آراء وتحليلات
طفرة في منظمات الـNGO .. ما هي الأهداف؟
محمد حمدان
يعيش العالم العربي في العقد الأخير طفرة جديدة اجتاحت عقول الكثير من شعوب هذا العالم، هي "الثورة". ففي أواخر العام 2010 ومطلع العام 2011، اندلعت "ثورات" في بعض الدول العربية أمثال تونس وليبيا ومصر وسوريا. بعضها أخذ طابعًا سلميًا، والبعض الآخر ولد كي يصبح ذا طابع إرهابي، فتغيرت أنظمة وصمدت أخرى. لكن المؤكد أن الخارطة الجغرافية - السياسية "الجيوبوليتيك" للمنطقة بدأت تتغير، وحققت العديد من الدول الغربية مكاسب سياسية واقتصادية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. وتشير المكاسب وما حققته تلك الدول، الى أن "الثورات" - على تشابه أدائها وشعاراتها - إذا لم تكن مفتعلة، فقد جرى دعمها - استغلالها - عبر تلك الدول.
وكما لكل طبخة مقاديرها، فإن لكل ثورة خصائص لتحقيق أهدافها. وهذه الخصائص تختلف معاييرها مع اختلاف الأنظمة، فالبعض لم يكن بحاجة إلا لضغط الشارع، والبعض الآخر سقط بحركة "الكش ملك" الشطرنجية؛ يعني قُتل الحاكم فسقط النظام. أما طابع الثورة الذي نال اهتمام العالم بأسره، فهو الارهابي، كالذي شهدته الجمهورية العربية السورية الذي وحتى اليوم ما زال يراكم الفشل بالرغم من كافة محاولات الإنعاش.
في السابع عشر من تشرين الأول - اكتوبر 2019، انتقلت عدوى "الثورة" إلى لبنان، قبيل اعلان وزير الاتصالات آنذاك محمد شقير وضع رسوم ضريبية على "الواتساب" ما أشعل نار الغضب في نفوس اللبنانيين، بدت وكأنها كانت خامدة بانتظار من يؤججها. نزل اللبنانيون حينها بالآلاف إلى الشوارع، حيث قطعت الطرقات وأضرمت النيران، واعتدي على الممتلكات العامة والخاصة. وبالتزامن مع انطلاق "الحراك" الذي وُصف بالثورة، ظهرت على الساحة اللبنانية فئة جديدة داعبت طروحاتها بشكل لافت غير بريء مشاعر اللبنانيين ومطالبهم المشروعة، وشكلت داعمًا أساسياً للحراك هي " المنظمات غير الحكومية (NGO). رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري، كان أوّل المستقيلين من مهامه في تحجمّل مسؤولية ما آلت الى الأوصاع في لبنان، علمّا أن تياره السياسي، كان الشريك الأول في كل السياسات النقدية التي اتبعت منذ التسعينيات.
بحسب ما هو متعارف عليه رسمياً، فإن هذه المنظمات (NGO) هي مجموعات تطوعية، لا تستهدف الربح، ينظّمها مواطنون على أساس محلي أو قطري أو دولي. وعندما تكون عضوية المنظمة أو نشاطها مقصور على بلد معين، تُعتبر عندها منظمة غير حكومية وطنية. أما إذا تجاوزت أنشطتها حدود البلد المعني، فتصبح منظمة غير محلية دولية.
في لبنان ومع اقتراب مناسبة السنوية الأولى "للثورة"، بات واضحاً أن الـ (NGO) فيه تختلف مهامها عن المهام الأساسية الموكلة إليها. تتحرك عبر أجندة إقليمية سياسية تستبطن المطالب المعيشية من أجل ضرب بنية الدولة ونسف مكامن القوة فيها كما محاصرة قوى مقاومة وحلفائها.
بلغ عدد المنظمات غير الحكومية المدرجة في لبنان 800، مقسمة إلى 11:
- المعنية بالدعم: 434
- المعنية بالتطوير: 418
- المعنية بالناس: 375
- المعنية بالتعليم: 268
- المعنية بالصحة: 149
- المعنية بالإغاثة: 119
- المعنية بالبيئة والطبيعة:73
- المعنية بالمواد الغذائية: 56
- المعنية بالتمويل: 41
- المعنية بالايمان: 36
- المعنية بالحيوانات: 19
كل قسم معني بعدد من المهام الموكلة إليه, تتفرع منه المنظمات وأسماؤها:
-حقوق مدنيه: 103
- حقوق الانسان :117
-حقوق العمّال: 14
-الشؤون القانونية: 50
-اعلام: 27
-السلام: 33
-الأمن: 17
المعنية بالتطوير:
-التثقيفية: 192
-أبحاث: 102
-الوعي: 184
-الرياضة: 10
-استدامة: 51
المعنية بالناس:
-الأطفال: 200
-لاستخدامات كبار السن: 10
-أسرة: 51
-المستوطنات البشرية: 9
-السكان الأصليون: 15
-السكان: 49
-نساء: 69
-شباب: 206
المعنية بالتعليم:
-تطوير المهارات: 123
المعنية بالصحة:
-التقدم في السن: 8
-الإعاقة: 43
-الأمراض والمشاكل الصحية: 30
-الأدوات الطبية: 39
-دعم المرضى: 51
المعنية بالإغاثة:
-الكوارث: 1
-المساعدة الإنسانية: 14
-اللاجئين: 90
المعنية بالبيئة والطبيعة:
-التنوّع الحيوي: 13
-الصيانة والحماية: 31
المعنية بالمواد الغذائية:
-زراعة: 31
-أمن غذائي" 3
-الجوع: 4
-التغذية: 16
المعنية بالتمويل:
-التمويل: 14
-تمويل المشاريع الصغيرة: 4
-تجارة: 26
المعنية بالايمان:
-المعتقدات: 10
-الأخلاقيات: 11
-الدين: 31
المعنية بالحيوانات:
-سلامة الحيوانات: 7
-صيد: 1
-الحفاظ على الحياة البرية: 18
في الذكرى الـ 76 للاستقلال، اعتاد اللبنانيون على الاحتفال الرسمي الذي تقيمه الدولة اللبنانية والذي يتخلله عرض عسكري لكافة الأجهزة الأمنية والجيش اللبناني بحضور عدد من الشخصيات، لكن هذه السنة كان الأمر مختلفًا، إذ أقيم في ساحة الشهداء عرض مدني، ضم أكثر من 38 فوجًا، وكلّ فوج يضمّ 57 شخصًا حيث العدد الإجمالي المطلوب هو 3078 شخصاً، على الشكل التالي:
فوج الدرجات الهوائية، وفوج المعلمين، فوج الطلاب، وفوج البيئة، وفوج الموسيقيين، وفوج المحامين، وفوج الفنانين، وفوج قدامى العسكريين، وفوج الأطفال، وفوج الأمهات، وفوج الإعلام، وفوج الأطباء، وفوج الخبراء المحاسبين، وفوج المهندسين، وفوج الصيادلة، وفوج العمال، وفوج الصناعيين، وفوج الاندفاع، وفوج الصناعيين، وفوج الزراعيين، وفوج الطناجر، وفوج حقوق النساء، وفوج الآباء، وفوج الحرفيين، وفوج نساء ورجال الأعمال، وفوج المبدعين، وفوج الطاقة، وفوج الرياضيين، وفوج السياحة، وفوج المغتربين، وفوج الإرادة، وفوج المشاة، وفوج حقوق الانسان. بالإضافة إلى فوج بيروت، وفوج جبل لبنان، وفوج الشمال، وفوج الجنوب، وفوج البقاع.
وإذا ما دقق الباحث في اسم كل فوج يجد أن هذه الأفواج تحمل أيضًا أسماء العديد من المنظمات غير الحكومية الواردة سابقًا. وهذا يستوجب طرح سؤال جدّي: هل كان هذا العرض مدنيًا، أم هو عرض منظّم لأفواج الـ (NGO) تطرح بدائل جديدة عن مؤسسات ونقابات الدولة المعروفة؟
أجمع اللبنانيون على شعار واحد "محاربة الفساد"، لكنهم اختلفوا جميعًا على الكيفية، واستغل البعض هذا الشعار لتحقيق نواياه السياسية، والبعض الآخر اتخذه فرصة لركوب موجة الثورة فاختلط الحابل بالنابل.
ردد أغلبية الثوار شعارًا لفت جميع الأنظار إليه "كلن يعني كلن"، وهذا الشعار لم يأت عن عبث، فالـ "كلن يعني كلن" تعني الجميع، لكن هل الجميع كان مشاركًا فعلًا في الفساد؟
الهدر والفساد المالي والإداري الحاصل في الكيان اللبناني تعود أسبابه إلى السياسات الاقتصادية المتّبعة منذ التسعينيات، والسلطة السياسية طرأت عليها تغييرات عدّة، فالمجلس النيابي اختلف التمثيل فيه، والحكومة اللبنانية تعاقب على رئاستها كثيرون. وهناك قوى سياسية كانت مقصية عن الحكم حينها عاودت دخول الساحة السياسية اللبنانية في الوقت الذي كان الفساد فيه ينهش الإدارات الرسمية والوزارات.
"كلن يعني كلن" هو شعار يتهم جميع الطبقة السياسية الحاكمة من دون استثناء بالفساد، و"الثوار" لم يكتفوا بالتعميم بل اتجهوا نحو دفع الاتهامات بالفساد وكيل السباب إلى فريق معيّن كان دخوله الى الحكم حديثًا نسبيًا، مقابل التعتيم على دور أفرقاء آخرين كان لهم دور رئيسي بما وصلت اليه الأمور في لبنان. وشهد لبنان من خلال هذه "الثورة" نوعًا جديدًا في ما يسمى "إبداء الرأي" وهو الشتم. وشنت حملات غير أخلاقية ركزت على رموز معينة من قبل محطات تلفزيونية وجرائد ومواقع على منصات التواصل الاجتماعي.
ومع دخول لبنان نفق "كورونا" ما أوجب الإقفال العام، كانت الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب قد شكلت وسط معارضة من قبل الجمعيات المدعومة خارجيًا، ومع حلول الأزمة الصحية انخفضت حدة التظاهرات وأصبحت إلى حد ما شبه معدومة في أغلب المناطق اللبنانية، إلى أن أعيد فتح البلد تدريجيًا، وعادت ساحات التظاهر مشرعة أمام من يخطط. ومع العودة الأولى "للثوار" الذين تحولوا من مواطنين يطالبون بحقوقهم المعيشية المشروعة في 17 تشرين الاول، الى عدد من المحزّبين الذين يرفعون شعارات سياسية موجّهة، تحوّلت المطالب نحو الدعوة الى "سلاح حزب الله"، مع زخم اعلامي غير متوازٍ مع حجم المظاهرات المحدود، ترافق ذلك مع تعمّد الاساءة الى رموز المقاومة.
في الرابع من آب / أغسطس، أحدث انفجار مرفأ بيروت زلزالًا انسانيًا وسياسيًا في لبنان، قرابة 190 شهيدًا وآلاف الجرحى، مع اضرار كبيرة في البنى التحتية والأبنية السكنية في الأحياء المجاورة لمكان الانفجار. وسرعان ما استغلّت بعض وسائل الاعلام الحدث للتصويب السياسي الممنهج، يدعمها في ذلك "مثقفو أميركا والخليج"، وبدأت سلسلة الأكاذيب والشائعات، تصب حقدها على المقاومة من خلال اتهامها زورا ودون أدلة بالتسبب بالانفجار.
مع أن لبنان في ذلك الحين كان يحتاج الى مضاعفة الجهود المبذولة حكوميًا للملمة آثار الانفجار، الا أن الضغوطات التي مورست دفعت برئيس الحكومة حسان دياب الى تقديم استقالته. ومنذ ذلك اليوم، يتواصل الضخ الاعلامي الممنهج والتشويه المستمر غير المسبوق للحقائق بغية النيل من المقاومة وحلفائها داخليًا.
أكثر من ملاحظة تم تسجيلها على هامش الانفجار حول المنظمات غير الحكومية، ترتبط بالمساعدات التي أمّنها الخارج وخص بها هذه الجمعيات للقيام بمهمة مساعدة المناطق المنكوبة من الانفجار، وقد تبخّرت هذه المساعدات تحت أسماء جمعيات وهمية، ستكشف الأيام المقبلة الكثير منها.
إذا كان الحراك في السودان قد أنتج قيادة عسكرية هرولت إلى التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وإذا كانت تونس قد أنتجت نظامًا قلقًا غير مستقر، وإذا كان الحراك في مصر قد حيّدها عن مشاكل الأمة وقضاياها، وفي ليبيا استولد حربًا أهلية تطيح بثروات البلد ومقدّراته، وفي سوريا دمّر المدن والبيوت والقرى تحت عناوين مطلبية، فماذا يريد محرّكو بعض الجمعيات المشبوهة المنظّرة للفراغ والفوضى، من لبنان واللبنانيين؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024