آراء وتحليلات
القضية الفلسطينية والطعنات المفصلية (3/2)
إيهاب شوقي
في الجزء السابق من المقال، تناولنا خلفية العبث بالمصطلحات وبطبيعة الصراع، وتمت الإشارة الى عناوين أبرز المحطات المفصلية، وهنا يمكننا إلقاء الضوء على بعض هذه المحطات كما يلي:
1- الاحتفاظ بالثوابت رغم النكسات:
يمكننا هنا القول إن الصراع احتفظ بحقائقه وثوابته رغم الهزائم والنكبات والمحطات القاسية والتي كان أقساها حرب العام 1967 والتي عرفت بالنكسة، وأن بداية الكارثة الكبرى كانت اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 وما تلاها من توقيع معاهدة السلام المزعومة 1979.
فلم تكن القضية فقدت وجهها وثوابتها بعد بفعل الأحداث الكبرى القاسية، وبما فيها حتى أيلول الأسود عام 1970 م، والذي يعرف أيضًا بفترة الأحداث المؤسفة، عندما تحرك الجيش الأردني بناء على تعليمات الملك حسين لوضع نهاية لوجود المنظمات الفلسطينية المتواجدة في المدن الأردنية، فاضطرت القيادة الفلسطينية لأن تنسحب من عمّان إلى الريف الأردني في الشمال، وتجدد الصدام بعدها بين منظمة التحرير والحكومة الأردنية في تموز 1971، مما أدى إلى خروج قوات الثورة الفلسطينية من الأردن نهائيا ومعها جميع الفدائيين وأسلحتهم إلى لبنان.
بل ويمكن القول إن القضية ظلت محتفظة بثوابتها حتى في ظل أحداث لبنان، واشتعال الحرب الأهلية عام 1975 وتورط فصائل المقاومة الفلسطينية بها كطرف، وما تلاها في 1978 عندما قام الجيش الإسرائيلي بغزو جنوب وخروج المنظمة من لبنان في عام 1982 إلى تونس ودول عربية أخرى.
ربما هنا تجدر ملاحظة يمكن التأريخ بها لبذرة من بذور التنازلات الخطيرة وهي تقديم رونالد ريغان ضمانًا شخصيًا للمقاتلين الفلسطينين بالحفاظ على أمن عائلاتهم إذا ما غادروا إلى تونس وشرط أمريكا على القيادة الفلسطينية بالبعد عن سوريا وهو ما أفضى الى خروج المقاتلين تحت حماية دولية مكونة من 800 جندي مارينز أمريكي، و800 جندي فرنسي و400 إيطالي. وغادر 14,614 مقاتلا فلسطينيا بيروت إلى سوريا وعدة دول عربية تحت القصف الإسرائيلي، بالرغم من الحماية الدولية، بينما غادرت القيادة الفلسطينية بأمان إلى تونس!
وفي 10 آب 1982 استقبلت تونس زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات وجميع عناصره الذين كانوا في بيروت على إثر الحصار الإسرائيلي المفروض عليها وذلك بعد الدور الدبلوماسي الذي لعبته تونس عربيًا ودوليًا بعد انتقال مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس عقب اتفاقية كامب ديفيد.
هنا كانت بذرة التدخل الغربي في المنظمة وإبعاد البعض عن طوق المقاومة وحرفها الى ميدان التفاوض!
ورغم انه خلال الأعوام 1985 و1988 و1991 قامت "إسرائيل" وعملاؤها بشن غارات على مكاتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في تونس، اغتالت فيها اثنين من أكبر قيادات المنظمة وهما خليل الوزير (أبو جهاد) وصلاح خلف (أبو إياد)، إلا أن المنظمة اتخذت من تونس مقرًا لها طوال نحو عشر سنوات، قبل أن يمهد اتفاق أوسلو الذي أبرم عام 1993 الطريق أمام عودتها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.
واتفاقية أو معاهدة أوسلو هو اتفاق (سلام) وقعه الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن، في 13 سبتمبر أيلول 1993، وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرّية التي أفرزت هذا الاتفاق. وجاء الاتفاق بعد مفاوضات بدأت في العام 1991 في ما عرف بمؤتمر مدريد.
ويمكننا القول إن ايلول 1993 هو أيلول الأسود حقًا أو الأكثر سوادًا إن جاز التعبير!
2- مفصلية كامب ديفيد:
دون إغراق في تفاصيل الإتفاقية وما سبقها من إرهاصات وما تلاها من تداعيات، فإن التغير الجوهري الأبرز هو منطق التفاوض على الحقوق، من جهة، ومن جهة أخرى تقسيم الجبهة العربية، والتفاوض المنفصل بما يعني انقسام الطرف العربي في الصراع وخروج قطب وازن مثل مصر عن الثوابت الرئيسية للقضية.
كل ذلك كان مقدمات للهوان الذي لحق بالجبهة العربية والفلسطينية ومنظمة التحرير ذاتها وكان مقدمة لفصل قيادات المنظمة عن فصائل المقاومة والى تقسيم العمل الى جناح سياسي وجناح عسكري ودخول التفاوض كشكل من إشكال الحلول وكان تسويغًا للاعتراف بالكيان، وبالتالي كانت مؤتمرات مدريد واتفاقية أوسلو وما تلاها من خطوات تصفوية نتاجًا طبيعيًا لهذا الحدث المفصلي الفارق.
وقد تسببت الاتفاقية في تقويض الموقف الفلسطيني، حيث عارضها الكثير من قيادات منظمة التحرير، وبالطبع فإن معظم بنودها لم يطبق على الأرض.
3- بروز الحركة الإسلامية في فلسطين
كما تفيد التقارير، فإن نشأة حركة "الجهاد الإسلامي" كانت ثمرة حوار فكري وتدافع سياسي شهدته الحركة الإسلامية الفلسطينية أواخر السبعينيات وقادته مجموعة من الشباب الفلسطيني أثناء وجودهم للدارسة الجامعية في مصر، وكان على رأسهم مؤسس الحركة فتحي الشقاقي. نتيجة للحالة التي كانت تعيشها الحركة الإسلامية في ذلك الوقت من إهمال للقضية الفلسطينية كقضية مركزية للعالم الإسلامي والحالة التي عاشتها الحركة الوطنية من إهمال الجانب الإسلامي لقضية فلسطين وعزلها عنه، وتقدمت حركة "الجهاد الإسلامي" كفكرة وكمشروع في ذهن مؤسسها حلاً لهذا الإشكال.
وفي أوائل الثمانينيات وبعد عودة الدكتور الشقاقي وعدد آخر من السياسيين إلى فلسطين تم بناء القاعدة التنظيمية لحركة "الجهاد" وبدأ التنظيم خوض غمار التعبئة الشعبية والسياسية في الشارع الفلسطيني بجانب الجهاد المسلح ضد "إسرائيل"، كحل وحيد لتحرير فلسطين.
كما تأسست حركة "حماس" في ديسمبر 1987، حيث اجتمع سبعة من كوادر وكبار قادة جماعة الإخوان المسلمين العاملين في الساحة الفلسطينية، وكان هذا الاجتماع إيذانًا بانطلاق حركة "حماس" وبداية الشرارة الأولى للعمل الجماهيري ضد الاحتلال الذي أخذ مراحل متطورة.
وأصدرت "حماس" بيانها الأول عام 1987 إبان الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في الفترة من 1987 وحتى 1994.
وأدى بروز "التيار الاسلامي" الى بروز مقابل لنوع جديد من الاستهداف، وهو خلق تناقض بين الفصائل المقاومة عبر توصيف القضية وصراع مفتعل حول هوية فلسطين والقدس بين ما هو عربي وما هو اسلامي، وذلك تزامنًا مع الثورة الإسلامية في ايران ودخول الجمهورية الاسلامية كطرف في الصراع مع الصهاينة بعد أن كانت ايران الشاه حليفة للكيان.
وإلى اليوم تثار الفتن الدينية والمذهبية لشق الصفوف وخلق التناقضات وبذر الشقاقات.
وفي الجزء القادم من المقال يمكن تناول باقي المحطات وصولًا الى "صفقة القرن" المزعومة، واقتراح المخرج من هذا الركن التصفوي المفروض على القضية والمستهدف لإرادة الأمة.
القضية الفلسطينية والطعنات المفصلية 1/3
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024