معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

بايدن والخيارات السورية
10/11/2020

بايدن والخيارات السورية

ايهاب زكي

كانت آخر خطوات جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي الى سوريا قبل تقديم استقالته، هي محاولة إفشال مؤتمر اللاجئين في دمشق، وممارسة ضغوط كبيرة لضمان الفشل. وقد نجح إلى حدٍ ما في تحقيق بعض مساعيه، حيث أعلنت أوروبا عدم مشاركتها في المؤتمر، كما ترددت أنباء عن إرسال كلٍ من لبنان والأردن لتمثيلٍ منخفض المستوى، وهذا يؤكد أنّ افتعال أزمة اللجوء قبل حتى انكشاف المظاهر العسكرية لما سمي بـ"الثورة"، هي أحد أوراق العدوان على سوريا، فيما تتحول عودتهم الآن بعد فشل العدوان إلى ورقة مساومة، وأنّ الشكائين البكائين أوروبياً وعربياً على هذه المأساة الإنسانية، ما هم إلّا أدوات أمريكية. حتى الأمم المتحدة قد أبلغت دمشق أنّها ستشارك في المؤتمر بصفة مراقب، إذاً بإمكاننا القول إنّ الاعتراف الأمريكي بالنصر السوري لا يزال بعيد المنال، وهو يشبه تعنت ترامب بالاعتراف بالهزيمة الانتخابية، ولكن الثابت أنّه كما سينتهي الحال بترامب خارج البيت الأبيض معترفاً أو غير معترف، سينتهي الحال بالمخطط الأمريكي والقوات الأمريكية خارج سوريا، اعترفوا بالهزيمة أم لم يعترفوا.

كان جيمس جيفري يحدد السياسة الأمريكية في سوريا بعدة ركائز، وهي ضمان الوجود العسكري للقوات الأمريكية، ودعم  ما تسمى "قسد" سياسياً وعسكرياً، حيث يعتبرها ذراعاً أمريكية لمواجهة "داعش"، و"داعش" هنا هي الاسم الكودي لاستمرار العدوان على سوريا، واستمرار العقوبات الأمريكية، ومنع التطبيع الأوروبي والعربي مع دمشق، ودعم تركيا في إدلب، ودعم "إسرائيل" في غاراتها على سوريا أو ما يسمونه مواقع إيرانية، وتطبيق القرار 2254، ومحاسبة "النظام" وتوفير عودة آمنة للنازحين واللاجئين. ولكن ما الذي سيطرأ أو يستجد على هذه السياسة بعد استقالة جيفري ورحيل إدارته؟ على الجانب السوري الرسمي، قد تكون سوريا هي الدولة الوحيدة على كوكب الأرض التي ظهرت بمظهر اللامبالي، وتعاملت مع الانتخابات الأمريكية باعتبارها انتخابات قبلية، لاختبار ملكٍ  لقبيلةٍ في أعمق الأدغال الأفريقية، وهذا يعني أنّ استراتيجيتها في مواجهة العدوان ثابتة، وأنّ تغيير الوجوه لا يعنيها، رغم أنّ الرئيس الأسد كان قد قال في حوارٍ سابق إنّ "ترامب أفضل رئيس أمريكي"، حيث هو وجه أمريكا الحقيقي، الوجه المنفّر والقبيح دون أيّ تجميل.

أمّا على الضفة الأمريكية فإنّ بايدن كان في إدارةٍ أسست للعدوان على سوريا، وكان في إدارةٍ قاب قوسين أو أدنى من مهاجمة سوريا عسكرياً عام 2013، ولكن جو بايدن يمتاز بأنّه يرتدي القناع التجميلي، فتبدو سياساته في مظهرٍ ناعم. يقول مثلًا "سنعود للاتفاق النووي"، لكن دون رفع العقوبات عن إيران، سنعيد الأطراف للتفاوض على حلّ الدولتين، لكن دون إعادة نقل السفارة الأمريكية إلى "تل أبيب" وستبقى في القدس، وبما أنّه يعرّف عن نفسه كصهيوني، فإنّ الركائز التي كان يعتمدها جيمس جيفري لن يطرأ عليها أيّ تغيير، خصوصاً أنّ جيمس جيفري كان قد صرّح بأنّه أبلغ الشركاء الأوروبيين أن لا تغيير في سياسات بلاده تجاه سوريا، بغض النظر عن اسم الرئيس الجديد، فلا رفع للعقوبات ولا خروج للقوات، ولا خفوت في المطالبة بمغادرة إيران الأراضي السورية، ولكن الشيء الوحيد الذي قد تطرأ عليه بعض التغييرات، هو النظرة الأمريكية للوجود التركي، حيث إنّ بايدن من داعمي الأكراد، وعلاقته بأردوغان ليست على ما يرام، خصوصاً بعد اتهامه لإدارة أوباما بالوقوف خلف الانقلاب الذي استهدفه عام 2015، وترجح بعض المصادر إعادة تعيين بريت ماغورك  بديلاً عن جيمس جيفري في إدارة بايدن، وهو من معارضي الدور التركي ومع دعم الأكراد.      

في ظل هذا الترقب كان لافتاً دعوة أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي إلى ما سمّاه "ضرورة دور عربي لإنهاء العنف في سوريا" وأضاف "الأزمة السورية بحاجة إلى مقاربة جديدة ورؤية واقعية براغماتية، ومن دون ذلك سيستمر الصراع على سوريا الشقيقة". ولا أستطيع أن أفهم جملة "رؤية واقعية براغماتية" سوى أنّها دعوة للتواصل مع الدولة السورية والقيادة السورية، فهذه الجملة تشكّل اعترافاً ضمنياً بفشل مشروع العدوان، وقرقاش لا ينطق عن هوى، خصوصاً أنّ تغريدته جاءت في وقت التيقن من فوز بايدن. فالإمارت تمتاز بعلاقةٍ جيدة مع الأكراد كما بادين، وعداء مستفحل لتركيا أردوغان، وهو كذلك يتسق مع نظرة بايدن لأردوغان، حيث ألمح لضرورة دعم المعارضة التركية لتغييره، وقد يكون هذا استباقا إماراتيا بتقديم أوراق لإدارة بايدن، حيث تعتقد بنفسها الكفاءة لتكون الإدارة الجديدة للتواصل مع دمشق، والحصول على تنازلاتٍ في الملف الكردي مثلاً، خصوصاً وأنّ قطر الأخ اللدود للإمارت بدأت بترطيب الأجواء مع دمشق، وقد يكون من المبكر التنبؤ بالطريقة التي ستسير بها الأحداث، ولكنها في النهاية ستصل إلى نقطة واحدة لا سواها، خروج القوات الأمريكية والتركية، إعادة الوحدة للجغرافيا السورية بإدارة مركزية كما كانت قبل 2011، بقاء إيران طالما ارتأت دمشق ذلك.


    

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات