آراء وتحليلات
مسؤوليات أنصار المقاومة في عصر "التراند"
إيهاب شوقي
لا بد من الاعتراف بأن الوعي الجمعي للشعوب العربية والإسلامية لا يشكل المستوى الملائم لخطورة الاستهداف ودقة اللحظات المصيرية الراهنة، خاصة وأن الرأي العام العربي والحالة الوجدانية الجامعة، شكلت صمام الأمان في الفترات الصعبة، وهي التي حفظت الثوابت جنبًا إلى جنب مع قوى المقاومة ومجاهديها.
ولا شك أن استهداف هذه الحالة الوجدانية والثقافية سار جنبًا إلى جنب هو الآخر مع حصار المقاومة واستهدافها بكافة أنواع الحروب العسكرية والدعائية.
وهنا لا بد من محاولة لرصد المتغيرات الثقافية المرتبطة بطبيعة العصر والتي شاركت في هذا الخلل الذي أصاب قطاعات عديدة، كخطوة هامة لاقتراح خطوات للمواجهة، حيث المعركة ممتدة ووجودية مع الاستعمار وذيول الاستعمار في الداخل.
المتغيرات الثقافية:
هناك متغيرات ثقافية بارزة تصدرت الصورة في العقد الأخير يمكن رصد أهمها كما يلي:
1- ثقافة "التراند":
حيث يخضع الرأي العام لمناقشة حدث بعينه والاهتمام به والجدال حوله، وهو في حقيقة الأمر ملف مجتزأ وهامش لمتن رئيسي يتم تجاهله عمدًا من قبل صانعي "التراند".
والنتيجة هي الانخراط في القضايا الهامشية بعيدًا عن الجوهر الرئيسي للقضايا، والانشغال بجانب من الصورة بعيدًا عن الصورة الكاملة، وهو ما يكون انحراف الصراع الرئيسي أحد نتائجه والرأي العام الوازن أبرز ضحاياه!
2- فوضى المنابر الإعلامية:
أتاحت الحرية المنفلتة وغياب ضوابط المهنية بروز قنوات فضائية عديدة تمارس الدعاية بعيدا عن الإعلام وضوابطه، كما أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي وموقع "يوتيوب" ومجانية إنشاء المنابر والقنوات، سيلا من المغالطات والأضاليل بعضها متعمد وموجه وبعضها انطباعي ويغلب عليه الهوى على حساب الحقيقة، وهو ما أدى إلى تشوش الرأي والبعد عن الموضوعية والإنصاف لدى قطاعات واسعة من الجماهير.
3- النزوع نحو الاستسهال:
توفُّرُ المصادر بشكل منفلت لخبر أو حدث معاصر أو تاريخي، دون العناية بدقة المصدر ورصانته، يتيح الفرصة لأكثر المصادر جاذبية من حيث الصورة أو المعالجة أو الصياغة لتصدر الصورة، وهو ما يشكل ظلمًا للواقع وللحقيقة، بسبب الميل للاستسهال في تلقي الأخبار والتقارير، بل والتاريخ، فبدلًا من العودة للكتب والمصادر التاريخية ومقارنة المصادر وتدقيقها، وبدلًا من الإعتماد على الأخبار أو التصريحات من مصادرها الرئيسية، يحدث الإعتماد على كتابات دعائية تصاغ على هيئة حوادث تاريخية، والاعتماد على وجهات نظر تصاغ على هيئة أخبار، والاعتماد على فيديوهات مفبركة أو مشاهد مقتطعة من سياقها ومصنوعة بحرفية وجاذبية، تكون نتيجتها تزييف الواقع والتاريخ.
4- تراجع دور الفنون:
بعد أن كانت الفنون معبرة عن وجدان الشعوب ومشاركة في التعبئة الجماهيرية نحو الاستقلال الوطني والتوعية والمقاومة، أصبحت السمة الغالبة للفنون هي التفاهة والتغريب الثقافي وقيادة الجماهير نحو التفريط وإلهائها عن القضايا المصيرية وشغلها بقضايا أخرى أو تفريغ اهتمام الجماهير من أي قضايا في المجمل.
5- غزو مواقع التواصل الاجتماعي:
رغم أهمية هذه المواقع وما تحتويه من ايجابيات، إلا أن سلبياتها الخطيرة نجحت في التغطية على جوانبها الإيجابية، فبالرغم من كونها ميدانًا للحشد الجماهيري وقياسًا للرأي العام ومرآة لوضع الشعوب الوجداني والثقافي، إلا أنها تحولت لميدان للتعصب والصراعات ووفرت المنابر المشار إليها للتضليل والتزييف دون ضوابط، ناهيك عن كم الشائعات الخطيرة التي تبث بها، إضافة إلى استغلالها من جانب أجهزة الاستخبارات في تشكيل لجان الكترونية تمارس التضليل وحرف الحقائق وخلق الفتن.
لا شك وأننا في واقع ومناخ به هذه المتغيرات الكبرى والتي أصبحت أمرًا واقعًا، لا نملك إلا القليل في مواجهة هذا التيار، وهذا القليل الذي نمتلكه كجماهير للمقاومة يمكن أن يكون بالغ التأثير، ولكنه مشروط بتنسيق العمل بين هذه الجماهير، ومرهون باستخدام ذات الأدوات، إن لم يكن متاحًا ابتكار أدوات جديدة مضافة متروكة لاجتهاد وإبداعات أنصار المقاومة.
إن المطروح على أنصار المقاومة وكل الثابتين على جمر الثوابت والاستقلال الوطني، هو عدم ادخار الجهد في استغلال المنابر المتاحة لتفنيد الأضاليل ونشر الحقائق وبيان المناهج الصحيحة لقراءة التاريخ واستقبال الأخبار وتحليلها.
كما أن المطروح هو تشكيل جبهات مقاومة وتنسيق بين الجماهير وعدم العمل في جزر منعزلة، لتشكيل تيار مواجه لتيار الزيف والتضليل.
وكما لجبهات القتال قواعد للتنسيق ووحدة مطلوبة، فإن على أنصار المقاومة اعتبار ميدان الثقافة والوعي ومواقع التواصل، جبهات وأن عليهم التحلي بروح الجندية وتحمل هذه المسؤولية والظهور بمظهر الجندي والحرص على أخلاقيات الفرسان ورصانتهم وجديتهم، والعمل على التواصل والتنسيق مع رفاق الميدان.
لعل الأحداث والمتغيرات وصمود المقاومة، أدت إلى تراجع تيار الخيانة والتفريط وكشفت زيفه، ولكن المطلوب من جمهور المقاومة وأنصارها أن يشاركوا بنصيبهم وهو ما يفرق بينهم وبين جمهور الكرة، رغم أهمية التشجيع والمساندة، إلا أن المطلوب هو عمل أكثر إيجابية للمشاركة في المعركة وللسعادة بجني ثمار النصر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024