آراء وتحليلات
الإفراج عن الأموال الإيرانية بين محكمة العدل الدولية والتطبيق الأميركي
علي إبراهيم مطر
لا شك بأن السلم يجب أن يسود في المجتمع الدولي، كما أكد ميثاق الأمم المتحدة. ومن أجل هذا الهدف أوجد القانون الدولي ميزة أساسية، من ضمن الوسائل السلمية لحل النزاعات الدولية، هي إمكانية اللجوء إلى التحكيم والقضاء في حال وجود نزاعات، لم تستطع الوسائل الدبلوماسية حلها. وتعد الطرق القضائية المتبعة في حل أي خلاف بين دولتين أساسية في التعامل الدولي، وهناك الكثير من التجارب الدولية التي تدل على أهمية استخدام القضاء الدولي.
محكمة العدل الدولية
تعد محكمة العدل الدولية الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، طبقاً للمادة 92 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنظر في دعاوى أشخاص القانون الدولي. ويعتبر جميع اعضاء الأمم المتحدة بحكم عضويتهم في المنظمة اطرافاً في النظام الاساسي للمحكمة. كما يسمح للدول غير الاعضاء في المنظمة بالانضمام الى النظام الاساسي بالشروط التي تحددها الجمعية العامة لكل حالة بناء على توصية مجلس الأمن، وفق ما تنص عليه المادة 34 و35.
وتعتبر وظيفة المحكمة الفصل في المنازعات التي ترفع إليها، وهي تطبق في هذا الشأن الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفاً بها صراحة من جانب الدول المتنازعة، وكذلك تطبق العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال، وكذلك مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتحدة.
والأهم في هذه المحكمة، أن حكمها ملزم بالنسبة لمن صدر بينهم وفي خصوص النزاع الذي فصل فيه فقط، كما يكون الحكم نهائياً غير قابل للاستئناف وعند النزاع في معناه أو في مدى مدلوله تقوم المحكمة بتفسيره، بناءً على طلب أي طرف من أطرافه. كما أنه لا يقبل التماس إعادة النظر في الحكم، إلا بسبب يكشف واقعة حاسمة في الدعوى كان يجهلها عند صدور الحكم كل من المحكمة والطرف الذي يلتمس إعادة النظر، على ألا يكون جهل الطرف المذكور لهذه الواقعة ناشئاً عن إهمال منه، وذلك وفقاً لما تشير إليه المواد، 59، 60 و 61.
نماذج لأحكام المحكمة
ومن القضايا التي يمكن الإشارة اليها، حيث تمت تسويتها من خلال محكمة العدل الدولية، القضية المتعلقة بجزيرة كاسيكيلي/سيدودو (بوتسوانا ضد نامبيا) من الحكم الصادر في 13 كانون الأول/ديسمبر 1999. فقد أقرت المحكمة في حكمها الصادر في القضية المتعلقة بجزيرة سيدودو، بأغلبية أحد عشر صوتاً مقابل أربعة اصوات، ويقول إن "الحد بين جمهورية بوتسوانا وجمهورية نامبيا يسير باعمق المقاسات في القناة الشمالية من نهر تشوبي حول جزيرة سيدودو"، وبأغلبية أحد عشر صوتاً مقابل اربعة اصوات بان جزيرة كاسيكلي/سيدودو تشكل جزءاً من إقليم دولة بوتسوانا". (لمعرفة المزيد يمكن الرجوع إلى موجز الأحكام والفتاوى والأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية 1997 ـ 2002، منشورات الأمم المتحدة 2005، ص 139)، http://www.icj-cij.org
خلاف قطر والبحرين
يمكننا فيما يتعلق بأحكم محكمة العدل الدولية، التطرق ايضاً إلى قضية الخلاف الحدودي، بين قطر والبحرين، والتي تعد من النزاعات الحدودية الشائكة في التاريخ القانوني للمحكمة، إذ ظلت تنظر فيه قرابة عقد من الزمان. وقد استمر تداول المحكمة للقضية تسع سنوات. وفي السادس عشر من اذار/مارس 2001، أصدرت المحكمة حكمها النهائي. (ولمعرفة حكم المحكمة في هذه القضية يمكن الرجوع إلى قرارات محكمة العدل الدولية، موجز الأحكام والفتاوى والأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية 1997 ـ 2002، منشورات الأمم المتحدة 2005، ص 176، الحكم الصادر في تعيين الحدود ومسائل اقليمية بين قطر والبحرين، http://www.icj-cij.org)
قضية الأموال الإيرانية
يعد تجميد الأموال والأملاك الإيرانية في الولايات المتحدة الأمريكية سياسة متبعة، ففي الماضي اتخذ الرئيس الأسبق جيمي كارتر عقب أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين في سفارة الولايات المتحدة في طهران قرارًا بتجميد أملاك إيرانية، كما اتخذ أوباما عام 2009 ذات القرار أيضًا وجمّد الأرصدة الإيرانية في الولايات المتحدة. ويعتبر هذا التصرف الأميركي غير مسوغ، ويصدر عادةً عن القضاء الأميركي الذي من الطبيعي لن يحكم لمصلحة إيران في هذه الأرصدة.
وقد أقرّت محكمة العدل الدولية لصالح إيران في قضية أموالها المجمدة لدى واشنطن. ووفق ما ورد في تقرير المحكمة لعام 2018 ص 45، ففي 14 حزيران/يونيو 2016 ، أودعت إيران عريضة ترفع بها دعوى ضد الولايات المتحدة تتعلق بنزاع بشأن اتخاذ واشنطن مجموعة تدابير أدت إلى معاهدة الصداقة والعلاقات الاقتصادية والقنصلية المبرمة في طهران في 15 آب/ أغسطس 1955، إلى اثار سلبية شديدة على قدرة إيران والشركات الإيرانية، لممارسة حقوقها في التحكم بممتلكاتها خارج الأراضي الإيرانية وداخل الأراضي الأميركية. وطلبت إيران من المحكمة أن تقرر اختصاصها بالنظر في النزاع والفصل في المطالبات المقدمة من إيران، وبأن الولايات المتحدة بإقدامها على مصادرة ممتلكات الشركات الإيرانية، والتعامل معها معاملة جائرة، فإنها أخلت بالتزاماتها تجاه ايران وفق معاهدة الصداقة، وبأن على الولايات المتحدة الالتزام بكفالة عدم اتخاذ أي تدبير يتعارض مع ما تقضي به المحكمة، وأن تؤكد على أن إيران والشركات المملوكة للدولة الإيرانية، مشمولة بالحصانة القضائية لمحاكم الولايات المتحدة، وأنها ملزمة بالوضع القانوني للشركات الإيرانية، وعليها دفع تعويضات كاملة لإيران عن انتهاك التزاماتها القانونية الدولية بالمبلغ الذي تحدده المحكمة.
وقد قبلت محكمة العدل الدولية الدعوى المقدمة من إيران ضد الولايات المتحدة الأمريكية. وقضت المحكمة بالسماح لإيران بأن تباشر مساعيها الرامية لاستعادة أموال جمدتها المحكمة العليا في الولايات المتحدة، وهذا الحكم يتيح لطهران إطلاق إجراءاتها لاسترجاع ملياري دولار جمدتها واشنطن بزعم تعويض أمريكيين هم ضحايا اعتداءات "إرهابية" تتهم الولايات المتحدة إيران بالوقوف وراءها.
وهنا نشير، إلى أن هذا القرار ملزم لواشنطن، وبالتالي عليها الإفراج عن هذه الأموال، لأن قرار المحكمة ليس استشارياً هنا، إنما هو حكم قضائي ملزم يجب على الدول التي هي عضو في الأمم المتحدة، أو التي هي غير عضو وقبلت التقاضي أمام المحكمة أن تلتزم به وتنفذه، وبالتالي فإنه لا يسقط بأي دعوى ولا بمرور الزمن. لكن السؤال الذي يطرح هنا مسبقاً هل ستلتزم أميركا بهذا الحكم؟ وهذا جوابه واضح في تاريخ أميركا الذي يقوم على الإرهارب والترهيب، والانتهاكات للقانون الدولي، الذي تستخدمه شماعةً فقط ضد الدول التي تخالف سياستها. وقد رفضت واشنطن فعلاً هذا الحكم، وقالت إنها لن تلتزم به، ومن ثم ردت عليها المحكمة بأن هذه القضية تأتي في سياق اختصاصها، وبالتالي من حق طهران الحصول على اموالها والتزام واشنطن بحكم المحكمة.
ولا بد من في النهاية أن نؤكد على أنه من حق إيران رفع هذه القضية إلى مجلس الأمن الدولي في حال عدم التزام الإدارة الأميركية بحكمة محكمة العدل الدولية المبرم، كما أن على المحكمة أن تعود وتطالب واشنطن بتطبيق حكمها من أجل حفظ ماء وجه هذه المحكمة الدولية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024