آراء وتحليلات
حصاد 2020 في العراق.. تحديات السيادة والصحة والمال والاقتصاد
بغداد:عادل الجبوري
اغتيال القادة
لعل ما يلفت الانتباه في المشهد العراقي العام، هو أن بداية عام 2020 كانت امتدادًا مباشرًا لآخر صفحة في سجل عام 2019، حيث إن عملية اغتيال كل من نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الحاج ابو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني بواسطة طائرة اميركية قرب مطار بغداد الدولي، فجر الثالث من كانون الثاني-يناير 2020، جاءت وكأنها استكمال لعمليات قصف طالت مقرات للحشد الشعبي في قضاء القائم على الحدود العراقية - السورية في التاسع والعشرين من شهر كانون الاول - ديسمبر 2019، وما بينهما كان مشهد الغضب الجماهيري أمام السفارة الأميركية داخل المنطقة الخضراء مرتبكًا ومضطربًا ومقلقًا الى حد كبير.
لم تكن عملية اغتيال المهندس وسليماني حدثًا عاديًا عابرًا، بل إنها مثلت تحولا كبيرا وانتقالة خطيرة في طبيعة المواجهة بين الولايات المتحدة الأميركية من جانب وعموم محور المقاومة من جانب آخر، وبالتالي فإنه من الطبيعي جدًا أن تتواصل وتتسع تفاعلات وتداعيات ذلك الحدث لتشكل جزءًا من صورة المشهد السياسي والامني لعام 2020.
فاستهداف الحشد وقادته من قبل الولايات المتحدة الأميركية مثّل انتهاكًا سافرًا للسيادة الوطنية وخرقًا فاضحًا لكل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية. وقد قوبلت جريمة اغتيال المهندس وسليماني بردود فعل داخلية وخارجية غاضبة ومستنكرة، فضلًا عن جملة من الخطوات والاجراءات العملية. ففي الخامس من شهر كانون الثاني-يناير، أي بعد يومين من الاغتيال، صوت مجلس النواب العراقي بالاجماع على قرار يلزم الحكومة بالعمل على انهاء التواجد الأجنبي بأسرع وقت، وفي الرابع عشر منه صرح متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، "ان الحكومة لن تتراجع عن قرار البرلمان القاضي بإخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية"، وفي الرابع والعشرين من ذات الشهر شهدت العاصمة بغداد تدفق حشود مليونية غفيرة من مختلف المحافظات تحت شعار "جمعة طرد المحتل" للتعبير عن رفض التواجد الاميركي في البلاد، وعكست تلك الحشود موقفًا وتوجهًا واحدًا على الصعيد السياسي والجماهيري والنخبوي، قلما يتحقق في ظل ساحة حافلة بالكثير من الحسابات والمصالح الخاصة والاختلافات والتقاطعات الحادة.
كورونا.. الزائر الثقيل!
واذا كانت عملية اغتيال المهندس وسليماني، وقبلها استهداف الحشد الشعبي، قد بلورت وفرضت حقائق ومعطيات سياسية جديدة خلال عام 2020، فإن جائحة كورونا التي اطلت برأسها على العالم اواخر عام 2019، وصلت الى العراق بعد حوالي ثلاثة شهور، بعد ان كانت قد ضربت العديد من الدول واوقعت فيها الاف الاصابات والوفيات، وقد تأكدت اول اصابة في العراق في الرابع والعشرين من شهر شباط-فبراير، بمدينة النجف الاشرف، ليتصاعد بعد ذلك الخط البياني لاعداد الاصابات والوفيات في مختلف محافظات ومدن البلاد، لا سيما العاصمة بغداد.
وقد حرصت الجهات الحكومية على اتخاذ حزمة من الاجراءات الوقائية، من قبيل انشاء وفتح مستشفيات ومراكز صحية جديدة مخصصة لعلاج مرضى كورونا، فضلا عن تهيئة العديد من المستشفيات الموجودة لاستقبال المصابين، هذا الى جانب فرض حظر التجوال الكلي في بعض الاحيان، والجزئي في احيان اخرى، واغلاق الاماكن العامة، وتقليص الدوام الرسمي في المؤسسات والدوائر الحكومية، وفرض آليات التباعد الاجتماعي، وارتداء وسائل الوقاية الضرورية كالكمامات والقفازات، والتثقيف على استخدام مختلف مواد التعقيم والتعفير في مختلف الاماكن العامة والخاصة.
وبسبب عدم التزام وتقيد المواطنين بالتعليمات والاجراءات الصحية الوقائية ولأسباب أخرى غير معروفة، ارتفعت معدلات الاصابة بفيروس كورونا حتى قاربت خمسة آلاف اصابة، وأكثر من مائة حالة وفاة يوميًا، علما ان تلك الزيادات حصلت في ظل تطبيق اجراءات الحظر الجزئي وارتفاع درجات الحرارة، بيد انه بعد فترة من الزمن عاد الخط البياني للاصابات والوفيات ليتجه نحو الاسفل، بحيث ان الاسابيع او الايام الاخيرة من عام 2020 سجلت ادنى عدد من الاصابات والوفيات في مقابل تزايد معدلات الشفاء بشكل ملحوظ، اذ انه في اليوم الاخير من العام المنصرم، بلغت الوفيات خمسة فقط، والاصابات 849 اصابة، فيما وصل عدد حالات الشفاء الى 1493، علما ان العدد الكلي للاصابات منذ ظهور اول اصابة حتى نهاية العام بلغ (595291)، والوفيات (12813)، بينما وصل معدل حالات الشفاء الى اكثر من 90%.
ولا شك انه الى جانب التداعيات الصحية الكبيرة لجائحة كورونا، فقد كانت لها تداعيات اقتصادية ثقيلة على الواقع الحياتي لمختلف فئات وشرائح المجتمع العراقي، ناهيك عن كونها تسببت بفقدان عدد لا يستهان به من الشخصيات الثقافية والفنية والرياضية والسياسية والدينية البارزة، وبعضهم اعضاء في مجلس النواب ومسؤولون حكوميون كبار ورياضيون مشهورون، واساتذة جامعيون وفنانون وادباء وشعراء كانت لهم بصمات واضحة في مختلف المجالات والميادين.
عقدة التشكيل الحكومي
سياسيًا، شكل اختيار رئيس وزراء جديد خلفا لرئيس الوزراء المستقيل في اواخر شهر تشرين الثاني-نوفمبر 2019 عادل عبد المهدي على وقع الحركة الاصلاحية الاحتجاجية، هاجسا مقلقا للجميع، لا سيما مع تباين الرؤى والمواقف والاتجاهات، واستمرار ضغط الشارع، فبعد فشل المكلف الاول بتشكيل الحكومة الجديدة الوزير السابق محمد توفيق علاوي في نيل ثقة البرلمان، وانسحاب واعتذار المكلف الثاني، محافظ النجف السابق عدنان الزرفي عن مهمة التكليف، انتهى الامر الى رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، الذي كلف في التاسع من شهر نيسان-ابريل بتشكيل الحكومة وسط دعم وتأييد من قبل اغلب القوى والكيانات السياسية، ليكمل المهمة وتنال تشكيلته الحكومية ثقة البرلمان في السابع من شهر ايار-مايو من العام الماضي.
ورغم ان تولي الكاظمي رئاسة الوزراء، ساهم بادئ الامر في تخفيف حدة التوترات والاضطرابات في الشارع العراقي، باعتبار ان توليه للمنصب التنفيذي الاول جاء كأحد مخرجات التظاهرات، الا ان واقع الحال لم يتبدل كثيرا، وظلت الوعود في الاعم الاغلب حبرا على ورق، لاسباب ذاتية وموضوعية، ربما كان من بينها او ابرزها الازمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على العراق نتيجة جائحة كورونا وتراجع اسعار النفط، اضف الى ذلك، أن المهام الاساسية المفترضة على عاتق الحكومة، والمتمثلة بإجراء الانتخابات المبكرة، واستعادة السيادة الوطنية، وتهدئة الشارع عبر تلبية مطاليبه الاساسية، لم تتحقق بالمستوى المطلوب، وهو ما افقد الثقة بها نسبيا، وجعلها في مرمى الانتقادات الحادة واللاذعة من جهات سياسية وشعبية مختلفة.
أزمات اقتصادية خانقة
وبينما كان المشهد العراقي العام يحفل بأزمات ومشاكل وتحديات سياسية وأمنية وصحية، فإن الأزمة أو الأزمات الاقتصادية جاءت لتشكل الرابط بين الأزمات والتحديات الأخرى، سواء من حيث الأسباب والمسببات، أو من حيث النتائج والمعطيات.
فجائحة كورونا، خلقت فوضى عارمة واضطرابًا كبيرًا في المشهد الاقتصادي العالمي، وعرضت أسواق النفط لهزات عنيفة أدت الى انخفاض حاد في اسعاره، ارتباطا بتراجع الطلب عليه جراء الشلل شبه التام الذي سببته جائحة كورونا بشتى مفاصل حركة التجارة والمال والاستثمار.
ولا شك أن بلدًا مثل العراق يعتمد بنسبة 95% على العائدات النفطية، لا بد أن يتأثر كثيرًا، وهذا ما حصل، فبعد تضرر أغلب نشاطات القطاع الخاص، امتد الضرر الى موظفي الدولة، حينما راحت رواتبهم الشهرية تتأخر لعدم توفر السيولة المالية الكافية لدى الدولة، وفيما بعد فإن الحكومة، ومن ضمن اجراءاتها وخطواتها العملية لمواجهة الازمة الاقتصادية، أقدمت على الاقتراض الداخلي والخارجي، ومن ثم قامت، لأجل تقليل نسبة العجز في موازنة عام 2021، بخفض قيمة العملة المحلية (الدينار) أمام الدولار الاميركي، وهو ما اعتبره بعض الخبراء والمتخصصين في الشؤون المالية والاقتصادية تخبطًا حكوميًا في ادارة وتسيير شؤون البلاد، سوف يفضي الى المزيد من المشاكل والازمات الاقتصادية والمجتمعية.
واذا كانت الأزمة الاقتصادية نتيجة لجائحة كورونا، فإنها ينبغي أن لا تكون سببًا في حصول هزات وتصدعات عنيفة في كيان الدولة والمجتمع، الذي هو بالأصل يعاني من الهشاشة والضعف، وهذا ما يقوله ويؤكده الخبراء والمختصون، لأن غياب الحلول والمعالجات الواقعية للازمات الاقتصادية لا بد أن ينعكس سريعًا على مجمل المساحات والميادين الأخرى، وبالتالي يضع الجميع أمام خيارات سيئة وخطيرة.
والخيارات السيئة والخطيرة التي باتت حديث الشارع وكواليس السياسة وأروقة الفكر والثقافة، من الطبيعي أن تلقي بظلالها الثقيلة على مشهد العام الجديد، لتصوغه وفق لغة الحقائق والأرقام المتبلورة والشاخصة على أرض الواقع.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024