معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

23/12/2020

"إسرائيل" الى انتخابات رابعة: انشقاقات أحزاب جديدة وفوضى

سركيس ابوزيد

أسقط الكنيست الاسرائيلي مشروع قانون لتأجيل تمرير الميزانية العامة حتى الخامس من الشهر المقبل، ما يعني حل الكنيست نفسه والتوجه إلى انتخابات جديدة. ورفضت الهيئة العامة للكنيست، بأغلبية (49 مقابل 47) مشروع القانون الذي يفترض أنه اتفق عليه حزبا "الليكود" و"كاحول الفان" قبل أن يتفجر خلاف كبير بينهما في اللحظات الأخيرة.

وبعد جلسة عاصفة وطويلة، ألقى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، زعيم حزب "الليكود"، اللوم على شريكه في الحكومة وزير الجيش بيني غانتس زعيم حزب "كاحول الفان"، قائلا إنه قد تراجع عن اتفاق كان من شأنه تجنيب "إسرائيل" الانتخابات. واتهم حزب "الليكود" في بيان غانتس، برفع سقف مطالبه بعد ساعات فقط من تمرير مشروع قانون لتأجيل الميزانية في قراءة أولى في لجنة الكنيست. وأضاف "الليكود" إنه بسبب اقتتال داخلي في "كاحول الفان" تراجع غانتس عن كل الاتفاقات التي تم التوصل إليها في المفاوضات، ومن المؤسف أن غانتس قرر جر "البلد" إلى انتخابات غير ضرورية في ذروة أزمة "كورونا"".

وبانتظار حل الكنيست رسميًا، ستتحول الحكومة الحالية إلى حكومة انتقالية تدير عملية الانتخابات العامة التي يتوجب أن تجرى بعد 90 يومًا من الآن حسب القانون. وقالت محللة الشؤون الحزبية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سيما كدمون إنه بعيدًا عن علاقة التصويت في الكنيست، فإن أمرين تفككا، هما: "الهيئة المتخاصمة والفوضوية المسماة حكومة "إسرائيل"، والحزب المتخاصم الذي تسوده الفوضى والمسمى "كاحول الفان"".

هل يستقر المشهد السياسي الداخلي في "إسرائيل" على حاله طويلا، أم ينتقل من أزمة الى أخرى، آخرها حل الكنيست والتوجه الى انتخابات رابعة خلال عامين فقط؟ كل ذلك وسط انشقاق داخل حزب "الليكود"، انسحب أيضًا على حزب "أزرق أبيض". والانتخابات، إن جرت، ستؤدي، بحسب ما هو متوقع، الى تراجع قوة نتنياهو وخروج منافسه في العامين الماضيين بيني غانتس وحزبه من الحلبة السياسية، مع صعود وافد يميني جديد ترجح الاستطلاعات حيازته مكانة مهمة ووازنة في الكنيست المقبل، وهو حزب جدعون ساعر "الليكودي" المنشق أخيرا عن حزبه.

ففي خطوة قد تفتح الباب على تغيّرات في المشهد السياسي في "إسرائيل"، أعلن الوزير السابق وعضو الكنيست جدعون ساعر انشقاقه عن حزبه وتوجهه الى تشكيل حزب جديد، ينافس على رئاسة الحكومة المقبلة. إعلان يرسم علامات استفهام حول ما إذا كانت هناك خطوات انشقاق مماثلة ستشهدها الاحزاب الاسرائيلية قبيل الانتخابات المبكرة الرابعة، من شأنها إطاحة نتنياهو.

وفاجأ القطب "الليكودي" الحلبة السياسية بما أقدم عليه، وإن كان خلافه الشخصي مع رئيس حزبه السابق، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، جزءا لا يتجزأ من حضوره وحراكه السياسي ومواقفه المتقادمة داخل "الليكود"، كشخصية معارضة لنتنياهو، خاضت غمار منافسته عام 2019 على رئاسة "الليكود"، إلا أنها تلقّت هزيمة كبيرة جدا في الانتخابات الداخلية للحزب، والتي كرست نتنياهو زعيما له. تلافيا لذلك السيناريو، قرر ساعر هذه المرة شق طريقه بنفسه عبر تشكيل حزب جديد، وهو ما تسرب أنه موضع اهتمام ودراسة لديه منذ أشهر. وأعطى أول استطلاع للرأي، الحزب الجديد الذي لم يُعلَن اسمه بعد، 12 مقعدا في الانتخابات المقبلة. وهي نتيجة مرشحة الى أن تتضاعف في حال انضمام عدد آخر من أقطاب "الليكود" إلى ساعر، أو تحقق سيناريوهات أخرى متداولة، من بينها انضمام رئيس أركان الجيش الاسرائيلي السابق غادي آيزنكوت إلى الحزب الوليد.

بعد أن نُشرت نتائج 3 استطلاعات رأي جديدة مشجعة، تُبيّن أنه قادر على التحول إلى المنافس الحقيقي، فتوجه جدعون ساعر، المنشق عن حزب "الليكود" الحاكم، إلى زعيم اتحاد أحزاب اليمين المتطرف "يمينا" نفتالي بنيت، وزعيم حزب اليهود الروس اليميني "يسرائيل بتينو"، أفيغدور ليبرمان، للتحالف معهما في المعركة لاسقاط بنيامين نتنياهو وحكومته. وقال مقربون من ساعر إن هدفه واضح ولن يحيد عنه، وهو إسقاط نتنياهو بأي ثمن، لانه بات يهدد مكانة "إسرائيل" كدولة ذات أسس ديمقراطية وقيم أخلاقية. وأكدوا أن الاستطلاعات تمنح ساعر أساسا متينا لقيادة التغيير وتجعله الحزب الاكبر بعد "الليكود". وهو ينوي تشكيل تحالف مسبق مع القوائم الانتخابية في اليمين والوسط، المؤلفة
من قوى صادقة في رفض نتنياهو ومستعدة للالتزام القاطع بعدم دخول ائتلاف معه بأي حال. ومع أن "يمينا" يرفض إعطاء تعهّد كهذا، ويعتبر نفسه المنافس الاول مع نتنياهو، فإن ساعر ينوي التوجه إليه.

بيني غانتس انتهى، واستطلاعات الرأي تشير الى أنه سيتراجع كثيرًا، ولن يفوز بأكثر من خمسة مقاعد بعدما حصد 33 مقعدا (الى جانب آخرين) في الانتخابات الأخيرة، وربما أيضًا، وهو المرجّح، أن لا يصل الى العتبة الانتخابية المطلوبة، ويسقط من الحلبة السياسية.

وعلى مقلب نتنياهو، لا تبدو الأمور أفضل. فبعدما كان غريمه زعيم حزب "يمينا"، وزير الامن السابق نفتالي بينيت، الذي أعطته استطلاعات الرأي مكانة الحزب الثاني من حيث عدد المقاعد في الكنيست المقبل، يمثل عنصر إقلاق له في حال أراد تأليف الحكومة بعد الانتخابات المبكرة، فإنه اليوم يعاني أيضا من إزعاج آخر، وربما تهديد يتعلق بانشقاق "الليكودي" جدعون ساعر عن حزبه، وتوجهه الى تشكيل حزب جديد يخوض الانتخابات، ويأمل أن ينافس على رئاسة الحكومة. أما "الليكود" فالمتوقع أن يفوز بـ25 مقعدا، بعدما كانت حصته 36 في الانتخابات الماضية.

في المحصلة، يظهر الخطر شديدا على نتنياهو، إذ وفقا للتوقعات، سيتراجع معسكر الوسط واليسار مع خليط أحزاب فلسطينيي الـ"48 " الى حد لا يمكن معه تأليف الحكومة، فيما ينقسم اليمين على نفسه بين معسكرين: نتنياهو ومؤيدوه من جهة، وساعر ومؤيدوه من جهة أخرى، وكل منهما غير قادر على تأليف الحكومة (58 مقعدا لنتنياهو و59 مقعدا لساعر)، ما يعيد الامور الى ما كانت عليه في الانتخابات السابقة، وإن تبّدلت الشخصيات المنافسة وباتت محصورة ضمن اليمين الاسرائيلي على اختلاف مسمياته.

هكذا يبدو مستقبل ما بعد الانتخابات مفتوحًا على احتملات كثيرة، فيما المؤكد منها أن التوجه الى الانتخابات يهدد نتنياهو، ومن شأنه إنهاء الحياة السياسية لغانتس وحزبه.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات