معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

اعتذار أديب.. والتأديب لواشنطن وحلفاء التطبيع
28/09/2020

اعتذار أديب.. والتأديب لواشنطن وحلفاء التطبيع

سعد حمية

لم تفوت واشنطن وربيبتها "اسرائيل" وحلفاء التطبيع مع العدو فرصة في مواجهة حلف ممانعة ومقاومة التطبيع بأي شكل من الأشكال. وبما أن لبنان في كل الأحوال ساحة من ساحات المواجهة المحتدمة في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة، فلا بد من ان تترك تداعياتها على الأوضاع اللبنانية المتأزمة أصلاً، واحد تجلياتها أزمة تشكيل الحكومة بتعقيداتها المحلية والدولية والاقليمية بعد المبادرة الفرنسية التي شكلت نافذة أمل إذا ما احسن استغلالها.  

هذا الأمل سرعان ما تلاشى بعد اعتذار رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب عن عدم تشكيل الحكومة وأعاد اللبنانيين إلى مربع انتظار مشاورات تكليف رئيس جديد ما يعني العودة إلى دوامة التعقيدات وتكرار الاملاءات والشروط والشروط المضادة وبدء مهل جديدة في وقت لم يعد ترف تضييع الوقت فيه في مصلحة اللبنانيين جميعاً.

تقع مسؤولية اهدار هذا الوقت وتضييعه على عاتق من يقف وراء اعتذار أديب وأوحى له بهذه الخطوة أو أوجد ظروفاً أجبرته على سلوك ممر اجباري يقوده حتماً إلى الاعتذار إذا أحسنّا الظن به ولم نقل انه انقلب على تفاهمات تم التوصل اليها عقب اجتماعه مع المعاون السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب علي حسن خليل، وربما تكون قد أزعجت كلًّا من واشنطن والرياض وحلفائهما في لبنان من أصحاب السيادة والحياد والعلاقات الايجابية مع دول الخليج بواقعها التطبيعي المتوسع.

ظروف الاعتذار هذه ربما تكون مهدت لها محلياً وشوشات رؤساء الحكومات السابقون ودعواتهم المتواصلة لعدم التعاون والاصرار على حكومة مستقلين وإدارة الظهر للأطراف الأخرى وصولاً إلى تمايز موقف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن الرؤساء الاخرين، ثم المواقف الاميركية التصعيدية بعد مسايرة المبادرة الفرنسية إلى حين وقت الاعتذار.

لا يخفى على أحد أن مواقف واشنطن تسير في منحى تصاعدي منذ سنوات عدة واخيراً وصلت إلى حلفاء حزب الله وهي تلوح بأخرى جديدة تطال حلفاء جددًا بهدف فكفكة تحالفات حزب الله وتفاهماته مع الاخرين وصولاً إلى محاصرته وعزله وتطويق نفوذه. وقد تفننت واشنطن في توقيت هذه العقوبات بحيث تتزامن مع استحقاقات معينة، فيكون الهدف منها ممارسة الضغط لاتخاذ مواقف تصب في مصلحتها او عرقلة تفاهمات ما سواء كانت محلية او دولية كما حصل مع المبادرة الفرنسية التي أزعجت واشنطن وكانت تتحين الفرص للقضاء عليها وهي عبرت عن تفهم في البداية ثم اعلنت عن تباين فخلاف في وجهات النظر إزاء التعاطي مع حزب الله اعقبه فرض عقوبات في ذورة تشكيل الحكومة في وسالة محددة وواضحة ترمي اولاً الى عرقلة تشكيل الحكومة وثانيا عزل حزب الله عن حلفائه وإرهابهم وصولاً إلى التخلي عنه!

إلى ذلك فإن واشنطن وفي موقف جديد كشفت عن استراتيجيتها مؤخراً في مواجهة حزب الله منذ 2005 إذ أوضح مساعد وزير الخارجية دايفيد هيل امام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس ان الإدارات الامريكية المتعاقبة أنفقت في لبنان منذ 2005 الى الآن، عشرة مليارات دولار على "القوى المسلحة ومنظمات المجتمع المدني"! وفي حين تقول الأرقام إن سقف ما تمثله المساعدات الأميركية للجيش اللبناني يبقى تحت سقف 4 مليارات كحد أقصى، فيبدو أن واشنطن أنفقت 6 مليارات دولار على ما أسماها "هيل" منظمات المجتمع المدني وكل ذلك في إطار مواجهة حزب الله وعزله وتقويض نفوذه في لبنان!

والغريب انه حينما كان حزب الله أو أحد حلفائه يتحدث عن تمويل منظمات مدنية أو جهات سياسية أو وسائل اعلام من سفارة واشنطن في عوكر، كان هؤلاء يقيمون الارض ولا يقعدونها، لكن ماذا سيقول هؤلاء لهيل بأنه فضحهم وأزال ورقة التين عنهم وان كل ما كان يقال عن حزب الله لتشويه صورته وعزله في بيئته وعن البيئة اللبنانية كان ممولا من واشنطن وحلفائها تمهيداً  لمحاصرته سياسياً واضعافه؟

وبموازاة الموقف الأميركي، كان الموقف السعودي لا يقل عدائية، فكانت الرياض وعبر ماكينتها الاعلامية والسياسية وبالتعاون مع واشنطن تستهدف بمناسبة او من دونها حزب الله وحكومة حسان دياب وهي رمتهما بسهام التشكيك والفساد، وعندما طرحت المبادرة الفرنسية في لبنان، ظهر امتعاض الرياض اولا عبر ابواقها التي توقعت افشال المبارة الفرنسية من قبل حزب الله وحلفائه  ثم عبر تصريحات الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الذي ذهب بعيداً في تحميل الحزب مسؤولية تدهور الاوضاع اللبنانية مطالبا بنزع سلاح حزب الله متماهياً مع أحد اهم اهداف العمليات الاسرائيلية المدعومة اميركياً ضد حزب الله وفي ذورة موجة التطبيع الخليجي مع "اسرائيل" وتهافت دولٍ لا تخيط خيط ابرة إلا بموافقة الرياض ومشورتها!!

وأمام هذا الواقع، من رؤساء حكومات سابقين واحزاب وشخصيات بات التطرف خبزها اليومي وحزب الله شغلها الشاغل ومورد رزقها،  وواشنطن المتحفزة لمواجهة حزب الله والقضاء عليه، والرياض المهجوسة بالانتقام من حزب الله وتمريغه انفها في اليمن وفي مناطق اخرى، كيف يمكن ان نرى حكومة تراعى فيها التوازنات السياسية داخليا؟! والاغرب ان بعض الاطراف اللبنانية تستقوي بالخارج على جزء كبير من اللبنانيين وهم يظنون أن بامكانهم استثناء مكون سياسي أثبت أهميته في حياة لبنان السياسية إرضاء لرغبات دولية واقليمية! إن هؤلاء كما توهموا سابقاً ان تغير المعادلات الاقليمية قد يكون لمصلحة واشنطن وحلفاء التطبيع مع "اسرائيل" ويراهنون حالياً على احداث تغيير معتمدين على سياسية أنا ومن بعدي الطوفان ويقودون البلاد إلى المجهول ولكن الواقع يقول ان هؤلاء جميعا، يبدو أنهم لم يتعظوا ولن يتعظوا من التجارب السابقة التي اثبتت فشل رهاناتهم وارتدت عليهم خيبة ومزيداً من الاحباط.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل