معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

أزمة المياه بين إثيوبيا ومصر: الحل السياسي والخيار العسكري
12/04/2021

أزمة المياه بين إثيوبيا ومصر: الحل السياسي والخيار العسكري

سركيس ابوزيد
 
يعتمد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في هذه الأيام لهجة تحذيرية في الحديث عن أزمة "سد النهضة" مع إثيوبيا، ويقول: "إن حصة مصر من مياه النيل "خط أحمر"، ويجب أن لا نصل الى مرحلة المس بالامن المائي لمصر، لأن كل الخيارات مطروحة في التعامل مع هذه الأزمة". كما لوح مؤخرًا باستخدام القوة، وقال في لهجة حادة: "لا أحد يستطيع المساس بحصة مصر المائية، ومن يرد أن يفعل فليرنا ماذا يمكنه أن يفعل. وهذا ليس تهديدًا وإنما تأكيد على حقنا في المياه"، مشيرًا الى أن هذا النزاع يؤثر على أمن واستقرار كل المنطقة.

هذه التحذيرات طرحت تساؤلات حول احتمال اقتراب الخيار العسكري لإنهاء الأزمة بعد فشل المفاوضات برعاية الاتحاد الافريقي، وبعد مفاوضات عشر سنوات من دون نتيجة بهدف عقد اتفاق قانوني ملزم ينظم عمليتي الملء والتشغيل للسد الذي تبنيه أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، لتوليد الطاقة الكهربائية. وتخشى مصر من تأثيرات السد على أمنها المائي. ويعتبر محللون مصريون أن الموقف بات صعبًا لأجندة المباحثات القادمة، خاصة في ما يتعلق بأشهر الملء، فإثيوبيا تريد تخزين 5,13 مليار متر مكعب من المياه في تموز المقبل، اضافة إلى 5 مليارات من العام الماضي، وجميعها تمثل 28 في المئة من مياه النيل الأزرق، موضحين أن التصريحات الاثيوبية بتوليد الكهرباء في آب
المقبل، تعني تنفيذ المرحلة الثانية من ملء خزان السد خلال تموز المقبل.

يمثل النيل بالنسبة الى مصر شريان الحياة الرئيسي، وهي تنظر إلى السد القائم على رافد النيل الأساسي بوصفه تهديدًا بالتحكم في تدفق المياه التي تعتمد عليها كل مناحي الحياة في مصر تقريبا. فوفق اتفاقية العام 1959 حول مياه نهر النيل، تبلغ حصة مصر 5,55 مليار متر مكعب.
ينبع حوالى 85 في المئة من المياه التي تتدفق نحو نهر النيل من المرتفعات الاثيوبية مرورًا بالنيل الأزرق. ويشتق 90 في المئة من المياه العذبة في مصر من نهر النيل، وينبع 57 في المئة من تلك المياه من النيل الأزرق. لهذا السبب، تعتبر مصر السد تهديدا وجوديا عليها بعد ملء الخزان الواقع وراء السد الذي سيشمل حوالى 74 مترا مكعبا من المياه، أي ما يساوي الكمية السنوية الإجمالية من مياه النيل التي تتدفق نحو سد أسوان العالي. وتشعر مصر بالقلق من أن يؤدي بناء السد على النيل الأزرق إلى تراجع إمدادات المياه وتوليد الطاقة في سد أسوان العالي. وبعد امتلاء الخزان، لن يستهلك السد المياه مباشرة، بل إنه قد يؤدي إلى زيادة الري بدرجة كبيرة في السودان، ما يعني تراجع كميات المياه التي تتلقاها مصر. وأهم الآثار التي تحاول مصر تجاوزها بوار مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، انخفاض منسوب المياه الجوفية، تداخل مياه البحر في دلتا النيل وارتفاع نسبة الملوحة في أراضيها، زيادة التلوث وتهديد المزارع والثروة السمكية.

 وفيما تسعى مصر إلى عقد اتفاق ملزم يفرض على إثيوبيا إطلاق كمية ثابتة من مياه نهر النيل ويحدد آليات لمراقبة مدى امتثالها للشروط، تحاول إثيوبيا تجنب أي التزام دائم بتحديد حصة المياه بما يتجاوز مدة ملء السد. لهذا السبب نشأت عوائق متعددة أمام أي اتفاق محتمل. وتطمح إثيوبيا الى بناء سد تبلغ تكلفته أربعة مليارات دولار وستبلغ طاقته الإنتاجية من الكهرباء 6450 ميغاواط، مما يخولها لتصبح أكبر دولة مصدرة للكهرباء في إفريقيا، إذ إن إثيوبيا تنظر إلى السد، في حال تشغيله بكامل طاقته، بوصفه المحطة الأكبر في أفريقيا لتوليد الكهرباء وتوفيرها لـ65 مليون إثيوبي محرومين منها. وتعتبره ذا أولوية قصوى مرتبطة بالأمن القومي والكرامة الوطنية، باعتبار أنه طوق النجاة لجميع مشاكلها الاقتصادية والمشاكل المتعلقة بمصادر الطاقة.

بعد رفض مصر "سد النهضة" كأمر واقع، ووصول المفاوضات تحت مظلة أفريقية الى طريق مسدود، لا يبقى أمامها إلا خياران:

1- اللجوء الى مجلس الأمن لاستصدار قرار بإيقاف جميع الاعمال المرتبطة ببناء السد وتشغيله لحين النظر في هذا الصراع القائم وحله ضمن مظلة الامم المتحدة.

2- الحل العسكري، هذا الخيار بات مطروحًا على الطاولة المصرية، بعدما كان مستبعدًا نظرًا للأوضاع الإقليمية المحيطة، إضافة إلى التبعات الإقليمية والدولية لتكاليف الحرب، إذ إن مصر ليست مستعدة لدخولها مع الضغوط الإقليمية التي تحاوطها، خصوصًا في ليبيا، بالإضافة إلى أن هناك قوى إقليمية ودولية لها استثمارات كبيرة في تلك المنطقة ستحول دون وقوع مواجهة عسكرية بين البلدين مهما كلف الأمر. وإذا كان تراجع الأزمة في ليبيا يشكل عاملًا مساعدًا لمصر للتفرغ لأزمة "سد النهضة"، فإن التغيير الرئاسي الأميركي يطرح علامة استفهام حول تغيير محتمل في الموقف الأميركي من هذا النزاع، بعدما كان الرئيس السابق دونالد ترامب متعاطفًا مع مصر ويقيم علاقة جيدة معها، ويعتبرها إحدى ركائز ودعائم السياسة الأميركية في المنطقة.

يعطي السد إثيوبيا موقعاً جيوبوليتيكيًا هامًا جدًا يجعلها لاعبًا إفريقيًا أساسيًا في رسم السياسات الافريقية بالتحكم بمصدر طاقة أساسي هو الكهرباء ومصدر حياتي هو المياه. فالسد الذي سيكون الأكبر من ناحية انتاج الطاقة على المياه أفريقياً، وفي المرتبة العاشرة دوليًا سيرفع من قيمة الحياة الاجتماعية والاقتصادية للشعب الاثيوبي، وسيسمح لاثيوبيا بتوفير الكهرباء التي ستسمح بدورها بالانتقال الى شبه ثورة صناعية فيها. كل ذلك مع تحقيق الانتاج الأنظف للطاقة والأقل تلويثاً للبيئة. علماً أن إثيوبيا التي تعتبر بلداً جبلياً، تمتد على المرتفعات، ولا تحتاج للسد في موضوع مياه الشرب، بينما مصر، بالنسبة لحجمها ولعدد سكانها ليست دولة غنية بالمياه، كما يعتقد الكثيرون، بل هي تحتاج الى وسائل كثيرة لتخزين وتكرير المياه بهدف سد حاجاتها المختلفة. حتى الآن ليس هناك حل ملزم قانونيًا بشكل واضح. والمخاض القانوني في النزاعات على المياه ما يزال في بداياته. لذلك النعمة لإثيوبيا والنقمة للسودان ولمصر.. والأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات السياسية والعسكرية.

أثيوبيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات