آراء وتحليلات
سياسات حاكم مصرف لبنان: تسعيرٌ للأزمة وشحنٌ لعوامل الانفجار
علي عبادي
قبل شهرين، أطلق حاكم مصرف لبنان صفارة الإنذار بقرب الانتهاء من دعم المواد الأساسية. لا أعرف ماذا كان يتوقع شخصياً بعد هذا الإنذار، لكن الناس تهافتت لتخزين ما أمكنها من المواد الغذائية والأدوية والمحروقات، والنتيجة احتكار وفقدان للكثير من هذه المواد وارتفاع في أسعار بعضها. وبعد أسابيع من التهافت والفوضى الاستهلاكية الجنونية، مرَّر حاكم المركزي تصريحاً بارداً وغامضاً أمام وفد من اتحاد نقابات موظفي المصارف، قال فيه إن "رفع الدعم الشامل عن الضروريات (المحروقات، الطحين، الأدوية والمواد الغذائية) فيه الكثير من المغالطات، ومصرف لبنان سيستمر في القيام بواجباته على هذا الصعيد بما لا يتعارض مع القوانين". لكن ذلك لم يغير من واقع التهافت شيئاً، خاصة أن رياض سلامة لم يأخذ أي مبادرة لتهدئة المخاوف، ولم يصدر حتى بياناً لتوضيح سياسات مصرف لبنان في التعامل مع هذا الشأن الحساس. وتمرير تطمينات عبر أحد الوفود الزائرة لا يغير من واقع السلبية التي فعلت فعلها في السوق الداخلية من جراء التصريح الأول.
وقبل أيام أيضاً، أصدر الحاكم تعميماً نص على تقليص إمدادات السيولة بالليرة الى المصارف، بعد أن أشبع السوق بالكثير منها خلال الأشهر الماضية، مُحْدثاً تضخماً في معروض الليرة، ومُساهماً بطريقة او بأخرى في تشجيع لعبة المضاربة على الليرة. لا أعرف ماذا كان يتوقع من هذا التعميم المفاجئ، لكنه تسببَ بصدمة لدى الكثيرين الذين اعتادوا على السحب من مستحقاتهم في المصارف (راتب، تعويض نهاية خدمة، شيكات مستحقة، إلخ..)، لصرفها على احتياجاتهم ودفع ما عليهم من متوجبات. أيضاً، لم يتخذ سلامة أي مبادرة لتوضيح مرامي هذا التعميم وتأثيراته على الواقع الحياتي والتجاري الداخلي، تاركاً لجمعية المصارف أن تنقل عنه موقفاً لا يغني ولا يسمن من جوع. والأسوأ من ذلك هو تبرير منع الناس من الحصول على مستحقاتهم بالليرة بالقول انه يمكنهم استخدام البطاقات المصرفية والشيكات، من غير ملاحظة ان هذه البطاقات والشيكات لا تعمل في كل المحلات والقطاعات، وان تفعيل العمل بها يحتاج الى تهيئة وقبول في السوق. بل ان الامتناع عن تسليم الناس مستحقاتهم دفع وسيدفع الى تخزين الأموال النقدية وتعظيم قيمتها بالمقارنة مع قيمة الأموال الممنوعة من الصرف والشيكات. وأصبحنا من الآن نسمع عن سعرين لليرة: واحد للنقدي، والآخر للمصرفي المقيَّد، تماماً كما حصل مع الدولار من قبل: الدولار النقدي، والدولار المصرفي الممنوع من الصرف.
في كلتا الحالتين السالفتين اللتين حصلتا قبل حلول ذكرى اندلاع احتجاجات تشرين الاول (صدفة؟)، يتبين أن
بعض الناس ينبري للدفاع عن سياسات حاكم مصرف لبنان في ضخ السيولة ثم حجبها، بالقول إن ضخها جاء من باب توفير السيولة لنفقات الدولة، وان حجبها لاحقاً تم لوقف التضخم النقدي. لكن هل ضخّ السيولة يستلزم طباعة ما يقدَّر بـ 13 تريليون ليرة خلال الأشهر التسعة من العام الحالي، بما يفوق ما تم طبعه خلال أربعة عقود؟ علماً ان هذه الكميات ألهبت المضاربة على الليرة، حيث تم استخدام مخزون كبير من الليرات المطبوعة حديثاً لشراء الدولار. ومن جانب آخر، فإن حجب السيولة سيؤدي على أقل تقدير الى انكماش في الحركة التجارية يزيد الوضع الاقتصادي والاجتماعي سوءاً، لأن الكثيرين سيحرصون على السيولة المتوفرة بين أيديهم، وسيطلب الكثير من التجار والشركات من زبائنهم المال النقدي الذي يحتاجونه لشراء الدولار في تعاملاتهم الخارجية.
في الخلاصة، فإن
رياض سلامةالليرة اللبنانيةمصرف لبنانالمصارف
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024