آراء وتحليلات
التعاون العسكري الروسي ـ الصيني ـ الايراني: تغير في جيو-استراتيجية العالم
صوفيا ـ جورج حداد
ليس من شك أن الولايات المتحدة الاميركية، وبسبب بعدها الجغرافي خلف المحيط وطبيعة نظامها الاحتكاري الرأسمالي اليهودي ـ الربوي ـ المافيوزي، كانت المستفيد الأكبر من الحرب العالمية الثانية، وخرجت من تلك الحرب بوصفها أقوى وأغنى دولة في العالم، تمتلك قوة عسكرية لا مثيل لها في التاريخ عنوانها الأول القنبلة الذرية، وتمتلك اقتصادا اسطوريا يضاهي ويزيد على اقتصادات جميع دول العالم مجتمعة.
وفي تلك الأثناء، كان الاتحاد السوفياتي السابق (وقلبه روسيا)، الذي وقع عليه العبء الأكبر من تبعات الوحشية النازية، قد خسر ثلاثين مليونا من ابنائه في الصراع ضد النازية، ناهيك عن ملايين الاسرى الذين استخدموا كأرقاء وعبيد عمل في خدمة المجمع الصناعي ـ الحربي للوحش النازي. وكان الاقتصاد الروسي والسوفياتي مدمرا تدميرا شبه كامل.
وفي الوقت ذاته كانت الصين، حينما تستلم الشيوعيون الحكم فيها في ايلول 1949، افقر بلد في العالم، ويموت فيها كل سنة 5 ـ 10 ملايين انسان من الجوع.
ولكن بعد نهاية الحرب، وبالرغم من الحصار الغربي الكامل، فإن الشعب الروسي ـ السوفياتي الجبار "قام من بين الاموات" (حسب تعبير الاسطورة المسيحية الاورثوذوكسية) ونهض من الحضيض، وحقق طفرة علمية ـ ثقافية ـ اقتصادية ـ عسكرية مذهلة، فأرسل أول انسان ليطير في المدار الارضي سنة 1961، وكوّن جيشا مهيبا قادرا على ابادة اميركا تماما بالصواريخ النووية، وعلى اكتساح كل اوروبا الغربية بالاسلحة الكلاسيكية في بضعة ايام او بضع ساعات. كما ان الصين الشعبية، وبالقيادة الحكيمة للحزب الشيوعي الصيني وبقوة جيش التحرير الشعبي الصيني الباسل، نفضت عنها غبار التخلف الالفي، الخرافاتي ـ الديني وشبه الديني، وانجزت نهضة عارمة لا مثيل لها في التاريخ، وبدون أن تستعمر وتنهب أي بلد اخر، حققت في بضعة عقود تقدما علميا ـ اجتماعيا ـ صناعيا هائلا يضاهي ويفوق ما حققته اميركا واوروبا الغربية الاستعماريتان في عدة مئات من السنين.
و
ولكن أميركا، وكما يقول سبيغنيو بريجينسكي ذاته، ضيعت فرصة السيادة على العالم، بسبب حساباتها الجيوستراتيجية الخاطئة التي تجلت بالاخص في: خسارة الحرب الظالمة على افغانستان في 2001، وخسارة الحرب الظالمة الثانية على العراق في 2003، وخسارة الحرب بالوكالة ـ الاسرائيلية على المقاومة في لبنان في 2006.
و
وكان سبيغنيو بريجينسكي قد قال قبل موته في 2017 ان اميركا ستواجه كابوسا اذا تم التحالف بين روسيا والصين. ونصح بريجينسكي اميركا بالعمل على خلق التباعد والفرقة بين العملاقين الشرقيين ومحاولة الايقاع بينهما.
ولكن الرياح تجري بما لم يكن يشتهي بريجينسكي.
و
وفي الكتاب الابيض الصيني عن الدفاع، الصادر في تموز 2019 يذكر أيضا أن التعاون مع روسيا في الحقل العسكري يتطور على مستوى عال ويلعب دورا هاما في ضمان الاستقرار الستراتيجي للعالم.
ويؤكد الكتاب الابيض الصيني أن التعاون العسكري الروسي ـ الصيني سوف يواصل التوسع والتعمق برا وبحرا وجوا.
ومنذ سنة 2012 والى اليوم يواصل كبار القادة العسكريين الروس والصينيين اللقاءات التشاورية الاستراتيجية. وتقول المعلومات المسربة الى الاعلام إن أكثر من 3600 ضابط صيني قد أنهوا في السنوات الأخيرة دراستهم في مختلف الاكاديميات العسكرية الروسية. كما يجري البلدان المناورات التدريبية العسكرية المشتركة في بحر البلطيق والمحيط المتجمد الشمالي وبحر الصين وغيرها حيث تشارك في المناورات مئات الغواصات والسفن الحربية والطائرات المقاتلة والقاذفات الاستراتيجية وأسلحة الصواريخ على أنواعها ناهيك عن المشاة والمغاوير وقوات الانزال البحري والجوي والوف المدافع الميدانية والدبابات والمدرعات.
وفي تموز الماضي، قامت القوات الجوية الروسية والصينية بأول تحليق مشترك لها فوق المياه الدولية في بحر اليابان وبحر شرقي الصين، مما اثار ردود فعل حادة لدى حلفاء اميركا في الشرق الاقصى ودول الناتو. كما قام الطيران الاستراتيجي الروسي، وبالتنسيق مع الصين، بالتحليق لاول مرة بالقرب من حدود جزيرة تايوان، في تحد مكشوف لأميركا التي تضع تايوان تحت مظلتها. كما أعلن الاميرال الاميركي فيليب دافيدسون أن الصواريخ الباليستية والغواصات الروسية تمثل تهديدا وجوديا لأميركا في الشرق الاقصى، وأن تدعيم القوة العسكرية للصين سيؤدي الى خسارة اميركا لتفوقها العسكري في السنوات القادمة قبل سنة 2050 كما كان يحسب حتى الان. وأكد أنه على أميركا أن لا تسمح بقيام حلف عسكري روسي ـ صيني لأن ذلك من شأنه أن يشكل تحديا للنظام العالمي القائم.
ويقدر محللون استراتيجيون أميركيون أن التعاون بين روسيا والصين يخرج عن نطاق التعاون العادي، وأن هدفه ليس فقط تحدي اميركا وحلفائها، بل الذهاب نحو تشكيل حلف عسكري بين العملاقين.
وتخوفات الكتلة الغربية من التحالف الروسي ـ الصيني مفهومة تماما، لأن التحالف بين دولتين بهذه القدرات الاقتصادية والعسكرية، كما لروسيا والصين، سيؤدي حتما الى قلب كل الميزان الجيو-استراتيجي على الكوكب الارضي.
و
وما زاد في مصيبة الكتلة الغربية بزعامة أميركا، ان روسيا والصين لم تتوقفا عند حدود التعاون فيما بينهما، بل اتجهتا نحو التعاون مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، التي تحمل الآن لواء المواجهة والمقاومة العربية ـ الاسلامية ضد الامبريالية الاميركية ـ اليهودية العالمية ومخلبها الاقليمي "اسرائيل".
وبالتفاهم الضمني وتوزيع الادوار مع القيادة الايرانية الصلبة والحكيمة، وبنفس طويل، وبتطبيق سياسة العصا والجزرة، تعمل روسيا والصين على زعزعة العلاقة بين تركيا والسعودية ومصر وبين الكتلة الغربية، بهدف أبعد هو ترسيخ مواقع محور المقاومة العربي ـ الاسلامي وتأليب دول العالم العربي ـ الاسلامي كلها ضد الامبريالية الاميركية ـ اليهودية و"اسرائيل".
والآن، عشية الانتخابات الرئاسية الاميركية القريبة، يتسابق حزبا "الفيل" الجمهوري و"الحمار" الديمقراطي الاميركيان للدخول الى البيت الابيض. ولكن ايا كان الفائز في هذه الانتخابات فإن الزعامة الامبريالية ـ اليهودية العالمية لاميركا ستسقط عند اقدام التحالف الروسي ـ الصيني ـ الايراني، الصادق والنزيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024