آراء وتحليلات
العلاقات التونسية - الليبية: منطق التاريخ ومعادلات الجغرافيا
تونس - روعة قاسم
يقوم رئيس الجمهورية التونسي بزيارة رسمية لليبيا الأربعاء بهدف "مساندة المسار الديموقراطي" بحسب ما أعلنت الرئاسة التونسية. وهي الزيارة الأولى لرئيس تونسي إلى ليبيا منذ عام 2012. وتأتي الزيارة بعيد أداء رئيس الحكومة الليبي الجديد عبد الحميد الدبيبة اليمين الدستورية وتسلم حكومة الوحدة الوطنية الجديدة مهام عملها الثلاثاء بصورة رسمية لتدخل في انتقال سلس للسلطة طال انتظاره من قبل الليبيين. فقد انتظرت شرائح ليبية واسعة هذا الحدث الهام بعد الشرخ الكبير والانقسام الحاصل بين الشرق والغرب والذي هدّد وحدة ليبيا وأمنها واستقرارها طول الأعوام الماضية.
وتعتبر هذه السلطة التنفيذية الجديدة تتويجًا لمسار طويل وشاق وصعب من المفاوضات برعاية أممية مثل محادثات جنيف وباليرمو وباريس 1 و2 والصخيرات وتونس وبرلين وغيرها من المحطات الهامة.
زيارة استراتيجية
بقيت ليبيا طيلة الأعوام الماضية تحت وطأة وتأثير تعدد المتدخلين الخارجيين في الملف الليبي وما وراءهم من أطماع ومصالح، حاولت هذه القوى الخارجية والإقليمية المتعددة والمتصارعة فرضها بقوة السلاح في المشهد الليبي، بدعم هذا الطرف أو ذاك واستغلال الانقسام السياسي الحاصل في ليبيا، سواء من قبل فرنسا وإيطاليا أو تركيا وما وراءها من دعم أمريكي.
والمفارقة أنه في خضم هذه المتغيرات وبعد تدخلات خارجية طال أمدها، فإن رئيس الجمهورية التونسي هو أول رئيس دولة أجنبي يحلّ بليبيا الجديدة ليشارك الليبيين فرحة التوصل لحكومة جديدة موحدة بعد معاناة طويلة. وليس صدفة أن يكون الرئيس التونسي هو أول رئيس يتم توجيه الدعوة إليه من قبل الليبيين فور الانطلاق بالمسار الانتقالي. فمنطق التاريخ ومعادلات الجغرافيا وما تخبئه من روابط وأواصر إنسانية وتاريخية متينة بين الشعبين التونسي والليبي تفوق وتتجاوز كل الاعتبارات وهي تتفوق على أي نفوذ خارجي أو اعتبارات سياسية. تاريخيًا، مثلت تونس العمق الأمني والسياسي لأبناء بلاد عمر المختار. وعندما وقعت الأحداث الليبية سنة 2011، فتحت الخضراء حدودها لاستقبال موجات النازحين وسهرت السلط التونسية على بناء مخيم في منطقة بوشوشة الحدودية. والى الآن لا تزال جالية هامة تقطن في تونس وتشعر أنها جزء لا يتجزأ من النسيج المجتمعي في البلاد.
وعن أهمية الزيارة للبلدين يقول الناشط الحقوقي الليبي خالد الغويل لـ "العهد" بأنها تأتي في وقتها وفي مكانها المناسب فهي ـول زيارة لرئيس دولة أجنبي وعربي الى طرابلس وهي تجسّد العلاقات الأخوية بين البلدين وتعكس عمق الروابط والأخوة بين تونس وليبيا. ويضيف "هذه الزيارة تعطي دفعة قوية للعلاقات الثنائية ومن شأنها تفعيل كل الاتفاقيات المبرمة بين البلدين وتكتسي أهمية كبيرة في إطار التبادل التجاري وفي سياق العمق الإستراتيجي بين تونس وليبيا باعتبارهما شعبا واحدا في بلدين".
تحديات هامة دبلوماسيًا وأمنيًا
يشار الى أن العلاقات التونسية - الليبية مرّت بتحديات هامة خلال العشرية الأخيرة. وطوال الحرب الليبية حاولت الدبلوماسية التونسية سواء في عهد الباجي قائد السبسي أو خلال عهد قيس سعيد، الوقوف على الحياد وأن تكون على مسافة واحدة من كل المتصارعين سواء في حكومة الغرب أو الشرق الليبي، وذلك رغم المصاعب التي عانت منها الدبلوماسية التونسية سواء في عهد الترويكا أو مع الدبلوماسية الموازية التي حاول بعض رؤساء الأحزاب المقربين من أنقرة اتخاذها، في موقف مخالف لتوجهات الدبلوماسية التونسية التي انتهجت الوقوف على الحياد من كل الفرقاء الليبيين.
واليوم بعد انطلاق قطار التسوية الشاملة في ليبيا والبدء بمسار توحيد السلطة الليبية وما سيتبعه من رهان توحيد المؤسسات المنقسمة، فإن تعزيز العلاقات وإعادة احيائها سيشكل تحديًا هامًا لكلا البلدين. إضافة الى ذلك، يمثل التحدي الأمني مسألة لها أولوية اليوم خاصة بعد قرار خروج المرتزقة والإرهابيين الذي يشكل هاجسًا ليس فقط لتونس بل لدول الإقليم خشية من أن تصبح ليبيا أرضية لتنامي الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي تريد إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة.
هناك سباق حميم اليوم حول عقود إعادة الإعمار وتقاسمها بين الدول المؤثرة في الملف الليبي مثل تركيا وغيرها إضافة الى النفوذ الفرنسي والإيطالي واستئثار هذين البلدين بعقود النفط الليبية. وفي خضم هذا التهافت والتسابق الإقليمي والدولي فإن موقف تونس كان واضحًا وجليًا في كل المحطات ولطالما عبرت عن أن سيادة ليبيا وأمنها ووحدتها واستقرارها هو استقرار لتونس أيضًا. وهذا الموقف الواضح تجلى بوضوح خلال احتضان تونس لمحطات هامة في الحوار الليبي برعاية أممية وانعقاد آخر جولة للحوار الليبي في تونس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وقد سبق أن أطلقت تونس أيضًا خلال عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي مبادرة للحل الليبي بمشاركة دول الجوار أي مصر والجزائر سنة 2017، وكانت تركز بالأساس على الحل السياسي للأزمة ودعوة الليبيين الى الجلوس على طاولة الحوار بعيدًا عن لغة الرصاص والسلاح.
وفي عهد الرئيس قيس سعيد أيضًا، أعلنت تونس عن مبادرة لدعم المصالحة الليبية تحت مسمى "إعلان تونس للسلام" سنة 2019 وذلك عقب استقبال سعيد لوفد القبائل الليبية من كل الأطياف، وذلك في اعتراف بأهمية دور ممثلي القبائل في المصالحات القبلية والمجتمعية والتي مهدّت الطريق لرأب الصدع بين الليبيين أنفسهم. ولولا وقوع هذه المصالحات لما تحققت التسوية الحالية برعاية أممية رغم هشاشتها والمخاوف من أن تعكّر معضلة الميليشيات والسلاح مسار الانتخابات القادمة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024