آراء وتحليلات
مشروع قناة بن غوريون.. حلم اسرائيلي عاد الى الحياة؟
عبير بسام
ضجت المواقع الإخبارية منذ الأسبوع الماضي بخبر سفينة الشحن التايوانية "إيفير غيفين" العالقة في قناة السويس. لا يعد خبر جنوح السفينة ولا الفشل في تعويمها لأيام هو الخبر الأهم! ولكن الخبر الحقيقي هو في ما وراء جنوح السفينة، الذي أيقظ أحلامًا قديمة - حديثة كانت وما تزال حية في مخططات الكيان الصهيوني، وما زالت تراوده، بإحياء مشروع "قناة بن غوريون" لوصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر. وهي القناة التي سيتم حفرها من خليج العقبة عبر صحراء النقب وصولاً إلى البحر المتوسط. وفي هذه الحالة يجب إعادة التفكير بما ستؤول إليه الأمور في القريب العاجل.
بدأ التفكير بحفر القناة المقابلة لقناة السويس في العام 1963. وهي فكرة تعود لمذكرة قدمها مختبر لورانس ليفرمور الوطني بدعم من وزارة الطاقة الأميركية، وتوصي بفتح قناة جديدة تصل خليج العقبة، بعد القرار الذي اتخذه الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس في العام 1956. واقترحت المذكرة أنّه من أجل ضمان سريان الملاحة في البحر الأحمر يجب فتح قناة بديلة في خليج العقبة ويتم شقها عبر صحراء النقب، التي وصفت بأنها منطقة خالية ويمكن الحفر فيها باستخدام القنابل النووية. توقف المشروع بسبب الإشعاعات التي يمكن أن تسببها القنابل النووية، أولاً، وثانياً بسبب المواقف المعادية التي ستتخذها الدول العربية بقيادة عبد الناصر ضد المشروع.
واليوم اختلفت الظروف السياسية وتبدلت التحالفات السياسية في المنطقة. ويبدو أنّ المشروع عاد ليطفو على السطح، وأن حادث جنوح السفينة يمكن استثماره ليكون نافذة لعودة الحديث عن إيجاد بديل لقناة السويس. في مقال سبق نشره على موقع "العهد" تحت عنوان "اتفاقيات التطبيع في الخليج العربي.. تحريك لـ"حدود" الكيان" تحدثنا عن محاولة "اسرائيل" السيطرة والتمدد للوصول إلى بوابات الطرق البحرية إلى البحر المتوسط. ولم تأت اتفاقيات ابراهام للتطبيع مع المغرب والإمارات والسودان دون تخطيط مبني على المصالح، وبذا ستتمكن "اسرائيل" من السيطرة على بحر عمان والخليج العربي ومضيق جبل طارق وأخيراً البحر الأحمر عبر قناة بن غوريون القادمة، مما سيوفر دخلاً هائلاً للكيان.
الكيان الاسرائيلي والولايات المتحدة، بحاجة ماسة لهذه المشاريع، ولهذه المعاهدات التي يمكن أن تضمن لها استقراراً سياسياً واقتصادياً من أجل المحافظة على وجودها في المنطقة، وخاصة بعد الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتي تنبئ بانهيار اقتصادي قاس في أميركا بسبب انخفاض أسعار النفط، وضعف الحاجة للنفط العالمي والبحث عن طاقة بديلة، نتيجة لتصاعد الدعوات لحماية البيئة واتساع ثقب الأوزون، فأميركا لم تعد قادرة على إدارة الأذن الصماء لصرخات المدافعين عن البيئة حول العالم، هذا اولاً.
وأما ثانياً، فهو الخوف الأميركي من تصاعد القوة الاقتصادية للصين، الماضية في مشروعها "طريق واحد، حزام واحد"، والذي يهدف إلى بناء خط قطار يبدأ من ولايات الصين غرباً باتجاه غرب آسيا. وهو مشروع استثمار بمليارات الدولارات. فعلى سبيل المثال، قبل جائحة كورونا استضافت عدة جهات في لبنان السفير الصيني، الذي شرح فوائد المشروع الذي سيقوم بتوظيف عشرات الآلاف من العمال والموظفين والاختصاصيين على طول خط القطار، الذي سيستخدم أساساً من أجل نقل البضائع بين الصين وأوروبا. لذلك تحاول أمريكا إيجاد خط بديل لتبادل البضائع ينافس الخط الصيني عبر البحر. اذاً هناك مرحلة جديدة قادمة وهي حرب اقتصادية من أجل السيطرة على المنافذ البحرية وطرق التجارة العالمية.
هذا المشروع الأميركي ارتبط بعدة اتفاقيات ومشاريع اتفاقيات ولن يكون آخرها انضمام الولايات المتحدة والامارات العربية المتحدة، وإن كانت بصفة مراقب. واعتباراً من الإثنين 29 آذار/ مارس، يسري مفعول اتفاقية التعاون العسكري بين الأردن والولايات المتحدة، التي تصب في إيجاد مكان بديل للقوات الأميركية خارج العراق وسوريا. وثالثاً التحضيرات التي تسير على قدم وساق من أجل تنفيذ مشروع الشام الجديد الممتد من العراق إلى الأردن إلى فلسطين وعبر الجزيرة العربية إلى صحراء السويس. يهدف المشروع خلق طريق جديد للتجارة لا يمر عبر سوريا ولبنان، بل عبر أراضي الشام الجديدة الممتدة من الخليج العربي جنوباً حتى البحر المتوسط شمالاً وسيمر عبرها خطا نفط وغاز من العراق مما سيغني عن خط التابلاين. وبذا تفقد سوريا أهميتها الإستراتيجية الجغرافية كأحد أهم خطوط التجارة العالمية بين الشمال والجنوب عبر التاريخ. إلا أن ما أفقد المشروع زخمه في هذه المرحلة هو اندفاع "اسرائيل" لتكون جزءاً من المشروع، وهو ما توقفت عنده الحكومة العراقية.
كشفت السرية عن مذكرة مشروع القناة في العام 1994. وهو ينتظر قابعاً في الدروج تهيئة الظروف لإعادة إحيائه. وقد يكون حادث جنوح السفينة المتزامن مع توقيع الصين وإيران سلسلة من الاتفاقيات التجارية الهامة، المدخل إلى ذلك. إن ما يحدث دليل على أن بدء التغييرات والتحالفات بات حتمياً في المنطقة، وهو ما يفسر إعادة الضغوط الاقتصادية على سوريا ولبنان، حيث كان يأمل الأميركي أنّه من خلال العقوبات سيفرض شروط المصالحات مع "اسرائيل".
التغييرات على صعيد المنطقة والتي تتحدث عن إنهاء الأزمة السورية وخروج الأميركي والتركي على حد سواء من سوريا قادمة مع التنين الصيني. فمشروع "حزام واحد وطريق واحد" سيعزز نجاحه عند وصوله ميناء اللاذقية، أو/ وميناء طرابلس، إذا رغب اللبنانيون بذلك، في مقابل ميناءي حيفا وعسقلان. وهذا أحد النزاعات الأساسية القائمة ما بين الصين والولايات المتحدة. ويبدو أنّ انسحاب الأخيرة إلى الأردن بموجب اتفاقية التعاون العسكري الجديدة، بات يفرضه الواقع الجديد، اذ يمكن للأميركيين من هناك إدارة نزاعات جديدة تحضرها للمنطقة من أجل إطالة عمر الأزمة وبالتالي عرقلة المشروع الصيني، دون التصادم المباشر معها.
توقيع اتفاقيات التطبيع، والتي تهدف أولاً إلى توسيع النفوذ الإسرائيلي على الممرات المائية، وهي مشاريع يحضر لها في دوائر الولايات المتحدة منذ ستينيات القرن الماضي، والتي كشفت بعد رفع السرية عن المذكرة في العام 1994، سيكون ذا نتائج كارثية على المنطقة، وأولها سيقع على رأس مصر، اذا لم يوقف المشروع. فمصر لا تحتمل اقتصادياً تهميش دور قناة السويس كأحد أهم مصادر الدخل فيها، وخاصة بعد إتمام بناء سد النهضة وحبس مياه النيل وراءه، الأمر الذي سيتسبب بتجويع المصريين، وفي هذا كلام آخر.
قد يحتاج بناء قناة بن غوريون عدة سنوات لا تحتسب في عمر الدول، ولكنه مشروع سيطرح بعد حادثة "إيفير غيفين". من المستفيد أو المسثمر في حادثة جنوح السفينة التي عطلت واحدة من أهم نقاط الملاحة العالمية، ألا وهي قناة السويس؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024