آراء وتحليلات
لبنان: هل الحياد العسكري ممكن؟
شارل أبي نادر
لا يمكن لمفهوم "الحياد العسكري"، إلا ان يكون مرتبطًا بشكل وثيق بالقانون الدولي بشكل عام، كما أن الحياد العسكري لا يمكن أن يكون منعزلًا أو مستقلًا عن "الحياد السياسي" بالأساس، أو عن توجهات الدولة أو السلطة تجاه "الحياد".
انطلاقًا من ذلك، يمكن معالجة مفهوم "الحياد العسكري" تحت عناوين عامة مرتبطة بالتساؤلات التالية:
- تعريف أو مفهوم الحياد العسكري، وماذا يعني عمليًا؟
- ارتباط الحياد العسكري بالحياد السياسي، واستنتاجًا: ارتباط عدم الحياد العسكري بعدم الحياد السياسي.
- شروط الحياد العسكري، أو بمعنى آخر، الشروط المطلوب توفرها كي نستطيع أن نأخذ موقفًا محايدًا من الناحية العسكرية.
- هل تستطيع دولة معينة - لبنان مثلًا - أن تأخذ موقفًا محايدًا في قضية مثل القضية الفلسطينية والصراع مع العدو الاسرائيلي، بمعزل عن موقف الدول المجاورة المعنية بالصراع؟ هل يمكن أن نأخذ في لبنان موقفًا محايدًا من الناحية العسكرية؟
في التعريف بشكل عام، نجد أن "الحياد المؤقت أو كما يسمى أيضًا الحياد الحربي أو الحياد العسكري هو موقف تتخذه دولة ما بإرادتها المنفردة التي لا تتوقف عند إرادة الأطراف المتواجهة في نزاع عسكري، موقف تحفظ فيه الدولة علاقتها السلمية العادية بكل الأطراف دون ان تنحاز لأي منهم ودون أن يشكل أي منهم خطرًا عليها أو يقتحم إقليمها لاستعماله في الحرب ضد الطرف الآخر. أي تعلن الدولة حيادها بنفسها وتتخذ من التدابير ما يقفل إقليمها بوجه كافة الأطراف، وتحفظ علاقاتها السلمية المتوازنة مع الجميع".
من الناحية التقنية والعملية المتعلقة بالتوصيف، يمكن اجراء مقاربة بين الحياد العسكري الدائم أو الهدنة الدائمة التي تتضمن وقفاً كاملاً للأعمال العسكرية المعادية، والتي قد تمتد وتتطور لتصبح معاهدة سلام، أو من جهة أخرى بين الحياد المؤقت ووقف اطلاق النار.
عمليًا، هناك مستويات مختلفة من الحياد العسكري المؤقت:
- مستوى موضعي في الزمان: وقف أعمال عسكرية لمدة أو لتاريخ محدد فقط، وهذا يحدث في عدة حالات، لأسباب انسانية: تبادل أسرى - تسليم جثامين.. أو في حالات ومحاولات تفاوض.. الخ، ويكون إما باشراف جهات دولية أو جهات أو دول محايدة، وبعد انتهاء التاريخ المحدد، تعود الأعمال العسكرية الى مستواها الأساسي.
وقف الأعمال العسكرية مرتبط بشرط معين، ويكون هذا الشرط مثلا: عدم الاعتداء أو عدم التقدم الميداني أو عدم تغيير مواقع أو مراكز.. الخ.
وقف القتال بشرط عدم القيام باجراءات معينة، ليس بالضرورة أن تكون عسكرية، كالتنقيب عن الغاز أو النفط مثلًا في المياه الاقتصادية الخالصة لدولة أخرى.. الخ. وهذه اشكالية موجودة اليوم في عدة مناطق، وشرق المتوسط احدها، حيث اليونان وتركيا تتبعان نفس التحالف العسكري والاستراتيجي - حلف شمال الاطلسي - وقد وصلت الأمور مؤخراً بينهما الى حافة الحرب والمواجهة العسكرية.
- مستوى محدد في المكان: قد يكون هناك حياد عسكري أو وقف نشاطات عسكرية أو وقف اطلاق نار على جبهة محددة بين جيشين بحالة الحرب، وفي نفس الوقت يكون هناك اطلاق نار وأعمال عسكرية على جبهة أخرى بين نفس الدولتين، وهذا يعتبر حيادًا عسكريًا جزئيًا، قد يمتد أشهرًا وأحيانًا سنوات. مثلًا، بين الهند وباكستان في اقليم كشمير، تقريبًا لا تتوقف الأعمال العسكرية، وعلى أغلب المواقع والمناطق الأخرى بين الدولتين، لا وجود لأية أعمال عسكرية أو حتى ما يشبه الأعمال العسكرية، حتى أنه يوجد تبادل تجاري وتواصل سكاني ورسمي شبه عادي بين الدولتين. نموذج غريب ولكنه موجود.
هناك الكثير من الأمثلة العديدة يمكن اعتمادها لمقاربة الحياد العسكري، أغلبها تتعلق بحروب خاضتها بعض الدول منفردة أو ضمن تحالف، وأخرى عايشتها دون أن تخوضها بعد أن اختارت الحياد العسكري، وبالرغم من أن عددًا كبيرًا من تلك الدول، كان يجمعها الكثير من القواسم المشتركة، في المصلحة والدين والمذهب والعرق والجغرافيا ومصدر وحجم التهديد (وهذا ربما أهم سبب من أسباب اندلاع الحروب)، فقد اختلفت مواقفها بين من اختار الحرب وبين من اختار الحياد.. (سويسرا مثلًا لديها العديد من القواسم المشتركة مع فرنسا وبلجيكا واللوكسمبورغ ومع غيرها أيضًا من الدول الأوروبية، واختارت الحياد في الصراعات والحروب الاوروبية).
فما هو سبب هذا الاختلاف في الموقف اذًا بالرغم من المعطيات المشتركة بشكل شبه كامل بين تلك الدول؟ وهل يمكن القول إن سبب ذلك يتعلق بنظام الحكم في كل من تلك الدول أو بعقلية وشخصية الحكام، والتي تؤثر جميعها في تكوين واتخاذ القرار؟
عمليًا، كل دولة من تلك الدول كان لها وضع خاص وظروف خاصة، لا يمكن اسقاطها على الوضع اللبناني، حيث الأخير يتميز بمعطيات وبظروف خاصة به، قد لا تشبه أية دولة أخرى، وعليه، سوف أتطرق وبشكل مركز الى لبنان وظروفه الخاصة، لكي أحاول أن أتوصل الى مقاربة معقولة عن "لبنان - الحياد العسكري ممكن؟".
طبيعة تكوين الدول والشعوب بالأساس انطلقت من شريعة الغاب - كانت الأخيرة سائدة منذ بدايات انطلاقة أو تكوين المجتمعات، وهذه الطبيعة بالغريزة فيها مُسَلَّمة أساسية وهي الطمع وحب التسلط والغزو وما شابه، وطبيعة الجغرافيا المحصورة أو المقيدة بصعوبة الانتقال (قديما)، نتج عنها طمع الجار بجاره وتعدي الجار على جاره، وهذا الجار كان فردًا بداية وأصبح عائلة ثم قبيلة أو عشيرة، فمجتمع مختلف الأبعاد وأخيرًا دولة.
أساس الاشتباك أو الصراع إذن يبدأ من نظرة طمع بالآخر، تليها محاولة للحصول على مكاسب (أو اعتداء بالمفهوم العملي)، أو يبدأ الصراع من تباين أو اختلاف، ديني أو سياسي أو اجتماعي، فيحصل الاعتداء وينجح أو يفشل، تبعًا لقدرات كل من الطرفين، فاذا كسب الطامع أو المعتدي يحصل (الاحتلال) أو الكسب، وإذا فشل لا يحصل ولا يكتمل.
ونجد عدة أسباب وراء الفشل عند التعدي، إما كون قدرة المعتدى عليه كافية ودافَعَ ونجَح، أو أنه استفاد من دعم أو من مساعدة طرف قوي، أو أن القانون -القبلي أو العشائري بداية، ولاحقًا القانون الدولي- استطاع حماية الحقوق ووقف الاعتداءات.
من جهة أخرى، وفي نفس سياق العموميات، عندما نتكلم عن حياد عسكري، كلمة "عسكري" تكون حكمًا مرتبطة بالسلاح وباجراءات الأمن وبوسائل الدفاع ضد الأخطار، ومن حيث بالمبدأ، لا حياد دون أن تكون الدولة محمية أو مصانة أو غير معرضة للتهديد، فمن الطبيعي والمنطقي أنه لا يمكن لهذه الدولة (المُهَدَّدَة) أن تكون على الحياد، خاصة تجاه مصدر تلك الأخطار أو التهديدات.
من هنا، وحيث كل دولة معرضة للأخطار بشكل عام، ومن النوادر أن نجد دولة غير معرضة للأخطار، والأخيرة ممكن أن تكون من الطبيعة -من جغرافية الموقع، أي من الكوارث الطبيعية- وممكن أن تكون من كوارث تحصل بفعل انسان أو دولة، انما بشكل غير مقصود -تجارب علمية مثلًا شكلت خطرًا على دولة جارة- حينها يمكن أن تأخذ الدولة المصابة موقفًا محايدًا، وربما ضروري أن تكون على الحياد في هذه الحالة، لكي تستفيد من مساعدات دول أخرى، ومن السلام والأمن والهدوء التي تحتاجها مع تلك الأخطار الطبيعية أو الطارئة.
أما اذا كان مصدر تلك الأخطار جهة أو طرفًا أو منظمة أو دولة، حكمًا لا يمكن أن تكون على الحياد مع هذه الجهة، وبالتأكيد لا يمكن أن تكون على الحياد العسكري.
لكي نستطيع أن نقدم مقاربة عملية للوضع اللبناني، وتبيان امكانية أن نكون على الحياد (العسكري)، سنحاول أن نحدد ما هي الأخطار أو التهديدات التي يتعرض لها لبنان.
ما هي الأخطار أو التهديدات التي يتعرض لها لبنان؟
أولًا: الإرهاب (المنظم) أو التكفيري (المتشدد).
لم يكن سهلًا أو بسيطًا ما خلفه الارهاب في لبنان من مآسٍ وخسائر ودمار أصاب المدنيين والأجهزة الأمنية والعسكرية، ولكن هل الارهاب المنظم أو الفوضوي العنيف يعمل ويتحرك وحده؟ ألا نوجد دول داعمة له، ربما ليس بشكل رسمي، ولكن عبر مخابراتها أو عبر أحزاب السلطة فيها أو الأطراف النافذة فيها؟.. هل يمكن الوقوف على الحياد مع هذه الدول أو هذه المجموعات، بمعزل عن أي توجه سياسي أو حزبي أو مذهبي أو طائفي؟
كيف يمكن أن يكون لبنان على الحياد مع مصدر هذا الارهاب؟
هنا تبقى اشكالية كبرى في تحديد هذه الجهات أو الدول الداعمة لهذا الخطر الحساس على لبنان والذي هو الارهاب، وطبعًا عند تحديدها بشكل أكيد، من الطبيعي ومن المفروض أن يكون لبنان كدولة على عداء مع هذه الجهات أو الدول.
ثانيًا: المجموعات المخلة بالأمن
هذه المجموعات المنظمة بشكل عشائر متمردة على القانون والنظام، أو مجموعات من قطاع الطرق أو المجموعات الفوضوية التي تعمل لأجندات خارجية والتي تدخل ضمن اعتصامات أو مظاهرات أو عصابات متمردة على النظام.
المقصود هنا فقط والذي يمكن مقاربته لناحية موقف لبنان المحايد، هو ما يعني بالمجموعات الموجهة أو المدعومة من قبل دول أو جهات خارجية.
ظهرت مؤخرا شكوك وشبهات جدية بضلوع دول اقليمية بالتوتير الأمني المفتعل وبأحداث الشغب العنيفة في لبنان، ولأسباب صراعات على النفوذ وامتلاك نقاط ارتكاز شعبية أو حزبية للاعتماد عليها في ربح نفوذ بمواجهة دول أخرى.
هذا موضوع أيضًا يأخذ بعدًا سياسيًا في اثباته أو تأكيده، وهناك أطراف داخلية تشجعه ربما، ولكن مع وجود مجموعات منظمة أو شبه منظمة، تخطط وتعمل لخلق فوضى عارمة وحالة من عدم الثقة بالمؤسسات الرسمية وبالسلطة، وتنفيذ اعتداءات على الأملاك العامة والخاصة وعلى القوى الأمنية والعسكرية، ويتبين أنها تتحرك بتمويل خارجي مشبوه.
كيف يمكن للبنان أن يكون محايدًا مع تلك الجهات الداعمة لهذه المجموعات، اذا كانت هذه الجهات الخارجية أحزابًا أو دولًا أو أجهزة مخابرات دول محددة؟
ثالثًا: العدو الاسرائيلي
هل يمكن أن يكون هناك حياد عسكري مع "اسرائيل"؟
هل تخلّت "اسرائيل" مثلًا عن قراراها بعدم عودة الفلسطينيين الى أرضهم؟ أليس منع عودة اللاجئين الفلسطينيين من لبنان يشكل تعديًا دائمًا على لبنان؟ لما يحدثه ذلك من تغيير ديمغرافي واجتماعي يؤسس لمشاكل داخلية، (هذا بمعزل عن الموقف اللبناني من الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي)، وهل يمكن، وبوجود هذا التعدي أن يكون هناك حياد عسكري بين لبنان و"اسرائيل"، حتى لو انسحبت من لبنان (من مزارع شبعا)، وحتى لو تم ترسيم الحدود نهائيًا ووافق الطرفان وصُدِّقَت الموافقة من قبل الأمم المتحدة؟
اذا دخلنا بالتفاصيل العملية للحياد العسكري للبنان والذي هو عمليًا عدم اتخاذ موقف معادٍ لـ"اسرائيل"، لأنه مبدئيًا لا يوجد أي عداء أو حالة حرب مع دولة اخرى غير "اسرائيل"، فإن معطيات هذا الموقف يجب أن تبنى على النقاط التالية:
"اسرائيل" ما زالت تحتل أراضيَ لبنانية، وبنفس الوقت ما زالت طامعة بأراض أخرى وبالمياه اللبنانية اذا استطاعت ذلك، واجراءاتها على الحدود الجنوبية حول ذلك معروفة، حيث حتى الآن هناك عشرات النقاط البرية الحدودية يتحفظ عليها لبنان، كما أنها طرحت وفي أكثر من مناسبة عبر اليونيفل، استبدال أراض تحتلها يتحفظ عليها لبنان وتجد صعوبة ميدانية وعسكرية في التخلي عنها، (نقطة في اللبونة جنوب شرق الناقورة، أكثر من نقطة في العديسة وفي الوزاني وفي مزارع شبعا، الخ، طلبت أن تستبدلها بأراض أخرى من فلسطين المحتلة تسيطر عليها).
"اسرائيل" لا تحترم السيادة اللبنانية، وهي تخترق أجواءنا بشكل متواصل، للمراقبة والرصد عبر مسيراتها من جهة، وعبر قاذفاتها حيث تنفذ أحيانًا عمليات استهداف خاصة داخل لبنان، أو تستخدم الأجواء اللبنانية للاعتداء على سوريا.
"اسرائيل" لم تتخل عن أطماعها بالمياه اللبنانية الاقتصادية الخالصة وبثروة لبنان النفطية والغازية، وعرقلت مسيرة لبنان نحو استخراج ثروته من المتوسط، طمعًا بحصولها على قسم من البلوكين 8 و9 الحدوديين مع مياه فلسطين المحتلة والغنيين بالغاز الطبيعي.
من جهة أخرى، هل يمكن أن نكون معها على علاقة حياد وفي نفس الوقت هي في حالة عداء مع سوريا وفلسطين المحتلة؟ ربما قد أجابت عن هذا الموضوع المقاربة السياسية التي قدمها أغلب الأساتذة (في اليوم الأول أو اليوم).
هل يمكن أن يقف لبنان موقفًا محايدًا بشكل منعزل أو مستقل عن الدول العربية الجارة، (سوريا والعراق وفلسطين المحتلة) أو الاقليمية المعادية لـ"اسرائيل"، والتي ما زالت الصراعات مفتوحة بينها وبين "اسرائيل"، نقصد هنا ايران بشكل خاص؟
طبعًا، هذا السؤال يشكل نسبة كبيرة من مضمون الاشكالية الأساسية التي تعتبر نقطة الخلاف الداخلي اللبناني.
في موضوع ايران، هناك كثير من الأطراف تعتبر أن العلاقة مع ايران هي لب مضمون الاشكالية، لناحية ضرورة اتخاذ موقف محايد في الصراع الايراني - الاسرائيلي، على اعتبار أن استراتيجية ايران في مواجهة وتحدي "اسرائيل" يجب أن لا تعني لبنان، حيث يمكن للأخير أن يكون محايدًا في هذا الصراع. هذا الموضوع يحمل وجهة نظر قابلة للبحث والاقتناع بها، لو كان أساس الصراع بين ايران و"اسرائيل" منعزلًا أو مختلفًا عن أساس الصراع بين لبنان وبين "اسرائيل"، أو بين سوريا و"اسرائيل"، أو بين فلسطين و"اسرائيل"، ولكن الصراع هو نفسه والعدوان الصهيوني على الحق العربي في فلسطين وخارجها هو نفسه، ولبنان عانى ويعاني اعتداءات واحتلالات وتهديدات متواصلة، استنادًا لهذا الصراع.
هذا لناحية الموقف السياسي، أمّا في الموقف العسكري، فلا بد من مقاربة الموضوع كالتالي:
بالطبيعة أو بالغريزة أيضًا، يجب أن يمتلك الفرد أو القبيلة أو المجتمع أو الدولة، وسائل لمواجهة أطماع الآخرين، وهذه الوسائل تدعى قدرات، وقدرات عسكرية بالتحديد، أسلحة وعتاد (جميع أنواع الأسلحة القادرة على الحماية وعلى مواجهة أطماع وتهديدات الآخرين الطامعين).
وهنا، نقطة أساسية تفرض نفسها من الناحية العسكرية وهي ضرورة امتلاك كل سلاح أو عتاد يكون مناسبًا لتأمين حماية الدولة من الأخطار الخارجية والداخلية، ومن دون امتلاك هذه القدرات المناسبة، يكون هناك تفوق أكيد للطامع أو للمُهَدِّد، وحينها، لا يمكن أن يكون هناك أسس للحياد اذا لم يكن هناك توازن في القدرات، لأن القوي أو المتفوق سوف يميل دائمًا وبالغريزة للاعتداء وللسيطرة ولانتزاع حقوق ومكتسبات من الاخرين، والذين بدورهم، عليهم أن يحصنوا أنفسهم بالسلاح وبالوسائل المناسبة لحماية حقوقهم وسيادتهم وأمنهم.
هذه النقطة تُفسَّرعمليًا في ضرورة امتلاك لبنان منظومة دفاع جوي مناسبة لحماية أجوائه وسيادته، وهذا الموضوع حاليًا غير موجدود وغير وارد لعدة أسباب:
خارجية، حيث تمنع الولايات المتحدة الأميركية لبنان من امتلاك منظومة دفاع جوي، طبعًا هذا المنع لمصلحة "اسرائيل"، وحتى أنها تضغط على الدول الأخرى وعلى الحكومة اللبنانية لمنعها من الحصول عليها من دول أخرى.
اقتصادية مالية: ومعروف وضع الخزينة اللبنانية والمالية العامة حاليا.
سياسية داخلية: لم يحصل أيضًا أي توافق سابقًا بين أطراف السلطة السياسية اللبنانية على شراء هذه الأسلحة، بعض الأطراف المعارضة بررت ذلك لأسباب مالية، وبعضها الآخر لأسباب عدم اقتناعها بجدوى امتلاكها مع ميلها (الضمني طبعًا) لفكرة ولموقف الحياد.
من الناحية العملية عسكريا، من الضروري وبقوة، استطرادا، اذا تم الاتفاق على أن يقف لبنان موقفًا محايدًا في الصراعات المختلفة في المنطقة والتي هي ضد "اسرائيل"، يجب أن يحصل على منظومة دفاعية متطورة ومتقدمة، والسبب هو أن المواجهات العسكرية حاليًا، أصبحت تقوم على فكرة الدفاع من خلال الاعمال الاستباقية (الهجومية)، وفي حال الحياد ، لبنان أو غيره سوف يخسر فرصة العمل الاستباقي، وبالتالي سوف يحتاج الى منظومة دفاعية أكثر تماسكًا، لناحية سلاح الدفاع الجوي أو لناحية الملاجىء المتطورة والتي يجب أن تكون منتشرة في أغلب مناطقه. وهذا الأمر طبعًا هو صعب حاليًا لا بل مستحيل.
سويسرا أو الجيش السويسري مثال عن هذا الموضوع: الجيش السويسري يمتلك أقوى منظومة دفاع جوي وأقوى منظومة حماية هندسية (ملاجىء للحماية من الاسلحة النووية والجرثومية وبنية تحتية قوية).
عمليًا، لا يمكن أن يكون هناك حياد مع جهة أو دولة أو كيان، دون تعادل في القدرات أو دون توازن قوة، واذا لم يؤمّن توازن القوة، وهذا وارد جدًا نظرًا للتفاوت الكبير بين قدرات الدول، المادية والعسكرية، (الأمر الموجود بين لبنان و"اسرائيل")، من الضروري أن يكون هناك توازن ردع، وهذا هو بيت القصيد في اشكالية النظرة الداخلية الى سلاح المقاومة والذي حصلت عليه من ايران.
بما أن الجيش لا يملك سلاح دفاع جوي ولا يملك أسلحة نوعية (صورايخ أو طائرات مسيرة متطورة هجومية)، وممنوع عليه أن يمتلك ذلك، فقد أوجدت السلطة في لبنان، (بشكل مقصود أو تم دفعها الى ذلك) وعبر تفاهم (خجول) أو تفاهم (منع الصدام) بين أطرافها، لا يمكن أن نقول ان جميع الأطراف مقتنعة به وهذا واضح، وفي البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، أوجدت السلطة اللبنانية دورًا للمقاومة، تحت عنوان مقاومة أي عدوان باية وسيلة وتحرير الاراضي المحتلة من قبل "اسرائيل"، وهذا الدور طبعًا تلعبه المقاومة، ليس بالسياسة والاعلام فقط، بل تؤديه عبر سلاحها، (والذي حصلت عليه من ايران) أي بمعنى آخر، "شرّعت" السلطة اللبنانية سلاح المقاومة،(والذي حصلت عليه من ايران) وبعد هذا التشريع للسلاح، أصبح بطريقة غير مباشرة سلاح ردع، تمتلكه الدولة اللبنانية وتديره المقاومة وليس الجيش، وذلك لأسباب تقنية وعسكرية ترتبط بحمايته من "اسرائيل"، لأنه سري ومخفي وغير ظاهر ولا يتواجد في مراكز وثكنات معروفة.
وهنا نعود لموضوع الموقف من الحياد العسكري مع "اسرائيل"، فمن غير المنطقي والواقعي أن تقول لنا "اسرائيل"، مباشرة أو عبر حلفائها من دول اقليمية أو غربية، أو عبر أطراف لبنانية (عن حسن نية أو عن سوء نية): " سلمني وسائلك أو سلاحك (والمقصود هنا سلاح المقاومة الذي تشرعه الدولة اللبنانية وتحتاجه بقوة كبديل لقدرات دفاعية لا تمتلكها)، أو سلّمه لطرف خارجي ، أو أعده الى الجهة التي أعطتك اياه، وعليك أن تأخذ موقفًا محايدًا تجاهي، بمعزل عن صراعي مع دول شقيقة وجارة لك، وعمليًا أنت لا تملك أية وسيلة حماية فعالة أو أي سلاح نوعي (دفاع جوي على الاقل) وأنا ("اسرائيل") أملك أحدث أنواع الطائرات الشبحية (اف 35 واف 22 غير الـ اف 15 و 16) وأملك صورايخ أرميك بها عن بعد 300 كلم وأدمر كل شيء عندك وأعيدك الى العصر الحجري.
ألا يعدّ هذا استسلامًا أو خنوعًا أو تسليمًا للحقوق والسيادة والمكانة؟
وأخيرًا، تبقى الاستراتيجية الدفاعية حاجة أساسية وضرورية، للدولة وللجيش وللمقاومة، وعبرها تتحدد أطر المسؤولية المشتركة لكل مكونات الوطن نحو منظومة دفاعية متماسكة، يشترك الجميع فيها بالقرار وبالعمل وبالتنفيذ.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024