معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

أميركا تغامر بأمن البلدان الاوروبية
10/12/2018

أميركا تغامر بأمن البلدان الاوروبية

صوفيا ـ  جورج حداد

تعمل ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل محموم لتصدير الازمة الداخلية الأميركية الى الخارج، قبل انفجارها. وهذا ما يفسر تصعيد الأزمات التي تفتعلها أميركا مع مختلف الدول.

وعلى خلفية الحرب التجارية التي شنتها أميركا ترامب ضد الصين، والعقوبات الاستفزازية ضد روسيا وايران، عمدت مؤخرا الى افتعال أزمة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى مع روسيا، ضاربة بعرض الحائط أمن البلدان الاوروبية الحليفة لاميركا المعنية بالدرجة الاولى بهذه الازمة.

فقد أعلنت الادارة الاميركية أنها ستجمد التزاماتها بالاتفاقية المعقودة مع روسيا منذ سنة 1987 والمتعلقة بتصفية الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى. وادعت الادارة الاميركية أن روسيا هي التي تخرق هذه الاتفاقية، وأنها ستمنح روسيا مدة ستين يوما للعودة عن خروقاتها المزعومة. وبعد هذه المدة تخرج أميركا رسميا من الاتفاقية.

وصرح مايك بومبييو وزير الخارجية الاميركية أنه بعد مضي شهرين تبدأ مدة 6 أشهر كفترة انذارية للخروج الفعلي لأميركا من الاتفاقية مع روسيا، أي العودة الى صناعة ونشر الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى في البلدان الاوروبية الحليفة، قريبا من الاراضي الروسية.

وتعقيبا على ذلك، صرح الأمين العام لحلف "الناتو" ينس ستولتنبرغ أن "لدى روسيا فرصة أخيرة كي تبرهن انها تنفذ الاتفاقية... ولكن علينا أن نكون مستعدين لواقع أن هذه الاتفاقية يمكن ان تفشل". وبحسب كلماته فإن الحلف بدأ حملة دبلوماسية لاقناع روسيا بالتخلي عن وحداتها الصاروخية SSC-8 المعروفة ايضا باسم "نوفاتور 9M729".

وجواباً على ذلك قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن روسيا "تلتزم بدقة بشروط اتفاقية ازالة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى وهو أمر معروف تماما من قبل الولايات المتحدة الاميركية". ونفت موسكو مراراً أنها تصنع مثل هذه الصواريخ، القادرة على ضرب الأهداف الأوروبية. أما بومبييو فيزعم أن واشنطن حذرت موسكو مراراً حول الاتفاقية منذ سنة 2013 ولكن دون جدوى.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتبادل فيها الغرب وروسيا الاتهامات حول عدم الالتزام بالاتفاقية.

ومنذ فترة وجيزة هدد الرئيس الاميركي ترامب بأن اميركا ستنسحب من الاتفاقية. وبعد المؤتمر الصحفي الذي عقده بومبييو في بروكسل قرر "الناتو" أن يتهم روسيا رسميا بخرق الاتفاقية. وفي الوقت ذاته أعلنت المانيا، هولندا وبلجيكا عن تخوفها من أن تنشر اميركا الصواريخ في اوروبا، اذا تعمق الجدال حول الاتفاقية. ونذكر أنه في الثمانينات من القرن الماضي وقبل توقيع هذه الاتفاقية قامت في أوروبا مظاهرات كبرى ضد نشر الصواريخ الاميركية فيها حيث ظهر أن أوروبا تقع في الفخ في سباق التسلح النووي بين اميركا والاتحاد السوفياتي (حينذاك). وبعد توقيع الاتفاقية سحبت أميركا صواريخ "بيرشينغ" من بريطانيا والمانيا الغربية، وسحب الاتحاد السوفياتي صواريخ SS-20، وهكذا أزيح الخطر عن اوروبا. أما الآن فإن ممثلي الادارة الاميركية يقولون انهم بعد 60 يوما سيجدون أنفسهم مضطرين لاعادة توازن القوى في اوروبا.

أما من الجانب الروسي، فقد أعلن رئيس لجنة الدفاع والأمن فيكتور بونداريف أن من الضروري اجراء محادثات بين الطرفين الاميركي والروسي حول اتفاقية ازالة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، كما نقلت عنه وكالة "ريا ـ نوفوستي". وحسب تعبيره إن نتيجة المحادثات يمكن أن تؤدي الى "تكييف الاتفاقية". واضاف إن موسكو شكلت مجموعة عمل مختلطة، يشارك فيها ممثلون عن وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي الروسي. وستعمل هذه المجموعة لايجاد السبل لحل الوضع في حقل مراقبة التسلح. وبذلك يرسل الكرملين اشارة أنه لا يريد سباق تسلح جديد.

من جهتها أعلنت مفوضة الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغريني أن البلدان الأعضاء في الاتحاد الاوروبي تصر على المحافظة على اتفاقية الصواريخ. ووصفت موغريني الاتفاقية بأنها "عنصر رئيسي للامن الاوروبي".

أمّا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فحذر من أنه في حال خروج أميركا من اتفاقية عدم نشر الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، فإن روسيا سترد بإجراء جوابي.

وجاء تصريح بوتين بعد يوم واحد من اعلان واشنطن عن قرار الخروج من الاتفاقية. وأكد بوتين مرة أخرى تمسك روسيا بالاتفاقية وانها ضد الغائها. وحسب كلمات بوتين فإن واشنطن خرجت من الاتفاقية قبل وقت طويل من اعلانها عن ذلك، وانهم يتحدثون عن الخروقات من قبل روسيا فقط كحجة لتبرير الخروج الاميركي الفعلي. وهذا يعني أن الاميركيين اتخذوا القرار منذ وقت طويل ولكن بشكل سري.

وهم يعتقدونن أننا لم نلاحظ ذلك، ولكن ذلك ظهر في ميزانية وزارة الحرب الاميركية، التي يتبين منها العودة لانتاج هذه الصواريخ. وبعد ذلك أعلنوا أنهم يخرجون جهارة من الاتفاقية. وجوابا على الاتهامات الموجهة الى روسيا، قال بوتين: هذا غير صحيح. نحن ضد الغاء الاتفاقية. ولكن اذا حدث ذلك فإننا سنرد ردا مناسبا. "ان شركاءنا الاميركيين يحسبون ان الوضع الان قد تغير الى درجة ان اميركا ينبغي ان يكون لديها هذه الاسلحة. ماذا سيكون جوابنا؟ ببساطة: نحن ايضا سنصنعها". قال بوتين محذرا.

وقد وجه رئيس الاركان الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف تحذيرات أكثر حزماً، حيث قال إنه اذا ألغي الاتفاق فإن روسيا ستتخذ اجراءات جوابية موجهة ضد البلدان التي تنشر فيها الصواريخ الاميركية متوسطة وقصيرة المدى التي تشكل تهديدا للاراضي الروسية.
وحدد الأفعال الاميركية بأنها تهدف الى المحافظة على دور الهيمنة العالمية لاميركا. وان هذه الافعال هي عامل رئيسي في تردي الوضع الدولي.

كما وصف غيراسيموف نشر منظومة رادار أميركي قوي قرب الحدود الروسية بأنه عمل عدائي ضد روسيا من قبل أميركا ومن قبل البلدان المعنية.   

ويقول بعض الخبراء إن هذا التصعيد التسلحي الاميركي انما يهدف بالدرجة الأولى الى تدعيم صناعة الأسلحة الأميركية وخلق فرص عمل أكثر للأميركيين والتخفيف جزئياً ومؤقتاً من الأزمة الإقتصادية وإن كان ذلك على حساب الأمن والإستقرار الدوليين.
 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات