آراء وتحليلات
بايدن وفلسطين: إعادة العلاقات.. والمفاوضات!
سركيس ابوزيد
استأنفت السلطة الفلسطينية رسميًا الاتصالات مع إدارة الرئيس جو بايدن، بعد أكثر من عامين على القطيعة التي أعلنتها السلطة مع الادارة السابقة برئاسة دونالد ترامب، بسبب اعترافه بالقدس عاصمة للكيان الاسرائيلي واتخاذه خطوات عقابية ضد الفلسطينيين. وناقشت الحكومة الفلسطينية إعادة العلاقات الفلسطينية ـ الأميركية، خصوصًا من حيث فتح المكاتب الدبلوماسية والقنصلية، وعودة المساعدات الاميركية، ودعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الاونروا)، وسبل دفع العملية السياسية قدمًا. وتعوّل السلطة الفلسطينية على إدارة بايدن، من أجل ترميم العلاقات ودفع ما يسمى بـ"عملية سلام" جديدة في المنطقة. والسؤال: كيف ستتعاطى إدارة بايدن مع الملف الفلسطيني؟
في هذا الإطار، هناك رأيان:
* الأول يقول إن بايدن ما زال مترددًا في إعلان موقف واضح من هذه القضية أو من مدى اهتمامه بها أو طريقة تعاطيه معها. وهناك مؤشرات عدة تشي بعدم وجود هذه القضية ضمن أولويات السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الجديدة. من هذه المؤشرات أن بايدن عندما أعلن الخطوط العريضة لسياسته الخارجية، لم يأت على ذكر الكيان الاسرائيلي أو الفلسطينيين، بل اكتفى بالإشارة الى ضرورة وضع حد للحرب في اليمن وإيقاف الدعم الأميركي للعمليات الهجومية في هذه الحرب، مقابل استمرار دعم السعودية في الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها.
ربما تجارب بايدن السابقة مع القضية الفلسطينية وصعوبة معالجتها عندما كان نائبًا للرئيس أوباما الذي انتقد بوضوح سياسة الكيان الاسرائيلي الاستيطانية في الضفة الغربية (بناء مجمع مؤلف من 1600 وحدة سكنية)، وطريقة تعاطي نتنياهو مع إدارة أوباما في هذا الموضوع، وربما أيضًا بسبب تقدم بايدن في السن واحتمال عدم ترشحه لولاية ثانية بعد أربع سنوات من الآن، بحيث إن لديه أمورًا أكثر إلحاحًا، مثل العلاقات مع الصين وروسيا وأوروبا والملف النووي.
ويشير أصحاب هذا الرأي إلى صعوبة حصول أي تحرك أميركي مهم في سياسة الإدارة الجديدة تجاه القضية الفلسطينية، إذ إن انتخابات تشريعية ستجري في الكيان الإسرائيلي في 23 آذار الجاري، سيتضح بموجبها ما إذا كان نتنياهو سيبقى رئيسًا للحكومة أم سيتولى المسؤولية أحد سواه. كما أنه من المقرر أن تجري انتخابات تشريعية في السلطة الوطنية الفلسطينية في 22 أيار المقبل وانتخابات رئاسية في نهاية تموز.
لذا، من غير المتوقع أن ترى القضية الفلسطينية المزمنة حلًا جذريًا قريبًا لها، وكل ما ستحاوله إدارة بايدن هو تجنب تفاقم الأمور بين الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية مع تشجيع الفريقين على الحفاظ على خطوط التواصل بينهما، إذ إن بايدن لن يصرف جهده على قضية عمرها أكثر من 70 عامًا فشل أسلافه في حلها، بل إنه سيخصص جهوده للسعي الى رأب الصدع في المجتمع الأميركي، وذلك أمر شديد الصعوبة في ظل الانقسام الحاد السائد حاليًا، ولمعالجة أوضاع الاقتصاد الوطني وجائحة "كورونا"، وكذلك إعادة هيبة الولايات المتحدة واحترامها في العالم وعلاقاتها مع الصين وروسيا، بالإضافة الى ما يتطلبه الملف النووي الإيراني وملحقاته من جهد ووقت.
* الثاني يشير إلى أن عدم وضع القضية الفلسطينية في سلّم أولويات إدارة بايدن، لا يعني إطلاقًا ترك الأمور على ما أوصلها إليه ترامب وعدم القيام بأي خطوات. وإذا كان بايدن منشغلًا في أمور أكثر إلحاحًا له، فإن معاونيه مثل وزير الخارجية أنطوني بلينكن ومساعديه الذين لديهم خبرة طويلة في العمل الدبلوماسي، سيتعاطون بهذا الملف وفق التوجيهات العامة التي يرسمها. من هذا المنطلق، هناك قرارات اتخذها ترامب أثناء رئاسته ستبقى على ما هي عليه بلا تغيير، بينما هناك أمور أخرى لا بد للإدارة الجديدة من أن تعدلها وفق اقتناعها ورغباتها، سواء في الأسلوب أو في الجوهر.
أهم القرارات التي لن يتم التراجع عنها قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وقرار نقل السفارة الأميركية إليها، كذلك عملية تطبيع بعض الدول العربية مع الكيان الإسرائيلي، على أن تلحظ أي عمليات تطبيع جديدة التشجيع على اتخاذ خطوات من شأنها أن تشجع الوصول الى حل الدولتين. أما الأمور التي سيتم تغييرها في المستقبل القريب، فهي المرتبطة بالعلاقة المباشرة مع السلطة الفلسطينية.
تتطلع الإدارة الجديدة للعمل مع الكيان الإسرائيلي والفلسطينيين وأعضاء مجلس الأمن واللجنة الرباعية خلال الفترة المقبلة، وضرورة تهيئة المشهد من أجل التقدم قدمًا لتحقيق حل للصراع. وتشدد على أنها تقف مع هذا الحل الذي تراه عادلًا لكلا الطرفين، داعية إلى استقلال الفلسطينيين عن الكيان الاسرائيلي، وأن يكون لهم كيان معترف به دوليًا. وترى إدارة بايدن أن أفضل طريقة لضمان هوية الكيان، كـ"دولة" مزعومة يهودية و"ديمقراطية"، هو حل الدولتين، وأن تعيش "بسلام" إلى جانب دولة فلسطينية ديمقراطية قابلة للحياة.
ومن المحتمل أن تعود العلاقات الأميركية ـ الاسرائيلية والعلاقات الأميركية ـ الفلسطينية إلى الوضع الذي كان خلال إدارة الرئيس أوباما، وهي شراكة وثيقة مع الكيان الإسرائيلي، ولكن مع استمرار دعم حل للصراع عادل للفلسطينيين. والتطورات في المنطقة، وتحديدًا التوترات المتصاعدة مع إيران، يمكن أن ترسل العلاقة في اتجاهات أخرى، رغم أن بايدن أكد دعمه الثابت لأمن الكيان الإسرائيلي ومستقبله كـ"دولة" مزعومة يهودية و"ديمقراطية".
في اعتقاد أصحاب هذا الرأي أن إدارة بايدن تضع أي خطة "سلام" طموحة على نار هادئة، وسيكون الهدف الأساسي إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، مع العديد من المبادرات التي اتخذتها إدارة ترامب لصالح الكيان الاسرائيلي، في محاولة للحصول على الديناميكية الأميركية بالوقوف على قدم المساواة بين الطرفين. وبما أن الرأي العام والأوضاع السياسية في الكيان وفلسطين ليسا ناضجين للمفاوضات، ناهيك عن التسوية الناجحة، فإن إدارة بايدن تسعى إلى زرع بذور النيات الحسنة وإجراءات بناء الثقة، لتمهيد الطريق للمحادثات. ومن المحتمل أن تستكشف الادارة بدائل لصيغة الدولتين إذا اختارت المضي قدمًا في "اتفاق سلام".
* أعلنت السلطة الفلسطينية قبل شهرين أنها ستجري أول انتخابات تشريعية ورئاسية منذ 15 عاما هذا الصيف، بالشراكة مع حركة حماس. واستوضحت إدارة بايدن من الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن الشراكة مع حماس في الانتخابات الفلسطينية، لأنها تريد الاطمئنان إلى أن أي حكومة فلسطينية قادمة يجب أن تعترف بالكيان الإسرائيلي و"تنبذ العنف" وتحافظ على الاتفاقيات وتلتزم بها. وكان رد السلطة الفلسطينية أن النتخابات تجري تحت مظلة منظمة التحرير، وهي ملتزمة بكل الاتفاقات، وأي حكومة يتم تشكيلها ستتشكل وفق ذلك، لسحب الذرائع من الكيان وعدم إعطائها أي سبب لمنع الانتخابات، أو حصار الحكومة القادمة أو التحريض عليها. وبسبب ذلك لا تود حماس مثلا ترشيح أحد لمنصب
الرئيس من قبلها.
وهناك خشية من أن تفوز حماس، الأمر الذي يستدعي العمل على منع القيادي الأسير من حركة "فتح" مروان البرغوثي من الترشح للرئاسة ومنافسة "أبو مازن" كي لا يتسبب ذلك بانقسام كبير لدى "فتح"، من شأنه أن يصب في مصلحة حماس في الانتخابات في الضفة الغربية، ويمكنها من السيطرة على مؤسسات السلطة، وهي نتيجة خطيرة بالنسبة إلى الكيان الإسرائيلي من الناحيتين الأمنية والسياسية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024