونها ـ أسرى وأسيرات ـ، بخاصة على صعيد النقل والتفتيشات والعزل والغرامات والاستهتار الطبي وسوء الطعام، وعدم انتظام الزيارات، والضغط على الاحتلال لحماية المعتقلين الفلسطينيين من ممارسات تلك الوحدات الخاصة وانتهاكاتها اللحظية واليومية والتفصيلية بحقهم.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات