آراء وتحليلات
كيان "دولة لبنان الكبير".. من غورو الى ماكرون
صوفيا ـ جورج حداد
حتى نهاية العهد العثماني المشؤوم كانت تسمية "لبنان" تطلق فقط على "جبل لبنان" أو ما اصطلح على تسميته "لبنان الصغير"، أي بدون الأقضية الأربعة: الشمال (طرابلس)، وبيروت، والبقاع، والجنوب (صيدا وصور). وكان يقطن "الجبل اللبناني" بشكل رئيسي الدروز والمسيحيون الموارنة. وطوال العهد العثماني كان "الجبل" امارة ذات استقلال ذاتي، تدفع الضرائب للباب العالي العثماني. وقد حكمها الأمراء المعنيون الدروز، ثم ـ منذ سنة 1697 ـ أنسباؤهم الأمراء الشهابيون (المسلمون السنة الذين تحولوا الى المارونية)، وذلك حتى سنة 1861 تاريخ انشاء المتصرفية بعد المذبحة الطائفية في 1860.
وفي 1858 ثار الفلاحون الموارنة ضد الاقطاع، بقيادة طانيوس شاهين (البيطار)، ورفعوا شعار "الجمهورية" لأول مرة في تاريخ الشرق. وحصل الثوار في البداية على دعم البطريركية المارونية. ولكن الثورة الفلاحية أغرقت في الفتنة الطائفية في 1860، وتم ذبح القرويين المسيحيين البؤساء، بالتواطؤ بين الاقطاعيين، والولاة الاتراك، والقنصلية الفرنسية وبعض رجال الكنيسة من وراء الستار.
وحينذاك وقفت فرنسا (وكل اوروبا الغربية "المسيحية!") تتفرج على الدخان المتصاعد من بيوت القرى المسيحية المحروقة، في حين أن السفن الحربية الفرنسية كانت تتنزه قبالة السواحل اللبنانية.
وبنتيجة القمع والاذلال والاضطهادات الفظيعة التي تعرض لها المسيحيون الشرقيون على مدى مئات السنين، على يد السلطات وقطعان الرعاع السائرين معها، كان قد نشأ في "لبنان الصغير" تيار "شعبي" مسيحي كبير يعتبر "الغرب المسيحي!" هو الضمانة لوجود المسيحيين الشرقيين. وكانت الكنيسة المارونية تقود هذا التيار، ولا تزال الى اليوم تمتلك الكلمة الاولى فيه.
وبعد سقوط الحكم العثماني في أواخر الحرب العالمية الاولى، وذلك في أعقاب المجاعة والاعدامات التي طبقها "الاتراك الفتيان" ضد الاستقلاليين العرب ولا سيما ضد المثقفين المسيحيين اللبنانيين، دخلت القوات الفرنسية الى "منطقة سوريا ولبنان" وأعلنت الانتداب على هذه المنطقة بتفويض من "عصبة الامم" حينذاك، بينما دخل الانكليز "منطقة فلسطين وشرقي الاردن والعراق"، وذلك بموجب اتفاقية سايكس ـ بيكو الاستعمارية اللصوصية. وحصل الانتداب الفرنسي على دعم التيار المسيحي "اللبناني" الموالي للغرب.
وقد ظهر في هذا التيار اتجاهان:
ـ1ـ اتجاه "انعزالي" يقول بتكوين "وطن قومي مسيحي" في "جبل لبنان" حيث توجد اكثرية ساحقة مسيحية واقلية درزية، وهذا هو "لبنان الصغير". ومن هنا جاء طرح موضوعة "القومية المسيحية"، على غرار موضوعة "القومية اليهودية" التي كانت قد طرحتها الحركة الصهيونية بدعم من الغرب الاستعماري الطامح الى غزو الشرق.
ـ2ـ والتيار الثاني "انفتاحي" يقول بتشكيل "لبنان الكبير" وذلك بضم سهل البقاع والشمال (طرابلس) وبيروت والجنوب (صيدا وصور)، وتكون عاصمته بيروت. وقد استند هذا الاتجاه ايديولوجيا الى ان بعلبك والبقاع وطرابلس والشمال وبيروت وصيدا وصور كانت تاريخيا مدنا ومناطق فينيقية معروفة. ومن هنا جاء طرح موضوعة "القومية الفينيقية" او "الامة الفينيقية"، الاعرق والاقدم من "القومية العربية" و"الامة العربية" التي يربطها القوميون العرب السطحيون بالفتح الاسلامي. علما أن جميع الأحداث التاريخية الموضوعية تؤكد ان الفينيقيين انفسهم اتوا قبل آلاف السنين الى سوريا الطبيعية وشرقي المتوسط، من شبه الجزيرة العربية ذاتها التي أتى منها "الفتح الاسلامي" فيما بعد. أي أن الفينيقيين (الاراميين ـ الكنعانيين، الذين صار اسمهم السريان مع ظهور المسيحية، وهم الذين اعطوا اسمهم لسوريا) هم عرب قدماء قبل الاسلام وقبل المسيحية.
وكان مشروع تكوين "دولة لبنان الكبير" صيغة كيانية أكثر ملاءمة لاعطاء "لبنان الصغير ـ المسيحي" مدى حيويا وتكوين دولة أكثر قابلية للحياة سياسيا، وثقافيا ـ حضاريا، واقتصاديا، وامنيا ـ عسكريا، وخصوصًا لجهة التأكيد على "انفتاح المسيحيين"، و"رسالية" التعايش المسيحي ـ الاسلامي، و"حضارية" الارتباط بفرنسا والغرب المسيحي.
ولكن عملية ضم الأقضية الأربعة الى "لبنان الصغير" المسيحي كانت تعترضها عقبتان:
الاولى ـ هي أن الغالبية الساحقة من سكان هذه الأقضية كانت من المسلمين (سنة وشيعة)، مما يهدد بطمس "الهوية المسيحية" للبنان والعودة ـ ولو بأشكال أخرى أقل همجية في الظاهر من التقاليد العثمانية ـ الى أزمنة تهميش المسيحيين واضطهادهم.
الثانية ـ هي أن القاعدة الشعبية والقيادات الدينية والسياسية في "الاقضية الاربعة" أعلنت عن عدم رغبتها في الانفصال عن سورية، وأيدت "الحكومة العربية" في دمشق بقيادة الامير فيصل بن الحسين.
ولمواجهة هاتين المعضلتين عمد المندوب السامي الفرنسي الجنرال غورو الى اجراء عملية جراحية جذرية في سوريا بالذات. اذ احتشدت القوات الفرنسية وزحفت نحو دمشق واصطدمت بالمتطوعين السوريين بقيادة يوسف العظمة وزير الحربية في حكومة فيصل العربية، ووقعت المعركة غير المتكافئة في 24 تموز 1920، في سهل ميسلون غربي دمشق، حيث استشهد يوسف العظمة مع 400 من المتطوعين الابطال، بينما فقد الفرنسيون بضع عشرات فقط من الجنود. ودخل الجنرال غورو مزهوا الى دمشق، وذهب الى قبر صلاح الدين الايوبي وركل القبر برجله وقال كلمته الشهيرة "استيقظ يا صلاح الدين. ها قد عدنا!". وقام غورو بطرد الامير فيصل، الذي نصبه الانكليز ملكا على العراق تحت الوصاية الانكليزية، ونصبوا اخاه عبد الله (الاول) أميرًا على شرقي الاردن التي تحولت فيما بعد الى مملكة.
وعاد الجنرال غورو "المنتصر" الى بيروت، ليقطف ثمار انتصاره(!).
وفي 1 ايلول 1920 جمع الجنرال غورو الوجهاء الدينيين والسياسيين من متصرفية جبل لبنان والأقضية الأربعة التي تقرر إلحاقها بلبنان الصغير وأبلغهم بقرار تقديم هدية "الام الحنون" فرنسا الى اللبنانيين، وهي قرار تكوين "دولة لبنان الكبير" كجمهورية "مستقلة" (اي مستقلة عن سوريا) عاصمتها بيروت، وتستنسخ دستورها من الدستور الفرنسي، ولها علم "مستقل" هو العلم الفرنسي وفي قلبه الارزة اللبنانية. ولم ينس الجنرال غورو أن يذكّر ضيوفه الأوفياء بالقول "ان الفتية الفرنسيين الذين قدموا حياتهم في ميسلون هم عرّابو استقلالكم!".
وعلى غير المتوقع جاء الرد على اعلان غورو من الجنوب. اذ في 22 حزيران 1921 حاول الثائر الجنوبي ادهم خنجر اغتيال الجنرال غورو، ولكن الرصاصة أصابت اليد الاصطناعية لغورو فنجا من الموت. ولجأ ادهم خنجر الى حمى سلطان باشا الاطرش في جبل العرب بسوريا. وقد اعتقله الفرنسيون في 7 تموز 1922، بغياب سلطان الاطرش عن قريته. وتم نقله الى بيروت حيث اعدم بسرعة في السنة ذاتها. وكان اعتقال ادهم خنجر السبب المباشر لاشتعال الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي. وقد شاركت منطقة راشيا ـ حاصبيا في الثورة. ويتداول ابناء قرية "العقبة" (الواقعة تحت راشيا الوادي) ان لحوم الثوار من ابناء القرية التصقت بجدران قلعة راشيا التي حاولوا اقتحامها، فأصلتهم الرشاشات الفرنسية الثقيلة بنيرانها. وآخر منطقة اخمدت فيها الثورة السورية الكبرى هي منطقة شبعا، بسبب طبيعتها الصخرية التي تساعد في تمترس الثوار خلف صخورها ومتابعة المقاومة.
وعمل المستعمرون الفرنسيون على بناء نظام سياسي ـ اقتصادي، طائفي ـ زبائني ـ مركنتيلي تابع للغرب وخصوصا فرنسا، تكون الارجحية فيه للمسيحيين الموارنة، مع استرضاء خاص للبرجوازية العقارية والتجارية السنية، الوريثة الشرعية لاصحاب السلطة والجاه في العهد العثماني، ومن ثم تقديم ترضيات لزعماء ووجهاء واغنياء الطوائف الاخرى. وفي عام 1932 جرى اخراج مسرحية احصاء سكاني ـ طائفي، لتبرير وقوننة المحاصصة الطائفية في النظام اللبناني "الدمقراطي التوافقي"، الذي يكرس لبنان كفيديرالية سياسية ـ طائفية. والهدف الرئيسي من كل هذا "الاخراج التاريخي" لـ"دولة لبنان الكبير" هو تكريس لبنان كرأس جسر "غربي"، ذي وجه عربي، في منطقة الشرق الاوسط.
وفي تلك المرحلة كانت النازية الهتلرية والفاشية الموسولينية والفرنكوية تشق طريقها في المانيا وايطاليا واسبانيا. وكان المستعمرون الفرنسيون منقسمين على انفسهم بين معجبين بالنازية وراغبين في التبعية لها، وبين مصرين على الاحتفاظ باستقلالية الاستعمار الفرنسي. ولتأكيد "الخصوصية الوطنية" و"الحضارية التاريخية" للانتماء "الغربي" للبنان، قرر المستعمرون الفرنسيون انشاء حزب "الكتائب اللبنانية" على اسم "الكتائب الاسبانية" للجنرال فرانثيسكو فرنكو الذي اباد مليون مواطن جمهوري اسباني في الحرب الاهلية الاسبانية سنة 1936-1939. وفي 1936 ارسل الفرنسيون الشيخ بيار الجميل (الجد) الى المانيا لحضور دورة الالعاب الاولمبية في الظاهر، وعمليا للاطلاع على التجربة الحزبية النازية.
وبعد عودته الى لبنان اسست له المخابرات الفرنسية "حزب الكتائب اللبنانية" على الطريقة النازية تماما. وأهدى المستعمرون الفرنسيون الحزب الجديد la base navale "القاعدة البحرية" في الصيفي لتكون مقرا للحزب، والتي تحولت خلال الحرب اللبنانية والاحتلال الاسرائيلي الى "المجلس الحربي" لـ"القوات اللبنانية" والمقر الرئيسي للموساد في لبنان. و"الباز نافال" هي اليوم "البيت المركزي" لحزب الكتائب. وقد عزف الحزب الجديد على وتر "المظلومية التاريخية" للمسيحيين و"التفوق الفينيقي ـ اللبناني"، ونادى بـ"القومية اللبنانية ـ المسيحية ـ الفينيقية" الوهمية، المعادية للعروبة وللاسلام، والمنادية بكون لبنان هو جزء لا يتجزأ من العالم الغربي ـ المسيحي المتحضر. وكان تنظيم الحزب نسخة مكررة عن التنظيم النازي الهتلري، تنظيميا وسياسيا وعسكريا. وكان الهدف "الاقرب" والاساسي لحزب الكتائب هو السيطرة بالعنف والقوة المسلحة على المجتمع المسيحي اللبناني، وفرض "الايديولوجية المسيحية المفينقة" المعادية للعروبة عليه، والتوصل الى تثبيت معادلة "الحزب = الامة" بحيث يصبح الانتماء المسيحي مرادفا للانتماء الحزبي الكتائبي. وكل ذلك كمقدمة شرطية للانتقال الى فرض "الايديولوية اللبنانية المفينقة" (مع مسحتها المسيحية المميزة) على المجتمع الاسلامي اللبناني بجميع اطيافه.
ولكن ظهور الحزب الشيوعي اللبناني، والحزب السوري القومي الاجتماعي، بمبادئهما الوطنية والقومية والتقدمية والعلمانية، وانتشارهما السريع والواسع في صفوف المثقفين والجماهير الشعبية المسيحية، افشل المخطط الحزبي (الكتائبي) للاستعمار الفرنسي، وفضح وعرّى لامصداقية ايديولوجيته التاريخية والقومية والحضارية المزعومة. وبصرف النظر عن الانتماءات والنزاعات السياسية والحزبية الجارية، فإن الكتلة الشعبية المسيحية اليوم هي كتلة مجتمعية تدين بالعلمانية والتعددية الدينية والمجتمعية المدنية والوطنية اللبنانية والانتماء الثقافي والحضاري والتاريخي العربي للبنان. ولا يغير هذه الحقيقة قيد انملة المساعي المحمومة والمريضة لحزب "القوات اللبنانية" الذي يطمح لوراثة حزب الكتائب الاصلي المفلس، ولكنه محكوم بالفشل سلفا لانه ليس سوى نسخة كاريكاتورية عن حزب بيار الجميل الذي اسسته المخابرات الفرنسية، وليس الاثنان الان سوى بيدقين في ايدي الموساد الاسرائيلية.
وخلال الحرب العالمية الثانية احتل النازيون الالمان فرنسا، وتشكلت حكومة "فرنسا الحرة" في المنفى في لندن. فضعفت فرنسا الاستعمارية كثيرا وصار من الضروري نقل لبنان من تحت المظلة الفرنسية الى تحت المظلة البريطانية. وهذه هي الخلفية التاريخية التي تم على اساسها اخراج المسرحية الدرامية للاستقلال الشكلي للبنان، الذي انجز تلك المهمة، في تشرين الثاني 1943. وهكذا بدلا من عرّابي "دولة لبنان الكبير": "الفتية الفرنسيين الذين قدموا حياتهم في معركة ميسلون"، حسب تعبير الجنرال غورو، برز المفوض البريطاني الجنرال ادوارد سبيرس، بوصفه المخرج والعرّاب الرئيسي لاستقلال "لبنان الميثاق الوطني" الطائفي في تشرين الثاني 1943.
وبعد المسرحية الدرامية لحرب 1948-1949 بين دول جامعة الدول العربية ودولة "اسرائيل" الجديدة، وهي الحرب التي اريد منها تكريس شرعية وجود "الامر الواقع" de facto لـ"اسرائيل" عبر توقيع اتفاقيات الهدنة بينها وبين الدول العربية المحاربة، بعد هذا التطور الجوهري في الجيوستراتيجية الاقليمية، بدأ النفوذ الاميركي يحل بالتدريج محل النفوذ البريطاني والفرنسي في لبنان. وكان للامبريالية الاميركية ـ اليهودية ثابتتان رئيسيتان في الشرق الاوسط هما:
-1- الاستيلاء على مصادر الطاقة.
-2- ضمان أمن "اسرائيل".
وكان الاميركيون والكتلة الغربية بأسرها موقنين بأن لبنان هو مضمون الولاء للغرب الامبريالي، ومن ثم لا يمكن ان يشكل اي خطر على اسرائيل. وعلى هذا الاساس غص لبنان بجيوش من رجال شتى المخابرات الغربية، وخاصة الاميركية والاسرائيلية، التي بنت علاقات وثيقة وعلاقات عمل مشترك مع جميع احزاب وقيادات ما يمكن ان نسميه بقاموس اليوم: فريق 14 اذار.
ومع ذلك فإن لبنان ـ الشعبي، ومن وراء ظهر او الاصح القول: تحت انف جميع المخابرات الاميركية والغربية والاسرائيلية، تحول الى فصيلة الصدام العربية الطليعية ضد الامبريالية الاميركية واليهودية العالمية واسرائيل، من ايام الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة المعلم كمال جنبلاط وحركة "امل" بقيادة الامام موسى الصدر، الى ايام حزب الله والقيادة الصادقة والقادرة والحكيمة للسيد حسن نصر الله.
وقد اشعلت الكتلة الغربية الحرب الاهلية في لبنان، ثم تم الاجتياح الاسرائيلي لبيروت ذاتها في 1982، واخيرا لا آخرا تم "بالصدفة" تفجير بيروت الاخير من اجل دفع لبنان ـ الشعبي المقاوم للسقوط والاستسلام. ولكن لبنان ـ الشعبي ظل صامدا، ولا يزال، بعكس كل توقعات كل المخابرات الغربية المعادية.
والان تقف الامبريالية الاميركية واليهودية العالمية واسرائيل وهي في اشد البلبلة والحيرة: ماذا يمكن ان تفعل بهذا "اللبنان"؟
ولم يتورع وزير الخارجية الفرنسية ذاته عن تنبيه اللبنانيين ـ من باب اسداء "نصيحة صديق!" طبعا ـ بأن لبنان معرض للاختفاء!
وعليه ينبغي ان نقول إن الازمنة قد تغيرت، وموازين القوى العالمية والاقليمية والمحلية قد تغيرت. فاليوم، وبدون اذن من الباب العالي التركي او الاميركي، تجوب الغواصات الروسية البحر الابيض المتوسط طولا وعرضا حاملة تشكيلة من الصواريخ الجميلة والرشيقة لمن يهمه الامر. واليوم يصل مدى الصواريخ الباليستية الايرانية الى اي نقطة في الشرق الاوسط الكبير. واليوم تقف الصواريخ "الذكية" والاقل ذكاء، للمقاومة الوطنية اللبنانية، جاهزة لحظة بلحظة للانطلاق الى الاهداف المرسومة.
لقد كان فيما مضى لدى السفن الحربية الفرنسية ترف التمتع برؤية الدخان يتصاعد من القرى المسيحية المحروقة التي تجرأت في ذلك الزمان الباكر على رفع لواء الثورة على الاقطاع ورفع شعار "الجمهورية" لينير سماء الشرق الغارق في غياهب الظلم والظلامية. اما اليوم فإن الاساطيل الحربية الاميركية والفرنسية والتركية والاطلسية ليس لديها الترف ولن يكون لديها الوقت للتمتع بمشهدية "احراق لبنان". والاقرب للمنطق والمعقول ان "اسرائيل" وجميع اشكال وقواعد الوجود الاميركي والامبريالي الغربي في غرب اسيا، هي التي ستحترق، قبل ان يحترق لبنان، تماما كما احترق مشروع الداعشية "الغربي" في سوريا وفي جرود لبنان.
لقد هرول مانويل ماكرون الى لبنان وهو يكثر من الثرثرة حول الاصلاحات والمساعدات للبنان، ولكن هدفه الاساسي هو البحث عن جواب للسؤال الجيواستراتيجي:
ـ اين وبماذا أخطأت فرنسا الاستعمارية في انشاء "دولة لبنان الكبير"؟
وهو سيحاول تلمس الجواب عن هذا السؤال لدى جميع الاطراف اللبنانية بدون استثناء، اي بمن في ذلك ـ وخصوصا ـ لدى الاحفاد الجهاديين لأدهم خنجر، الذي حاور بالرصاص الجنرال غورو، المهندس الاول للكيان السايكس ـ بيكوي: "دولة لبنان الكبير".
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024