معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

مخطط
12/10/2020

مخطط "اسرائيل" للغاز و"السلام": هذه أوراق قوة لبنان

جهاد حيدر

ليس هناك حاجة لبذل جهود استثنائية من أجل استكشاف معالم الرهان الإسرائيلي على المفاوضات غير المباشرة، حول الحدود البحرية الجنوبية للبنان. ولم يعد من الضروري البحث عن الرسائل التي ينطوي عليها هذا الموقف الإسرائيلي أو ذاك، ودلالات مستوى التمثيل وطبيعته في المفاوضات الذي يحاول العدو فرضه على لبنان، لتحديد معالم خطته ومساعيه وأهدافه المبيتة. فقد أغنى رئيس قسم الابحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، امان، العميد درور شالوم، الباحثين وأعلن جهارا أن هناك "ارجحية عالية" بأن تتطور المحادثات الاقتصادية مع لبنان نحو اتفاق "سلام"، لكنه عاد واستدرك بالقول إن "حزب الله قد ينسف ذلك".

ماذا يعني التقدير الذي قدَّمه شالوم؟ وإلى ماذا يؤشر؟ وماذا يعني حديثه عن أن حزب الله قد ينسف هذه المساعي؟

بداية ينبغي التأكيد على حقيقة مسلمة، وهي أنه لولا المقاومة في لبنان لما وجدت "إسرائيل" نفسها مضطرة للرضوخ إلى معادلة المفاوضات وفق مبادئ حدَّدها اتفاق الاطار. ومن المسلم به أنه لولا معادلة الردع القائمة لكان لبنان يشاهد بعينيه كيف يتم نهب ثرواته مع غطاء ودعم أميركيين. لكن بلورة اتفاق اطار، يكشف عن اقرار "تل ابيب" وواشنطن بمعادلة الردع والقوة التي تحكم العلاقة مع لبنان.

من نافلة القول إن رئيس قسم الابحاث في الاستخبارات، لا يتحدث عن افاق هذه القضية أو غيرها، من موقع المراقب المحايد، أو كمن يحاول اختيار آلياته التقديرية أو غير ذلك، وانما من موقع الجهة التي تفسر الوقائع وتحدد ما تنطوي عليه من تهديدات وفرص، وتُقدِّر مساراته المستقبلية، وفي ضوء ذلك تقدم توصياتها للجهات التي تتخذ القرار السياسي والامني في "تل أبيب".

مع أن لبنان تحدث عن اتفاق اطار، ومفاوضات غير مباشرة، إلا أن العدو يحاول التذاكي عبر عملية تسلل من خلال رفع العدو من مستوى وفده إلى المستوى السياسي الصريح، بإدخال المستشار السياسي لرئيس حكومته بنيامين نتنياهو في الوفد، رؤوبين عزار، الذي يتولى منصب رئاسة شعبة السياسة الخارجية التي تؤدي دور تنسيق التخطيط السياسي الاستراتيجي في هيئة الامن القومي لصالح المستوى السياسي، اضافة إلى مسؤول المنظومة السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، ألون بار.

بعيدا عما قام وسيقوم وقد يقوم به كيان العدو، يبقى نجاح مخططه مرهونًا بتجاوب الطرف اللبناني لأن أي اتفاق يحتاج إلى طرفين ولا يتحقق في خطوات أحادية. لذلك، فإن توقع شالوم أن تؤدي المحادثات حول الحدود البحرية إلى مفاوضات سياسية، يعني أنه ينطلق من تقدير يفترض وجود من لديه الارضية والاندفاع للتجاوب مع هذا المسار. لكن ذلك مشروط بمسار من التطورات اللاحقة. وعندما يتحدث عن "أرجحية عالية" يعني أنه يُقدِّر أن مسار الضغوط قد يحقق النتائج المؤملة، من منظور مفترض لديه.

قبل الذهاب بعيدا في تفسير المفهوم السابق، فما قدمه رئيس قسم الابحاث الاستخبارية، شالوم، هو نتاج منهج متبع في التقدير الاستخباري يقوم على اساس فرضية مروحة من السيناريوهات الممكنة والمحتملة والمرجوة. وفي هذا السياق، يرى أن من ضمن هذه السيناريوهات يملك سيناريو عقد اتفاق السلام، مقومات تحققه، وبالتالي توجد أرجحية عالية لنجاح المخطط الإسرائيلي - الاميركي.

في المقابل، لم يغفل الضابط الاستخباري الرفيع، عن حقيقة أن حزب الله قادر على نسف هذا المسار في الوقت الذي يراه قد انحرف ما يحقق لـ"إسرائيل" أطماعها. وهو لم يشكك في قدرة حزب الله على فعل ذلك. وعلى ذلك، تصبح النتيجة الاجمالية للتقدير الذي قدمه، أن هذا المسار يملك ارجحية عالية، في حال لم نأخذ بالحسبان موقف حزب الله، وسائر القوى الملتفة حول خيار المقاومة.

مع ذلك، يؤشر ما تقدم على وجود خطة يعتمدها العدو ومن ورائه واشنطن وحلفاؤها في لبنان والمنطقة، وتقوم على ممارسة الضغوط على الواقع اللبناني تحت حجة أن التقدم نحو اتفاق سلام مع "إسرائيل" سيسمح للبنان باستخراج الغاز الذي سيحل له أزمته المالية. وفي حال عرقل حزب الله هذا المسار سيتم تحميله مسؤولية استمرار الوضع الانحداري.

لكن ما ينبغي استحضاره في المقابل، أن حق لبنان بمياهه وثرواته غير مرهون بعقد اتفاقية سلام مع كيان العدو، بل هما أمران منفصلان بالمطلق.

إن لدى لبنان قوة ردع تستند إلى مقاومة أثبتت جدواها في كل محطات الصراع. وليس على القوى السياسية في لبنان سوى حسن توظيف هذه القوة في تعزيز موقفهم في مواجهة واشنطن و"تل ابيب".

عليهم امتلاك الشجاعة للمبادرة إلى خطوات عملية تكرس حق لبنان وتمهد الطريق لاستخراج ثرواته، وما تبقى هو في عهدة المقاومة الكفيلة بكف يد العدو عبر فرض معادلة أن من يحرم لبنان من استخراج ثرواته، سيُحرم في المقابل من استخراج الثروات النفطية والغازية في البحر المتوسط. 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات