آراء وتحليلات
الحرب الأميركية على بيئة المقاومة: خلخلة ركائز التأييد [1]
علي مراد
في دراسة مطوَّلة تزيد على 270 صفحة صادرة عام 2012 عن مؤسسة "راند" الأميركية حملت عنوان "الفهم والتأثير على الدعم الشعبي للتمرد والإرهاب"، يدرس الباحثون الأميركيون فيها العوامل التي تضمن التأييد الشعبي لحركات التمرّد و"الإرهاب" (بعباراتهم)، للخروج بتوصيات لمؤسسات الأمن القومي الأميركي لوضع استراتيجيات مناسبة لضرب هذا التأييد وإفقاد التنظيمات الركائز التي يقوم عليها وجودها. يستعمل الباحثون ما تسمى "نظرية الحركة الاجتماعية" لتحليل عوامل التأييد، ويعرضون حالات دراسة على تنظيمات كـ "القاعدة" وحزب العمال الكردستاني وطالبان والماويين في نيبال. لا تتطرّق الدراسة إلى حزب الله، لكنها تأتي على ذكره مع حركة حماس في معرض الاستشهاد بعامل الفعالية للتنظيم. في هذا المقال ستجري محاولة إسقاط العوامل قيد الدراسة على حالة المقاومة الإسلامية في لبنان، لمحاولة تفسير الاستراتيجية الأميركية لمحاولة إضعاف التأييد الشعبي لحزب الله في بيئته.
تعرّف دراسة "راند" القواعد الأساسية للتأييد الشعبي لحركات "التمرّد" على أنها تتمثّل بالعوامل الأربعة التالية: فعالية المنظّمة، الدافع، الشرعيّة المتصورة، وقبول التكاليف والمخاطر. فيما يتعلق بفعالية المنظّمة يعتبر الباحثون أنّ توفّر كاريزمية القيادة، والذخيرة الأيديولوجية والتأطير، والقدرة على تعبئة الموارد واستغلال الظروف والتكيّف معها، والحضور والتكتيكات والأفعال على الأرض، تُعتبَر الشروط الأساسية لتقييم عامل الفعالية، الذي بنظرهم يمكن مع الوقت أن يصبح مسبّباً ومولِّداً للعوامل الأخرى التي تحكم حجم التأييد الشعبي للتنظيم (المتمرد أو الإرهابي حسب وصفهم).
وفي كثير من المحطات التي واكبت المقاومة عند كل استحقاق، من حرب تموز 2006 وصولاً إلى الحرب في سوريا، وليس انتهاءً بالأزمة الاقتصادية والمعيشية الحالية في لبنان، كان هناك عمل واضح - ولا يزال - لمحاولة ضرب النظرة الإيجابية لحزب الله في بيئته من أبواب كثيرة، كإشاعة أنّه "غامر" بحياة جمهوره في حرب تموز 2006 عبر التسبّب باندلاع العدوان الاسرائيلي، ولاحقاً إشاعة أنّ الحزب أرسل شبابه "ليموتوا" في سوريا في خطوة متهوّرة وحسابات خاطئة، في محاولة لإسقاط صورة الحزب الذي كلما دخل حرباً أو استحقاق نجح، وهم بذلك يضمنون ضرب باقي الركائز التي يقوم عليها عامل الفعالية، لزرع نظرة مشكّكة في بيئته على أنّه فقَدَ بريقه وبات يفشل.
وأما العامل الثاني وهو "الدافع" لتأييد التنظيم أو قضيته، فقد أدرج الباحثون ركائز من نوعين: هوياتية ومصلحية. أما الركائز الهوياتية فهي تقوم على ركائز فرعية هي المفاهيم الأيديولوجية والدينية، والمفاهيم الثقافية (الحمية والشرف والانتصار للكرامة ورفض المحتل). والركائز المصلحية تتمثّل بالسعي للحصول على التقدمات الاجتماعية وتحسين المكانة الاجتماعية، والحماسة والجاذبية والمجد. وفي حالة حزب الله، تنطبق هذه الركائز (بالحد الأدنى الهوياتية) التي يقوم عليها عامل "الدافع"، وهنا يبرز البعد العقائدي الشيعي الذي يقوم على المفاهيم الإيمانية الثورية. وبخصوص الركائز الثقافية التي تتوفّر في جزء كبير من بيئة المقاومة، فنجد الدوافع المنطلقة من الانتصار للكرامة والشرف ورفض الاحتلال ومقاومته. محور الاستهداف هنا يعمل عليه الأميركي بأدوات ثقافية بحتة، فلا يمكن الركون إلى السيل الجارف للعولمة والثورة التكنولوجية والاستهداف الثقافي العام الذي ينشره الأميركيون بشكل عام في كل بقاع الأرض، بل تتطلّب عملية الاختراق والإضعاف لقاعدة التأييد جهوداً وأدوات خاصة بالبيئة المستهدَفة. وفّرت وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي الأداة التي أطل عبرها الاستهداف الثقافي الأميركي، ولكن ليس بيديه بشكل مباشر، بل عبر معتنقي ثقافته الليبرالية بشكل أساسي، من الإعلاميين والناشطين الاجتماعيين والقيّمين والعاملين في بعض منظّمات "المجتمع المدني" والأكاديميين إلخ .. هذا النوع من الاستهداف يعمل ضمن خطّين موازيين، الأول صِدامي هجومي تتصدّى له شخصيات غالباً ما تكون قد خرجت من بيئة المقاومة، والثاني مهادِن جذّاب يركّز عمله على إثارة الشكوك والبلبلة وطرح التساؤلات، ويدخل من أبواب تعني الجميع كالأوضاع المعيشية والممارسات المذمومة التي تحصل في بيئة المستهدفين.
وفي عامل الشرعية المتصوَّرة، يدّعي الباحثون أن التنظيمات "المتمرّدة" تحظى بتأييد شعبي على قاعدة أنّ العنف مسموح وشرعي استناداً إلى الأيديولوجيا الدينية، أو المعتقدات الأخلاقية، أو الحاجة إلى الأخذ بالثأر، أو النزوع الثقافي، أو ببساطة الضرورة. كون الهوية الثقافية لمعدّي الدراسة لا تؤمن بأي شكل من الأشكال بما تنطلق منه حركات المقاومة الإسلامية في هويتها الثقافية لشرح مسوّغاتها ومنطقها الذي تحكمه الأسس الشرعية، لن يقتنع بشرعية أي عمل تقوم به هذه الحركات، كون أهدافه هي المعاكسة تماماً لأهداف المقاوم والساعي للتحرّر. إنّ
وختاماً في عامل "قبول التكاليف والمخاطر" يقسّم الباحثون الركائز الفرعية لهذا العامل إلى: تقييم المنتصر، المخاطر الشخصية وتكاليف الفرص، وتعويض التكاليف والضغوط الاجتماعية. هذه الركائز في حالة حزب الله يُعمَل على استهدافها حالياً وبشكل واضح منذ 17 تشرين الأول الماضي.
ليس بالضرورة ان تكون هذه الدراسة الصادرة عام 2012 هي المرجع الأكيد الذي يفسّر استراتيجية واشنطن الحالية التي تستهدف بيئة حزب الله في لبنان، لكن المؤشرات التي باتت تظهر منذ العام الماضي تشي بأنّ
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024