آراء وتحليلات
فشل الضغوط القصوى ضد إيران يؤسِّس لخيارات تقلق "تل أبيب"
جهاد حيدر
لا نحتاج إلى الكثير من البحث والتفتيش عن مصدر قلق "تل أبيب" من مرحلة ما بعد فوز الرئيس الاميركي جو بايدن، فيما يتعلق بالملف الايراني. فالقلق كان قائمًا ايضا، حتى من الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب. والسبب في كلا الحالتين، وبالتأكيد في ظل رئاسة بايدن سيكون أكثر حدة، صمود إيران في مواجهة سياسة الضغوط القصوى والتهويل العسكري، ورفضها تقديم أي تنازلات تتصل بثوابتها الاقليمية والدفاعية، وهو ما سيضع "تل أبيب" وواشنطن، امام خيارات تنطوي على درجة عالية من الخطورة، وأخرى لا تلبي ما تطمح إليه "تل أبيب".
منبع هذا التقويم، لا يستند الى معطيات قدمها أحد قادة محور المقاومة، أو محللون يتبنون خطها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الاميركية. بل هذا ما صدر من قبل معهد ابحاث الامن القومي في "تل أبيب"، عن العام 2020، حيث أورد أن كل الرهانات الإسرائيلية على مفاعيل خروج إدارة ترامب من الاتفاق النووي، وفرض العقوبات القصوى لم تتحقق. فلا النظام الاسلامي في طهران انهار، ولا أظهر مؤشرات خضوع عبر الجلوس إلى طاولة المفاوضات وفق الشروط والاملاءات التي حددتها ادارة ترامب، ولا شنت واشنطن حربا عليه كما كانت تسعى وتطمح القيادة الاسرائيلية. بل واصلت طهران تقدمها ودعمها لحزب الله وسوريا وفصائل المقاومة في فلسطين.
ايضا، لم تخف الاستخبارات العسكرية، امان، تقويمها لفشل السياسة التي اتبعها ترامب في تحقيق الامال والطموحات الإسرائيلية، فكشف رئيس قسم الابحاث العميد درور شالوم، في مقابلة مع صحيفة يديعوت احرونوت (9/10/2020)، عن خيبة الجهات المختصة في كيان العدو من نتائج سياسة ترامب، فاعتبر بشكل صريح ومباشر، أنه "حتى الآن لم يثبت أن الخروج من الاتفاق النووي قد خدم "إسرائيل""، في اشارة إلى تقويمه لنتائج هذه السياسة فيما مضى حتى الان. أما بخصوص مستقبل الوضع مع ايران، فعبر ايضا عن تقديره أن "إيران بعيدة عن الركوع".
خلاصة التقويم الإسرائيلي لمرحلة ترامب، تؤسس لتقديرات متشائمة لافاق هذا المسار. والسبب أنهم في "تل ابيب"، يرون، كما عبر شالوم ايضا، أن الاستراتيجية الاميركية المستقبلية، هي اعتماد "اقصى الضغوط – صفقة"، وفي ضوء ذلك يبقى السؤال: "هل نهاية الصفقة سوف تحمل لنا شيئا جيدا".
مع ترامب، كانوا يخشون أن تكون نسخته الثانية مختلفة عن الاولى، خاصة بعدما لم يعد يحتاج إلى أن يفوز في ولاية اضافية، (على فرضية فوزه في الانتخابات)، وهو كغيره من الرؤساء لن يغامر في خوض حرب كبرى على ايران. وهو ما حذر منه مستشار الامن القومي السابق جون بولتون. أما بخصوص بايدن، فهو من البداية يقر بمحدودية الرهان على اخضاع ايران، ويدعو إلى اعتماد المفاوضات والعودة إلى اتفاق نووي معدل، يشمل القضايا الاقليمية. لكن ما يستند اليه، مكرها، هو تجربة فاشلة من الضغوط القصوى، التي على الرغم من نتائجها القاسية على الواقع الايراني وعلى مجمل المنطقة، إلا أن ادارة ترامب لم تتمكن من ترجمة ذلك على مستوى الانجازات السياسية، ولم تتمكن من ثني ايران عن مواصلة دعم حلفائها، بل أكثر من ذلك، فإن القفزات النوعية في القدرات الصاروخية فيما يتعلق بتطور الدقة، تحقق خلال ولاية ترامب.
يعني ما تقدم:
أن خيارات الاميركي في مواجهة ايران، وفي ظل رئيس - بعد فوز جو بايدن، - سبق أن اختبرت "تل ابيب" الرؤية التي يتبناها، (مع الرئيس باراك اوباما) لا ينتمي إلى من يراهنون على امكانية اخضاع ايران، وأن الولايات المتحدة – وليس فقط الرئيس بايدن - أبعد ما تكون عن شن حروب كبرى في الشرق الاوسط، وتحديدا بعدما خبرت تجربة احتلال العراق.
ايضا، بعدما أظهرت ايران قدرة ردع استراتيجي في ظل الرئيسين باراك اوباما وترامب، أثبتت بالدليل الملموس استعدادها للمواجهة العسكرية المباشرة مع حرصها على تجنب هذا الخيار. ولذلك لم يكن أمراً عابراً تجنب الولايات المتحدة خيار العدوان العسكري المباشر ضد ايران، الذي كان يفترض أن يحل لها كل مشاكلها ومشاكل "إسرائيل". وتظهَّرت هذه الحقيقة بشكل أوضح، بعدما اغتالت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس الفريق قاسم سليماني، الذي كانت تراهن أن يؤدي اغتياله إلى انكفاء النظام حفاظا على المكتسبات التي حققها خلال عقود، وهو ما لم يتحقق. ولذلك عزفت ادارة ترامب عن المضي في هذا المسار.
ايضا، أثبتت ايران قدرتها على الصمود الاقتصادي في ظل عقوبات غير مسبوقة وأظهرت استعدادها للمضي في خياراتها حتى لو كان الثمن مواصلة هذا المستوى من العقوبات. بل انتقلت إلى مرحلة العودة إلى ما قبل الاتفاق النووي، والذهاب إلى أبعد مدى في المسارات النووية والصاروخية الاقليمية.
يتضح مما تقدم، أن منبع القلق الإسرائيلي لا يرتبط بفوز هذا الرئيس أو ذاك، على الرغم من أهمية الاختلاف في مقاربة التحديات والخيارات التي قد ينتهجها هذا الرئيس أو ذاك، وانما يعود، كما تبين، من صمود ايران وتطورها المتواصل، وتعاظم محور المقاومة الذي فرض نفسه على واشنطن وتل ابيب بحثا عن الخيارات البديلة، في ظل ادراك عميق لمحدودية ومخاطر بعض هذه الخيارات.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024