معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

هل ستنجح مباحثات
30/09/2020

هل ستنجح مباحثات "المغرب" الجديدة في إيجاد التسوية الليبية؟

تونس - روعة قاسم

مرة أخرى تعود الوساطة المغربية الى واجهة الاهتمام في الملف الليبي بعد أن استؤنفت في مدينة "بوزنيقة" جولات جديدة من المباحثات بين الأطراف الليبية إثر تعطل مسار التفاوض طيلة الأشهر الماضية. وكانت الجولة الأولى قد انطلقت في السادس من الشهر الماضي  بمدينة "بوزنيقة" المغربية وجرت بين وفدي المجلس الأعلى للدولة والذي يمثّل حكومة طرابلس، وبين وفد مجلس نواب طبرق الداعم للواء خليفة حفتر. ومن أهم نتائجها الاتفاق بشأن تحديد المعايير والآليات المتعلقة بتولي المناصب السيادية، في الدولة. وتبدأ الجولة الثانية الخميس وستُخصص للبحث في آليات شغل المناصب السيادية واختيار أعضاء مجلس رئاسي جديد.

حيوية جديدة في مسار التفاوض

وتعطي هذه المباحثات نَفَساً وحيوية جديدة لقطار التسوية الليبية الذي تعطّل مرارا طوال الأعوام الماضية، وكان لذلك وقع كبير وسيئ على المشهد السياسي في ليبيا، وعلى الحياة اليومية للمواطنين الليبيين الذين دفعوا طيلة السنوات الماضية ثمن هذه الحرب العبثية بين الفرقاء الليبيين وداعميهم الخارجيين. ولعل السؤال المطروح اليوم هو هل ستنجح هذه المباحثات الجديدة في ما فشلت فيه باقي المبادرات الإقليمية والدولية؟

يرى البعض أن اعلان رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج عن رغبته الصادقة بتسليم مهامه الى السلطة التنفيذية القادمة في نهاية تشرين الأول، وذلك بعيد أول جولة من المباحثات في مدينة بوزنيقة المغربية، يؤشر الى أن هذه المباحثات تتقدم بخطى حثيثة نحو تسوية ما للأزمة الليبية الأشد تعقيدًا في المنطقة. فقرار تسليم السلطة ليس سهلًا في بلد يسيطر فيه صراع المصالح والنفوذ بين الأقطاب السياسية، ويبدو أن أهم شروط لاستئناف التفاوض المباشر بين فرقاء الصراع أي بين حكومة الغرب والشرق هو الاتفاق على حكومة جديدة ومجلس رئاسي جديد يجمع الفرقاء مجددا. ولعل ما يميز الجولات الجديدة هو ثقة الأطراف الليبية بدور الرباط كطرف محايد، وهذا ما يزيد من فرص نجاحها. فالمغرب أيضا قامت بجهود جبارة في الصخيرات سنة 2015 وكانت ثمار مسيرة متكاملة من الوساطات الإقليمية لدول الجوار الليبي أي تونس والجزائر والمغرب. واليوم تتجه الأنظار مجددًا الى المغرب والى ما سيتمخض عنه الاتفاق الجديد من نتائج يأمل الليبيون بأن تكون ملموسة على الأرض  وأن لا تبقى حبرًا على ورق كما باقي الاتفاقيات التي وقعّها الأطراف الليبيون وبقيت دون نتائج فعلية، اذ من المتوقع، أن تسفر مشاورات بوزنيقة، عن اختيار أعضاء المجلس الرئاسي الجديد، الذي سيتكون من رئيس ونائبين، ورئيس حكومة مستقل.

الدور الخارجي والمعادلة النفطية

ويبدو أن هناك توجهًا دوليًا نحو فضّ الأزمة الليبية أو نحو إيجاد تفاهمات حول صفقة بين القوى الكبرى المؤثرة في هذا الملف على تقاسم النفوذ والسلطة والموارد النفطية.. وهي البنود غير المعلنة في هذا الاتفاق المرتقب ولكنها حجر الأساس في أية تفاهمات ليبية جديدة.

فمنذ سنوات يعاني هذا البلد النفطي من صراع مسلح كان أحد أهم أركانه هو السيطرة على الموانئ النفطية. واليوم تتزامن المباحثات الجديدة مع هدنة أعلنت في آب الماضي أعقبها اتفاق على إعادة العمل بالموانئ النفطية، وكذلك اعلان المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، استئناف الإنتاج في "السرير" أكبر الحقول النفطية في البلاد. فهذا الحقل كان يؤمن حوالي 300 ألف برميل يوميًا قبل إغلاق حقول ومنشآت نفطية بعيد هجوم قوات حفتر في كانون الثاني الماضي، ما أدى إلى تراجع إنتاج ليبيا من النفط إلى أقل من 100 ألف برميل يوميًا من حوالي 1.2 مليون برميل يوميًا قبل الإغلاق.

فمعادلة تسليم السراج للسلطة الى وجوه توافقية جديدة، أعقبتها خطوة هامة من قبل  حفتر يوم  18 أيلول الماضي، عندما أعلن الرجل القوي في ليبيا، فكّ حصار الحقول والمنشآت المغلقة، واستئناف إنتاج وتصدير النفط. وهذا يؤكد أن النفط واقتسامه هو جزء لا يتجزأ من أي تسوية قادمة وهو كلمة السر في أية مفاوضات تُجرى.

 ويرى بعض المراقبين أن عودة انتاج النفط من شأنه أن يعيد الحيوية الى المفاوضات الجارية ويمهّد الطريق لتوقيع اتفاق جديد سيحسب للمملكة المغربية بأنها كانت عرابته بعد فشل وتعثر اتفاق الصخيرات الذي وقّع سنة 2015.

 وفي المقابل فإن أي اتفاق جديد سيوقع في مدينة بوزنيقة لا يكن أن يأتي بنتائج ملموسة ويحقق التسوية على الأرض ويعيد الاستقرار، ما لم يرتبط بتفاوض بين الأطراف الدولية على إعادة التوازنات فيما بينها بعد أن خرج الملف الليبي من سيطرة الليبيين وبات مرتبطًا باللاعبين الخارجيين.

 ومهما يكن من أمر فإن إعادة الفرقاء الليبيين الى طاولة المفاوضات مجددًا تعطي الأمل بإمكانية تحقيق الاستقرار المنشود الذي طال انتظاره في المنطقة، خاصة ان الخطر الإرهابي أصبح على الحدود بين ليبيا ودول الجوار، بعد أن قامت أنقرة مؤخرا بنقل مرتزقة إرهابيين من سوريا الى ليبيا للقتال الى جانب حلفاء أردوغان في هذا البلد.

فأيّ فشل في هذا المسار التفاوضي الجديد سيؤدي الى انعكاسات سلبية ليس فقط على أمن ليبيا بل أمن المنطقة وشمال افريقيا ككل.

ليبيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات