معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

المُطبِّعون الجدد يخترقون الأردن: استبدال الملك وفرض
05/04/2021

المُطبِّعون الجدد يخترقون الأردن: استبدال الملك وفرض "الحل البديل"

علي عبادي

المتابع لتطورات الساحة الأردنية في الآونة الأخيرة ولو من بعيد، كان يدرك أن شيئًا ما يغلي وقد ينفجر في أية لحظة على شكل عمليات إرهابية، أو حراكٍ شعبي مطلبي على خلفية تدهور الوضع المعيشي وارتفاع نسبة البطالة، خاصة مع توقف الدعم الخليجي لنظام الحكم. لكن تفجّر أزمة بين نخبة النظام التقليدية ومن ضمنها شخصيات خدمت في أقرب مراكز السلطة الى الملك (الديوان الملكي) شكّل مفاجأة للمراقبين من الخارج وفتح بابًا لأسئلة متشعبة:

لماذا الأردن محط اهتمام اليوم، وهو الذي تمتَّع باستقرار نظام الحكم منذ أحداث "أيلول الأسود" في بداية سبعينيات القرن الماضي بين الجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية، مع استثناء لا يلغي هذه القاعدة ويتعلق بالحراك الشعبي المطلبي في العام 2011 واستمرار الشدّ والجذب مع جماعة "الاخوان المسلمين"؟

هل للحدث بُعد محلي - عائلي بحت، أم أن له صلة بالتطورات الإقليمية الأخيرة، وتحديدًا في مرحلة البحث عن ترجمة "صفقة القرن" على الأرض بالاستفادة من اتفاقات التطبيع بين عدد من الأنظمة العربية والكيان الصهيوني؟

ما هو موقف السعودية ودولة الإمارات من المستجدّ الأردني، لا سيما في ضوء الفتور الواضح في العلاقات التي اعترت علاقات عمّان مع البلدين الخليجيين في فترة رئاسة ترامب وطرح "صفقة القرن"؟

ما موقف الإدارة الأميركية مما جرى؟ وهل لا تزال ضمانة كافية للحكم الأردني الذي يجابه واحدة من أصعب المراحل التي عاشها منذ تأسيس إمارة شرق الأردن قبل مائة عام؟

احتقان داخلي وتهميش من "الحلفاء"

المُطبِّعون الجدد يخترقون الأردن: استبدال الملك وفرض "الحل البديل"

بداية، لا بد من إيراد الملاحظات التالية:

- يعيش النظام السياسي في الأردن فترة توتر داخلي ناجمة عن تداعيات الصعوبات الاقتصادية التي تواجه البلاد، والتي فاقمها الحصار المالي غير المعلن من جانب الأنظمة الخليجية المقتدرة. وحظي الأردن بنوع من التغطية السياسية بعد اندلاع أحداث ما سمي "الربيع العربي" عام 2011، إذ تم ضمه والمغرب الى نادي الممالك والإمارات العربية (دول مجلس التعاون الخليجي العربية الست + 2) ومُنِحا، الى جانب سلطنة عُمان والبحرين الضعيفتي الموارد، إمكانات مالية للتغلب على مصاعبهما الاقتصادية والمالية. ومعلوم أن الأردن يعتاش الى حد كبير على المساعدات التي تأتيه من الغرب، لا سيما من الولايات المتحدة، ومن الدول الخليجية النفطية، بسبب محدودية موارده الاقتصادية وعدم تطوير إمكاناته بالرغم من علاقاته الوثيقة بالغرب وإقامة معاهدة سلام مع كيان العدو عام 1994.
 
- من المعلوم أن الأردن أيضًا، فضلًا عن فقر موارده الاقتصادية، يعاني من أزمة دور، ويُنظر إليه على أنه دولة وظيفية منذ تم تأسيس إمارة شرقي الأردن برعاية الاستعمار البريطاني عام 1921، قبل إعلان قيام المملكة الأردنية الهاشمية في 1946. ويُقصد بالدولة الوظيفية تلك التي أُوكلت اليها وظيفة محدَّدة من قبل الدولة الاستعمارية الوصية عليها، وهي هنا توفير قاعدة للنفوذ البريطاني (ومن ثم النفوذ الأميركي) والتعايش مع الدولة الصهيونية التي ستنشأ لاحقًا عام 1948 اعتمادًا على وعد بلفور لعام 1917. بناءً عليه، يتخوف القادة الأردنيون اليوم من أن تكون هذه الوظيفة قد أصبحت محل شك أو أنها قاربت على انتهاء الصلاحية، في ضوء ممارسات الضمّ والاستيطان الصهيونية وإجهاض فرصة قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، مما يضع الأردن أمام مواجهة عبء الخيار البديل.

- أدت سياسات الكيان الصهيوني، لا سيما في عهد الليكود، الى إعادة إنعاش التفكير في ما يسمى "الخيار الأردني" لإنهاء القضية الفلسطينية. ويقوم هذا الخيار الذي نادى به غُلاة قادة الليكود (بدءًا من وزير الخارجية يغآل ألون 1974 -1977) على إقامة دولة فلسطينية في الأردن وتهجير قسم كبير من فلسطينيي الضفة الغربية إليها، قبل أن يتم تجميل هذا الطرح على صورة "كونفدرالية" أردنية - فلسطينية تلافيًا للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة له على أرضه التاريخية.

- أدى وصول دونالد ترامب الى الحكم في الولايات المتحدة عام 2016 الى إحياء آمال القادة الصهاينة في وضع "الخيار الأردني" موضع التطبيق. ولم يتوانَ ترامب عن تقديم كل الدعم لمخططات الاستيطان في الضفة وقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس، مُهمِّشًا الى حد كبير مكانة الأردن في الإستراتيجية الأميركية في المنطقة ومعزِّزًا هواجس الملك الأردني حيال مستقبل المملكة في تصوّر واضعي "صفقة القرن".

- في الفترة التي تلت توقيع اتفاقات التطبيع العربية - الإسرائيلية الأخيرة، شعر الأردن بأن دول الخليج قد تجاوزته، كما تجاوزت الشعب الفلسطيني، وأصبحت أكثر استعداداً لتقبُّل الطروحات الصهيونية في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية بدعوى البحث عن مصالح مشتركة ومواجهة خطر مزعوم قادم من إيران (ملاحظة هامشية: الأردن لم يكن بعيداً عن دعم المعسكر الخليجي في مواجهة ايران، والملك عبد الله هو أول من ابتدع مصطلح "الهلال الشيعي" بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ليؤسس نظرياً لتخندق ضد ايران انطلاقاً من مخاوف مذهبية). وشكا المسؤولون الأردنيون من توقف الدعم المالي الخليجي في هذه المرحلة ومن محاولةٍ للمساس بالوصاية الأردنية على الأماكن الاسلامية والمسيحية المقدسة في القدس المحتلة.

أمر انضباط أميركي

المُطبِّعون الجدد يخترقون الأردن: استبدال الملك وفرض "الحل البديل"

بعد هذا العرض التاريخي الموجز، يمكن فهم ما يجري على الساحة الأردنية وفق المتغيرات التالية:

- هناك أجواء اعتراض جدية في الأردن على حكم "الملك" عبد الله ناجمة عن شعور بالإحباط من نواتج "معاهدة السلام" مع الكيان الصهيوني والتي لم تأتِ بالازدهار الاقتصادي الموعود. وإضافة الى الفساد وسوء الإدارة (ثمة كلام كثير حول أداء "الملك" على المستوى الشخصي)، هناك حصار مالي عربي وارتباط قيادات أردنية بالسعودية والإمارات (تمامًا كما الحال مع شخصيات وجهات سياسية في لبنان ودول عربية أخرى)، لكن تشتت المعارضة لا يسعف في تكوّن البديل خارج نطاق العائلة المالكة. ومن هنا، جاء حرص "الأمير" حمزة على الجهر بالاعتراض على أداء الحكم من داخل العائلة، وهذا الخرق يحصل للمرة الأولى في تاريخ المملكة، ليشير الى استعداد لديه للاضطلاع بدور في قيادة تحرك "لتصحيح" المسار الراهن.

- أدى مجيء إدارة أميركية جديدة الى نشوء تقاطع مصلحي إماراتي - إسرائيلي يهدف ربما لفرض أمر واقع جديد في الأردن أكثر مطواعية لهما: "اسرائيل" تريد قطع الطريق على "حل الدولتين" الذي تزمع الإدارة الجديدة إعادة بحثه، والإمارات تريد "تأديب" حكم الملك عبد الله الذي يتقرب حينًا من تركيا ويتحفظ حينًا آخر على العلاقات الإماراتية - الإسرائيلية الحارّة، كما تريد أبو ظبي التعويض عن فشل مشروعها لعزل واستبدال الحكم في قطر. ولا يبدو أن الإمارات التي تمسك ببعض مفاتيح الشخصيات الأردنية والفلسطينية بعيدة عن التوجهات السعودية المتحفظة على السياسات الأردنية، وإن كانت الإمارات أكثر إقدامًا ومخاطرة في بعض الجبهات الإقليمية في مرحلة انكفاء الدور السعودي الى حدود ضيقة لأسباب عدة. وفي هذا الإطار أيضًا، يمكن فهم منع الأردن سفر نتنياهو الى الإمارات عبر أجوائه في 11 آذار/ مارس الماضي على أنها أكثر من اعتراض على جزئية عرقلة زيارة ولي عهد الأردن الى المسجد الاقصى، وصولاً الى تراكم احتقان متبادل.

ورغم أن بعض الشخصيات الأردنية المشار إليها مقربة جدًا من ولي العهد السعودي، الأمر الذي أثار تكهنات بوجود دعم سعودي لتحرك الجهات المناهضة للملك عبد الله، إلا أن مسارعة الرياض الى تأييد الحكم الأردني قد تكون له أسباب أخرى غير "إبراء ذمة" السعودية من أزمة الجار الأردني، وهذه الأسباب تتصل خاصة بالخشية من اشتعال صراع على حدودها ومن إعادة تنشيط مطالبة أمراء في العائلة السعودية الحاكمة (الأمير محمد بن نايف) بالعرش، على غرار ما يفعل ولي العهد الأردني المُقال. والسعودية حساسة لعدوى النماذج الملكية والتقلّبات التي تصيبها.

- في الوقت نفسه، أتاحت المعطيات التي ظهرت مؤخرًا فرصة للملك عبد الله الثاني للتخلص من ملامح "دفرسوار" داخلي، بالاستفادة من دعم مستجدّ من إدارة بايدن. توقيت انطلاق الحملة الأمنية الأردنية المضادة للشخصيات الموالية للإمارات والسعودية له علاقة باستشعار لديه باستعداد الادارة الاميركية للتحرك في اتجاه "حل الدولتين"، وأيضًا اطمئنان الى دعم أميركي متجدد لنظام الملك عبد الله انطلاقًا من أن دور الأردن لا يزال مهمًا ومطلوبًا في مواجهة تطورات سوريا والعراق، حيث لا ترغب واشنطن في حدوث فراغ وأزمة في الأردن تضاف الى الأزمات القائمة في المنطقة (بيان الخارجية الأميركية السريع والقاطع والذي أكد الدعم لـ"الملك" عبد الله شخصيًا كان رسالة لكل من يعنيهم الأمر في المنطقة بالانضباط وعدم التفكير في التلاعب بالمصالح الأميركية ومرتكزاتها). ويبدو أن "الملك" الأردني انتظر زوال شبح ترامب وتبدُّد تأثير التحالف الخليجي - الاسرائيلي من أجل التحرك للتخلص من الشخصيات التي تعمل في فلك المعسكر المناهض له. مع ملاحظة أن الحديث الرسمي عن انقلاب لم يقترن بأية معطيات عن اعتقال قيادات أمنية او عسكرية، مما يضع تحرك الأجهزة الأمنية الأخير ضد الشخصيات المرتبطة بالسعودية والإمارات في اطار المسعى الوقائي حتى الآن ليس إلا.

- هذه التطورات لا تبتعد عن الحسابات الخليجية - الإسرائيلية المستجدة المتعلقة بمحاولة تمرير بعض تكاليف "صفقة القرن" التي تشكل في أجزاء منها عبئًا على الأردن، ومنها المسّ بكينونة المملكة الأردنية وتوطين اللاجئين الفلسطينيين والوصاية على المسجد الأقصى. وإنه من اللافت غياب موقف اسرائيلي واضح يتعلق بدعم الملك الأردني بالرغم من أهمية الأردن بالنسبة لكيان العدو.

أخيرًا، قد تكون هناك عبرة مهمة للبنان مما يحصل اليوم في المملكة الأردنية، وهي أن الأردن الذي يقف في خط المعسكر الأميركي والمُسالم لـ"إسرائيل" لم يكن بمنأى عن الحصار والتهميش والنكران العربي الخليجي، فكيف يكون حال لبنان؟ ربما يجدر بالذين يهاجمون المقاومة اليوم على أنها سبب لتوقف المساعدات العربية أن ينظروا الى الأردن وكيفية تطاول دول معسكر "الاعتدال" و"إسرائيل" عليه.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات