آراء وتحليلات
عام على رئاسة قيس سعيد لتونس: الحصاد الدبلوماسي الصعب
روعة قاسم
يوم 23 أكتوبر/ تشرين الأول يوافق مرور عام على تولي الرئيس التونسي قيس سعيد الحكم وتسلمه الرئاسة في قصر قرطاج بعد فوزه الصاعق على مرشحيه القادمين من عالم الأحزاب. فقد تمكن الأستاذ الجامعي الذي قدم من رحاب كلية العلوم القانونية ومن عالم التدريس الأكاديمي من أن يفوز بنصر تاريخي سمي "بزلزال سياسي" متحصنًا بشعبية كبيرة يتمتع بها بين طلابه وكذلك مستفيدا من حالة الخنق التي تشعر بها شرائح تونسية عديدة واحباطها من الطبقة السياسية بعد مراكمة الفشل وبعد أكثر من 10 سنوات من الصعوبات والأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتواصلة.
خلال حملته الانتخابية، قدّم قيس سعيد العديد من الوعود الانتخابية وركّز على القضية الفلسطينية وكذلك دعا الى الحفاظ على ركائز الدبلوماسية التونسية التي تقوم على إقامة علاقات طيبة وحسن جوار مع الدول المجاورة والشقيقة والصديقة، فما الذي تحقق من تلك الوعود؟
خلال خطاب تنصيبه، أكد قيس سعيد انتصار تونس لكل القضايا العادلة وأولها قضية الشعب الفلسطيني، موضحًا أن هذا الموقف هو "موقف ضد الاحتلال وضدّ العنصرية"، وكان قد اعتبر في حديث خاص لموقع "العهد" الاخباري أيضًا قبيل انتخابه أن التطبيع خيانة وأن فلسطين ليست "ضيعة" حتى تباع وتشترى.
ولعل أول تحد واجه الرئيس قيس سعيد فور توليه الحكم هو قطار التطبيع الذي بدأ ينتقل من دولة خليجية الى أخرى وبسرعة كبيرة، فتطبيع الامارات وبعدها البحرين خلق أجواء مشحونة في الشارع التونسي وكان الجميع ينتظر موقف الرئيس التونسي من التطبيع. وحينما استقبل رئيس الجمهورية سفير فلسطين بتونس يوم 19 اوت/ آب 2020 أكد على موقف تونس الثابت الداعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. كما أكدت الدبلوماسية التونسية من خلال مواقف رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية أن تونس ملتزمة بالمبادرة العربية للسلام وهي تتماهى بذلك مع مواقف العديد من الدول الأخرى مثل الجزائر والكويت وغيرهما، وأنه لا يمكن اتخاذ أي قرار يتعلق بمصير الفلسطينيين دون استشارتهم والعودة اليهم. فتونس شعبًا وحكومة ورئاسة أبرزت تضامنها الكلي مع القضية الفلسطينية وأنها ستظل أولوية لدى كل التونسيين سواء من النخب السياسية والثقافية أو حتى في الشارع التونسي.
أما الملف الآخر الأكثر صعوبة الذي يواجه قيس سعيد فهو الملف الليبي والحفاظ على موقف محايد والوقوف على الحياد تجاه كل الأطراف الليبية على السواء. ولكن يبدو أن الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يوم 25 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي الى تونس قد أحرجت الرئاسة التونسية وأثارت جدلًا واسعًا حينها ورفضًا كبيرًا في الشارع التونسي خاصة أنها تمّت دون اعلام سابق وأعطت انطباعًا أن تونس قد غيرت وجهتها نحو الحلف التركي في الأزمة الليبية. وذلك قبل ان يتضح فحوى الزيارة خاصة بعد أن تدخلت تركيا عسكريًا مباشرًا في ليبيا، وبدلت من خلاله موازين القوى لصالح حكومة الوفاق بعد توقيع اتفاق أمني وعسكري بينها وبين أنقرة. ولكن موقف رئيس الجمهورية أكد رفض تونس لأن تكون بوابة أو ممرًا لأية عملية عسكرية، وأكد أيضًا على حياد تونس الإيجابي من فرقاء الصراع وأنها تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف. كما أكد خلال لقائه بنظيره التركي آنذاك أن تونس ضد أي تدخل عسكري في ليبيا وأن الحل هو الحوار والتسوية السياسية بعيدًا عن لغة القتل والتسلح وهو موقف يبدو أنه أثار حفيظة أردوغان الذي هبّ اعلامه بحملة شنيعة ضد الرئيس التونسي قامت على نشر الشائعات حينها بشأن موقف تونس الرسمي. وكذلك أكد سعيد في العديد من المناسبات سواء اللقاءات المباشرة أو الاتصالات الهاتفية مع نظرائه من رؤساء الدول العربية والأجنبية بأن مواقف تونس ثابتة تجاه الملف الليبي وأنها تسعى لإيجاد حل سياسي سلمي ليبي - ليبي دون أي تدخل أجنبي. هذا الموقف حصدت نتائجه تونس من خلال اختيارها لتكون محطة هامة من محطات الحوار السياسي بين الفرقاء الليبيين، فهي ستحتضن هذا الشهر وبداية شهر تشرين الثاني القادم حوارًا مباشرًا بين الليبيين برعاية الأمم المتحدة باعتبارها أرض لقاء ومصدر ثقة من قبل فرقاء الصراع.
و
وبقي ملف العلاقات مع سوريا وعودتها أحد أهم الملفات التي تطرح دائمًا في الشارع التونسي ولدى النخبة سواء السياسية أو المثقفة، فقد انتظر التونسيون أن يلبي رئيسهم وعده الانتخابي بإعادة العلاقات مع سوريا. ورغم أن الشارع التونسي لم يهدأ في وقفات احتجاجية متواصلة مطالبة بإعادة العلاقات وفكّ الحصار عن سوريا وإعلان التضامن معها باعتبارها صمام الأمان ضد الإرهاب والدواعش التكفيريين، الا أن العلاقات الدبلوماسية هي بحسب العديد من المتابعين ليست بالمستوى المطلوب الذي يعكس عراقة وعمق العلاقات الشعبية والتاريخية التي تربط بين الشعبين الشقيقين. لذلك فإن الحراك التونسي لم يهدأ من أجل إعادة العلاقات مع سوريا. وفي كل مناسبة يرفع النشطاء التونسيون شعارًا واحدًا ويرفعون أصواتهم للمطالبة بتنفيذ الوعد وتبادل السفراء بين دمشق وتونس في اقرب الآجال.
واليوم تبدو أمام الرئيس قيس سعيد صعوبات وتحديات ليست بالسهلة، لعل أهمها هو عدم الانخراط في لعبة المحاور الإقليمية خاصة في الملف الليبي، اذ ليس هناك من خيار أمام الدبلوماسية التونسية سوى الحفاظ على ركائزها وعلى هدوء موقفها وصلابته وحكمته رغم كل ضوضاء الحروب المتصاعدة في الجوار الليبي وفي المنطقة ككل.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024