آراء وتحليلات
"قدس 2" يقلب المعادلات في الخليج
شارل ابي نادر
ليس جديدًا ما قامت به القوة الصاروخية اليمنية من استهداف لمحطة توزيع لشركة "ارامكو" في جدة صباح اليوم، فمسار الاستهداف اليمني لمواقع ومنشآت سعودية متواصل، بالصواريخ الباليستية أو بالطيران المسير، وهذا المسار قائم وثابت طالما العدوان على اليمن مفتوح، وطالما تقود السعودية هذا العدوان، وحيث حتى الآن لا تسهل المملكة أي حل سياسي، ولا تعطي المجال لأية تسوية، فإن معادلة الردع الاستراتيجي التي تفرضها وحدات الجيش واللجان الشعبية وانصار الله باقية وثابتة وتتطور يوما بعد يوم.
الجديد في هذا الاستهداف اليوم، والذي نفذ بصاروخ مجنح قدس 2، أنه يتزامن مع حركة ميدانية لافتة في الداخل اليمني، تمثلت بسيطرة وحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية وانصار الله مؤخرا، على معسكر ماس الاستراتيجي، المتاخم لمدينة مارب في الوسط الشرقي لليمن. وفي ما يشكل هذا التزامن في المناورتين (الميدانية داخل اليمن والصاروخية في عمق المملكة السعودية) بعدًا متقدمًا في مواجهة تحالف العدوان، كيف يمكن فهم ابعاد هاتين المناورتين؟ وماذا تقدمان لمعركة الدفاع عن اليمن؟
المناورة الصاروخية
أولًا: حصل الاستهداف بصاروخ "قدس 2" المجنح، وبحسب المعطيات الأولية التي ذكرتها المصادر اليمنية المعنية، هو صاروخ جديد، تمت تجربته أكثر من مرة داخل العمق السعودي، ونجاح هذه التجربة واضح من الاستهداف الفعال للمنشآت النفطية في جدة، حيث تجمع المعطيات على حصول خسائر ضخمة نتيجة سقوطه في وسط الهدف المحدد.
هذه الفعالية للصاروخ "قدس 2"، والمتعلقة أساسًا بمميزات الصورايخ المجنحة، تتمثل بانطلاقه على ارتفاعات منخفضة، وبقدرة ذاتية على التأقلم مع تغييرات حركة الأرض، اضافة لميزة القدرة على تجاوز منظومات الدفاع الجوي المعادية، والتي اجمالًا تكون أكثر فعالية ضد الأهداف الطائرة المتحركة على ارتفاعات عالية وليس منخفضة. الأمر الذي يمكن استنتاجه، هو أن الصاروخ "قدس 2" قد تجاوز عدة طبقات من منظومات الدفاع الجوي، من المفترض أن تكون مستنفرة، بسبب حساسية وأهمية وحيوية جميع المنشآت السعودية على البحر الأحمر، وأيضًا كون المعركة الاستراتيجية اليمنية بالصورايخ وبالطيران المسير مفتوحة ولم تتوقف.
ثانيًا: نتكلم عن استهداف منشأة حيوية نفطية لشركة "ارامكو" في جدة، وعلى بعد يفوق الـ850 كلم تقريبًا عن اليمن، حيث يبقى تحديد المسافة بدقة، مرتبطًا بمكان تركيز قاعدة الاطلاق داخل الأراضي اليمنية، الأمر الذي يضع قسمًا كبيرًا وواسعًا من الساحل الغربي للمملكة على البحر الأحمر تحت مرمى الصورايخ اليمنية، الباليستية التقليدية أو الباليستية المجنحة، مما يعني أن المنشآت الحيوية السعودية، النفطية وغيرالنفطية، والتي هي إجمالًا بأغلبها تتركز على البحر الأحمر، معرضة للاستهداف، وبالتالي مهددة بالتوقف عن العمل على الأقل، اذا لم نتكلم عن الخسائر في الأرواح وفي المنشآت بحد ذاتها.
المناورة الميدانية داخل اليمن
من جهة أخرى، بالاضافة الى استهداف احدى منشآت "ارامكو" في جدة بصاروخ "قدس 2" المجنح، مع ما يعنيه ذلك من بعد عسكري تقني يتعلق بنوعية ومميزات وقدرة الصاروخ المذكور، أو من بعد نوعي مرتبط بتواصل مسار الاستهداف الاستراتيجي، فقد جاء التحرك الميداني الأخير للجيش واللجان الشعبية و"انصار الله" في شمال غرب مدينة مأرب، ليمثل نقطة مفصلية مهمة جدًا في تغيير مسار الحرب على اليمن، وذلك على الشكل التالي:
أولًا، يمثل معسكر ماس المُسيطر عليه، نقطة دفاعية قوية عن مدينة مأرب، وطالما كانت الوحدات المنتشرة فيه، تؤمن أغلب هذه المناورات الدفاعية عن المدينة المذكورة، وبعد سقوطه، فقدَ تحالف العدوان عنصرًا رئيسًا في المدافعة عن مارب، والتي أصبحت مهددة بالسقوط أيضًا وبنسبة كبيرة.
ثانيًا: لم يكن معسكر ماس يمثل فقط نقطة دفاعية لمدينة مارب، بل كان يشكل قاعدة تجمع كبيرة لوحدات المرتزقة والعدوان، جاهزة أو مناسبة لتنفيذ عدة عمليات هجومية، بهدف محاولة استعادة ما خسرته في الجوف ومفرق الجوف ونهم وصرواح، أو في محاولة اعادة شن حملة هجومية للتقدم نحو صنعاء، وبخسارة هذا المعسكر، خسر التحالف أية فرصة مستقبلية ممكنة للتفكير بعملية هجومية من جديد نحو الغرب باتجاه صنعاء أو محيطها.
من هنا، واذا اضفنا الى مناورة السيطرة على معسكر ما، والتي تقرِّب أكثر فأكثر امكانية السيطرة على مدينة مارب، وبالتالي تؤسس لتغيير ميداني كبير في معركة الدفاع الداخلية عن اليمن، مع المناورة الصاروخية في استهداف أرامكو في جدة على البحر الأحمر، بما تحمله من بعد نوعي، وأيضًا مع المسار المتواصل والثابت والمتطور للقدرات اليمنية النوعية، الصاروخية والمسيرة، فإننا أصبحنا نتكلم عن وصول الجيش واللجان الشعبية و"انصار الله" الى مستوى متقدم جدًا على صعيد المعركة الاستراتيجية، تخطى الموقف الدفاعي، ليكون وبكامل الامكانيات المختلفة تكتيكيًا ونوعيًا واستراتيجيًا، موقفًا هجوميًا، قادرًا على قلب المعادلات في الخليج بشكل واضح.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024