آراء وتحليلات
تجريم ترامب.. النهاية الأسوأ
بغداد - عادل الجبوري
إصدار القضاء العراقي مذكرة القاء قبض بحق الرئيس الأميركي دونالد ترامب - وإن كان متأخرًا - لجريمته المتمثلة باغتيال قائدي النصر، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الشهيد الحاج ابو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس الشهيد اللواء قاسم سليماني، كان خطوة في الاتجاه الصحيح من أجل العمل على عدم التفريط بدماء وأرواح الناس الشرفاء المضحين، وعدم التفريط بالسيادة الوطنية والسعي الجاد لاستعادتها بصورة حقيقية كاملة من خلال طرد المحتل وانهاء كل مظاهر التواجد الأجنبي المرفوض في البلاد.
هذا كان مضمون مجمل ردود الأفعال العراقية على الصعيدين الشعبي والسياسي بعدما أصدر القاضي في محكمة تحقيق الكرادة حيدر عبد الكريم ناصر في السابع من الشهر الجاري مذكرة قبض بحق ترامب، فقد وصف ساسة وأصحاب رأي ومواطنون عاديون، قرار القضاء العراقي، بأنه "يمثل انتصارًا لارادة الجماهير المليونية التي تظاهرت في بغداد يوم الثالث من كانون الثاني، وطالبت بتجريم ادارة ترامب ومحاسبة القتلة، بجانب تنفيذ قرار السلطة التشريعية بإنهاء تواجد القوات الاجنبية".
وبالفعل، يمثل تحريك ملف جريمة مطار بغداد الدولي مطلبًا جماهيريًا، واستحقاقًا وطنيًا، ينبغي أن تضطلع به مختلف الجهات، بدءا من القضاء، مرورًا بالمفاصل الحكومية المعنية، ووسائل الاعلام والنخب المجتمعية المختلفة والرأي العام، ولا شك أن خطوة اصدار مذكرة القاء قبض بحق ترامب، تمثل بداية الطريق، فلا بد أن تتبعها خطوات أخرى، حتى يتم تفعيلها عمليًا وعدم حصرها بالبعد الاعلامي والسياسي الداخلي، وذلك من خلال العمل على اشراك الشرطة الدولية (الانتربول) في ذلك، مضافًا اليها منظمة الأمم المتحدة ومفصلها التنفيذي المتمثل بمجلس الأمن الدولي، الى جانب منظمة العدل الدولية والمنظمات الدولية المتخصصة بالقضايا القانونية والحقوقية. فضلًا عن ذلك، فإن التنسيق والتعاون والتواصل مع الجانب الايراني باعتباره معنيًا بالجريمة، يفترض أن يحظى بالاهتمام المطلوب، لأنه يمكن أن يفضي الى جمع وترتيب الأدلة والوثائق والمستندات الجرمية.
ولا شك أن تجريم ترامب باغتيال القادة الشهداء، هو نزر يسير من سلسلة جرائم كثيرة وكبيرة اقترفتها ادارته في العراق وسوريا واليمن ولبنان وايران وغيرها من الدول، لم تقتصر على العدوان العسكري، وانما امتدت الى محاصرة وتجويع الشعوب، وهذه تستحق انزال أقصى وأقسى العقوبات بحقه.
قد ينظر الى اصدار مذكرة قبض من قبل احدى المحاكم العراقية، بحق رئيس الولايات المتحدة الاميركية على أنها خطوة رمزية من الصعب -ان لم يكن من المستحيل_ تفعيلها عمليا وهي لا تتعدى في تأثيرها البعد الاعلامي والسياسي.
ربما كان ذلك صحيحا، بيد أنه من الخطأ التقليل من أهمية هذه الخطوة ودلالاتها المعنوية والنفسية والسياسية، خصوصًا انها جاءت في وقت يعيش الرئيس ترامب فيه أسوأ وأصعب أيامه، فهو من جانب مني بخسارة كبيرة في سباق الرئاسة أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، والأنكى من ذلك، لم يكن مستعدًا لتقبل الهزيمة وبقي مصرّا على أنه هو الفائز، وأن عمليات التزوير هي التي قلبت النتائج لصالح خصمه، ليس هذا فحسب، بل إنه حرض المجاميع الفوضوية المتطرفة المدعومة منه والداعمة له الى اقتحام مبنى الكونجرس لافشال جلسة المصادقة على تنصيب بايدن رئيسًا للولايات المتحدة الاميركية.
لكن، لو لم تكن مذكرة القبض مؤثرة وتنطوي على أبعاد ودلالات مهمة، لما أثارت ردود أفعال غاضبة ومستاءة لدى بعض الأوساط القريبة من ترامب، فضلًا عن وسائل الاعلام، أو تلك التي رأت فيها أنها موجهة ضد الولايات المتحدة أكثر مما هي موجهة ضد ترامب كشخص.
ويدرك ترامب جيدًا، أن خسارته في الانتخابات لا تعني فقط مغادرته للبيت الابيض، وانما سوف تدخله في متاهة الدعاوى القضائية الكثيرة، وربما تلقي به خلف القضبان، في حال قرر الديمقراطيون ومعهم الجمهوريون الناقمون على ترامب والمستاؤون والمتضررون من سياساته فتح كل الملفات، لا سيما ملف اقتحام مبنى الكابيتول وتعريض أمن واستقرار الولايات المتحدة للخطر، وإحداث انقسامات سياسية ومجتمعية حادة راحت آثارها وتداعياتها تبرز وتتبلور بوضوح يومًا بعد آخر عبر المنابر السياسية والشارع الاميركي، ناهيك عن أن ترامب يواجه في الأيام الأخيرة من ولايته الرئاسية خطر عزله وفق التعديل الخامس والعشرين من الدستور الاميركي، وهذا لو تحقق، فسيعني أسوأ نهاية لاسوأ رئيس في تاريخ القوة العالمية الاكبر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024