آراء وتحليلات
الحوار الفلسطيني في موسكو.. دوران في حلقة مُفرغة!
هيثم أبو الغزلان
مرة أخرى يحطّ الحوار بين الفصائل الفلسطينية رحاله في موسكو. أحد المحللين السياسيين اعتبره "حوارًا إستراتيجيًا"، فيما الوقائع تشير إلى نتائج عادية، وربما لا تماثل وأقل من نتائج حوارات عديدة جرت في (القاهرة، والدوحة، ومكة، وصنعاء)، سيما أن ملف المصالحة قد غاب عن طاولة البحث إلا في حدود التأكيد على "المشتركات". وهذا لا يقلل من قيمة الحوار أو الجهة الداعية له أو المتحاورين.
اللافت أن وفد حركة "الجهاد الإسلامي" في فلسطين قد رفض التوقيع على البيان الصادر في ختام جلسات الحوار في موسكو، وأكد وفدها مع وفود الفصائل على "ضرورة متابعة لقاءات المصالحة في القاهرة واحترام التفاهمات السابقة التي تم توقيعها".
عبّر وفد "الجهاد" في موسكو عن الموقف الطبيعي التي تتبناه الحركة في رفضها التوقيع على الاعلان، لاعتبارين اثنين وعلّل رئيس وفد الجهاد د. محمد الهندي، وعضو الوفد إحسان عطايا ذلك لتضمُّن البيان بندًا يتعلّق بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، والثاني باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد دون ربط ذلك بإعادة بنائها وتطويرها وفق اتفاق القاهرة 2005.
يُلاحظ أن الجهاد رفضت التوقيع على البيان، ولم تتحفّظ كما فعلت مع وثيقة الأسرى (أيار 2006)، فكانت أكثر وضوحًا في إشاراتها وممارساتها وتصريحات قادتها على رفض الاستمرار في لعبة إدارة الأزمة الحاصلة، والتي تقود إلى المزيد من الحوارات والدوران في الحلقة المفرغة فيما الإجراءات العقابية تطال الأسرى والجرحى وذوي الشهداء، وفي الوقت عينه تمضي إسرائيل في مشاريعها التهويدية بهدف السيطرة على أكبر مساحة من الأرض ومنع قيام دولة فلسطينية مترابطة.. وما يحصل من تحركات يشير إلى سياسة ممنهجة تسعى من خلالها دولة الاحتلال والإدارة الأمريكية إلى تجاوز السلطة ذاتها، والتي لا يزال قادتها يؤمنون أنه لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات، وذلك باتجاه صفقة "سلام إقليمي"، وليترافق ذلك مع إقرار قانون القومية اليهودي، وتعزيز تهويد القدس، وتكثيف الاستيطان في الضفة المحتلة، وبالتوازي مع التحركات الإسرائيلية باتجاه دول عربية وإفريقية في حملة تطبيع لعلاقتها مع تلك الدول، وتعزيز التحالف ضد إيران، والذي يتمظهر من خلال "حشد دولي" في مؤتمر "وارسو" هدفه تعزيز التحالف ضد إيران، وبروز الإشارات إلى الإصرار على تجاوز السلطة من خلال تطبيق ما بات يطلق عليه "صفقة القرن" التي بدأت بشائرها باعتراف أمريكي بالقدس عاصمة للكيان الاسرائيلي موحدة وتحت سيادتها، والسعي إلى تصفية قضية اللاجئين عبر وقف التمويل الأمريكي لوكالة الأونروا، والعمل على تخفيض أعداد اللاجئين لتصفية حق العودة، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ووقف المساعدات الأمريكية للسلطة.. وهذا يضع الشعب الفلسطيني بكل مكوناته أمام تحديات كبرى من المفترض العمل على مواجهتها موحدين، بينما في واقع الأمر أن الأطراف الفلسطينية منشغلة بملفات المصالحة والحصار وتداعيات ذلك الخطيرة على مجمل القضية الفلسطينية حاضرًا ومستقبلا، ناهيك عن التداعيات والتأثيرات السلبية التي تطال المواطن الفلسطيني في كل جوانب حياته.
رغم الدور المهم والتأثير الكبير للجهة الداعية لحوار موسكو، وتأثير هذا الدور على المسرح الدولي، وعلى الساحة الفلسطينية، إلا أنه كان من المتوقع ضمن قراءة المشهد الفلسطيني وتأثّراته وتداعيات الأزمات القائمة، أن تكون حظوظ النجاح لهذا الحوار غير مرتفعة، وتبقى في إطار المحاولات المعروفة النتائج مسبقًا، لأن إرادة إنهاء الانقسام وتوحيد الساحة الفلسطينية تتمثل بالاتفاق على المشروع الوطني الفلسطيني، وبرنامج العمل، ولكن ما يحصل على أرض الواقع هو إدارة للأزمة ودوران في الحلقة المفرغة!
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024