معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

النفط والغاز: عنوان مواجھة تركیة ـ أوروبیة - عربية في المتوسط
04/09/2020

النفط والغاز: عنوان مواجھة تركیة ـ أوروبیة - عربية في المتوسط

سركيس ابوزيد

يتواصل التوتر في میاه المتوسط ويتصاعد الخلاف حول الغاز والنفط بین تركیا من جھة والیونان وقبرص من جھة أخرى. فقد أعلنت تركيا عن مناورات عسكریة في شرق البحر المتوسط، تلاها تحذير من حلف شمال الأطلسي "ناتو" من التصعید، ودعت الولایات المتحدة كلا من أنقرة وأثینا إلى الحوار كما دعتھما ألمانیا إلى سحب سفنھما من المنطقة.

فرنسا من جهتها انضمت إلى مناورات عسكریة مع إیطالیا والیونان وقبرص في شرق البحر المتوسط، وازداد التوتر بین أثینا وأنقرة ووصلت الأمور إلى حد الحشد العسكري المتبادل للطرفین، وحذر إردوغان الذین یدفعون الیونان إلى مواجھة البحریة التركیة ولن یقفوا خلفھا، في إشارة غیر مباشرة إلى فرنسا.

حتى الیوم، لم ینجح الأوروبیون في التوافق على سیاسة متشددة إزاء تركیا رغم إجماعھم على إدانة أنشطتھا غیر الشرعیة في المیاه القبرصیة والیونانیة. وبكلام آخر، فإن الإدانة البلاغیة شيء والإجراءات العملیة بحق تركیا شيء آخر. والسبب في ذلك الانقسامات في الصفوف الأوروبیة، ولیس أدل من ذلك التمایز الذي برز بشكل واضح في المواقف بین ماكرون ومیركل، إذ ذھبت برلین إلى حد التندید بإرسال فرنسا قوة بحریة - جویة لدعم الیونان وإصرار برلین على خفض التصعید والحوار مخرجا من المشكلات الراھنة.

  في الوقت الذي تستقوي فیه قبرص والیونان بعضویة الاتحاد الأوروبي وتستغل تركیا وجودھا في حلف شمال الأطلسي، تبدو احتمالیة المواجھة العسكریة بین الیونان وقبرص مع تركیا مستبعدة خاصة أن الأزمات الداخلیة في الاتحاد تدفع إلى إرجاء أي أزمات جدیدة.  

توسعت نزاعات شرق المتوسط البترولیة مؤخرًا مع تصاعد طموحات تركیا في عھد إردوغان. فقد تحدى أولًا الاكتشافات القبرصیة، لكنه أخفق في ثني جمھوریة قبرص عن إیقاف نشاطھا البترولي. وساندت دول السوق الأوروبیة قبرص (الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي). ثم تنازع إردوغان مع مصر حول حدودھا البحریة مع قبرص. وردت الحكومة المصریة ببیان شدید اللھجة تحذر فيه تركیا من التدخل في شؤونھا السیادیة.

كما بادرت القاھرة الى دعوة مجموعة من الدول المصدرة والعابرة والمستھلكة لغاز شرق المتوسط للاجتماع في القاھرة، وتأسیس منتدى لغاز شرق المتوسط، وشاركت في الاجتماع التأسیسي مصر، وقبرص، و"إسرائیل"، والیونان، وإیطالیا، والأردن. وقد دعي لبنان لحضور الاجتماع، لكن بیروت اعتذرت لمشاركة "إسرائیل" في تأسیس المنتدى. بادرت تركیا منذ حینه بالتوجه نحو لیبیا، وعقد اتفاقات أمنیة واستراتیجیة مع بعض أطراف النزاع ھناك، واتجھت مؤخرًا نحو حوض سرت النفطي العملاق في شرق لیبیا، مما صعد من احتمالات المواجھات العسكریة الجدیدة (محلیا وإقلیمیا ودولیا) في شرق المتوسط.

حققت تركیا نجاحًا اقتصادیًا باھرًا خلال السنوات الأخیرة، لكن أنقرة واجھت مشكلة، وھي افتقادھا حقول النفط والغاز. ورغم السواحل طویلة المدى لتركیا على كل من البحر المتوسط والأسود، لم یتم العثور على حقول بترولیة، لكن تركیا استغلت تشیید السدود المائیة الضخمة لتولید الطاقة الكھربائیة، مما ساعدھا على تلبیة بعض حاجاتھا من الطاقة، لكن لیس بشكل كاف. واللافت أن تركیا التي تعتبر واحدة من دول العبور المھمة للنفط والغاز من الشرق (روسیا، وأذربیجان، وكازخستان، وإیران والعراق) إلى الغرب (دول السوق الأوروبیة المشتركة)، استغلت ھذه المشروعات للعب دور الترانزیت، لكن لم تحاول استقطاع حصة وافیة لھا للاستھلاك المحلي من النفط والغاز الذي یصَدّر إلى الأسواق العالمیة من خلال موانئھا.

لكن مؤخرًا حصل تحول هام حيث أعلن الرئیس التركي رجب طیب إردوغان اكتشاف أكبر حقل غاز طبیعي في تاریخ تركیا في منطقة البحر الأسود، لافتًا إلى بدء إنتاج وتوزیع الغاز على المواطنین وتصدیره إلى الخارج عام 2023 الذي یشھد الاحتفال بمئویة الجمھوریة التركیة كما یشھد الانتخابات البرلمانیة والرئاسیة في تركیا.

بخلاف معظم جوارھا الإقلیمي، فإن تركیا البلد الوحید الذي یفتقر إلى موارد نفطیة أو غاز طبیعي. وقد استعاضت تركیا عن ذلك، وھذا ما وفره لھا موقعھا الجغرافي الاستراتیجي لكونھا منطقة عازلة - واصلة بین الدول المنتجة (إیران، روسیا، العراق، آذربیجان) والدول المستھلكة (أوروبا)، لتكون مركزًا لتوزیع ولمرور خطوط أنابیب النفط والغاز الطبیعي من الشرق إلى الغرب. وبالفعل، تحولت خریطة تركیا خلال سنوات إلى شبكة عنكبوت لخطوط الطاقة من كل الجھات في اتجاه أوروبا. وسعت تركیا، في السنوات الأخیرة، لتكون أیضًا محطة مرور إلزامیة وأقل كلفة للنفط والغاز الطبیعي المكتشف في شرق المتوسط. لكن الصراعات السیاسیة حالت دون ذلك، بل عملت الدول المنضویة في "منتدى غاز شرق المتوسط"، وھي مصر و"إسرائیل" وقبرص الیونانیة والیونان وإیطالیا، لعزل تركیا بعدم دعوتھا للانضمام إلى المنتدى. لكن الأكثر تھدیدًا لطموحات تركیا كان مشروع بناء خط أنابیب "میدإیست" من "إسرائیل" ومصر وقبرص إلى الیونان فإیطالیا بطول ألفي كلم وكلفة حوالى 8  ملیارات دولار، لنقل الغاز والنفط المكتشفین إلى السوق الأوروبیة، والذي تقّدر قیمته  بثلاثة تریلیونات دولار وتغطي حاجة أوروبا على ثلاثین سنة. وھذا كان من أھم أسباب الاندفاعة التركیة في شرق المتوسط والتدخل في لیبیا وتوقیع اتفاقیة ترسیم الحدود البحریة بین أنقرة وحكومة فایز السراج، والتي تلحظ منطقة بحریة مشتركة بین تركیا ولیبیا.

مع ذلك، فإن تركیا كانت تصب اھتمامھا في أن تكون دولة نفطیة كما في المتوسط كذلك في البحر الأسود حیث یمكنھا التنقیب في حدود مناطقھا الاقتصادیة الخالصة فیھما.

رغبة تركیا الجامحة في أن تكون دولة نفطیة كانت من عوامل التوتر في أكثر من منطقة، ولا سیما في شرق المتوسط وشمال أفریقیا. ولا ننسى أن واحدًا من أسباب الحرب على سوریا رفض دمشق أن تمرر مشروع خط أنابیب الغاز من قطر إلى تركیا فأوروبا عبر سوریا. وفي سیاقات البحث عن دور في الطاقة لم تتردد أنقرة في نسج تفاھمات مع قوى ودول متناقضة ومتصارعة. فعبر تركیا تمر خطوط من إیران ومن العراق ومن آذربیجان ومن روسیا.

هذا الواقع جعل من تركيا دولة حائرة بين مصالح متناقضة وخيارات مصيرية تتراوح بين جسر تواصل أو حروب متنقلة.

الغاز

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل