آراء وتحليلات
استغلال كارثة المرفأ.. استمرار لحرب تموز 2006
صوفيا ـ جورج حداد
في العقدين الماضيين حققت المقاومة الوطنية اللبنانية (ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي ـ الاسرائيلي) انتصارين كبيرين على العدو الاسرائيلي:
الأول ـ هو تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة (ما عدا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا).
والثاني ـ هو الانتصار الكبير في المواجهة بين المقاومة والجيش الاسرائيلي (الذي لا يقهر!) في حرب تموز 2006.
في الانتصار الاول كان العدو يحتل الارض بشكل مكشوف والمقاومة موجودة في الخفاء. وقد استفادت المقاومة الوطنية اللبنانية من الأخطاء السابقة للمقاومة الفلسطينية على الأرض اللبنانية، خصوصًا لجهة تجنب الاستعراضية الفارغة والفاضحة والتموضع في مراكز وقواعد مكشوفة للقاصي والداني. وقد طبقت المقاومة الوطنية اللبنانية التكتيكات المجربة والناجحة لحرب العصابات الشعبية الكلاسيكية ضد جيوش الاحتلال النظامية، وهي التكتيكات القائمة على قواعد المباغتة و"اضرب واهرب". وبنتيجة العمليات المتواصلة للمقاومة "اقتنع" العدو انه فقد زمام المبادرة، وانه يخضع لحرب استنزاف لا قدرة لمجتمعه المصطنع أن يتحملها، وأنه يدفع ثمنًا باهظًا لاحتلال الارض اللبنانية، وهو ما لم يعتد عليه في احتلال أي أرض عربية أخرى، ففضّل الانسحاب الفراري بدون شروط من الارض اللبنانية.
وفي الانتصار الثاني كانت الظروف معكوسة: فالعدو كان خارج الأرض اللبنانية المحررة، ويريد التقدم لاحتلال الارض و"تنظيفها" من جيوب المقاومة حيثما توجد. ولكن العدو ووجه بمفاجأتين جديدتين تماما:
ـ1ـ كما يحدث في أي حرب نظامية، حشد العدو قواته وأسلحته المتفوقة (التي كان ينتصر بها على جميع الجيوش العربية) وقام بالقصف الميداني والجوي الكثيف تمهيدًا لتقدم نخبة قواته من المدرعات والمشاة للامساك بالارض و"تنظيفها". وفي المعارك الشرسة التي نشبت، كان على المقاومة الوطنية اللبنانية أن تدافع عن الارض، وتمنع العدو من الامساك بها. ولهذه الغاية طبقت المقاومة نصيحة القائد هملقار برقة لابنه القائد القرطاجي الفينيقي العظيم هانيبعل برقة "دع الارض تقاتل عنك". وبعد أن "مشّط" القصف المعادي الارض شبرًا شبرًا وتقدمت ارتال العدو للامساك بالارض، خرج المجاهدون الاشاوس، أحفاد المدافعين الاسطوريين عن صور بوجه الاسكندر المقدوني والمدافعين الاسطوريين عن قرطاجة بوجه سيبيون الروماني، ـ خرجوا من رحم الارض وباطنها ليقدموا للعالم درسا جديدا في الابجدية الفينيقية، غير ابجدية الحروف، وهي ابجدية البطولة والعزة الوطنية والكرامة الانسانية. وقد فشل العدو في التقدم للامساك بالارض، وفرّ مهزوما من ارض المعركة.
ـ2ـ المفاجأة الثانية، الكبيرة، التي تعرض لها العدو في حرب تموز 2006، هي أن المقاومة قامت بالرد على القصف المعادي للاراضي اللبنانية، بالقصف الصاروخي غير المتوقع للمواقع الاسرائيلية. وكانت المقاومة تقوم بالتحريك السريع لقواعد اطلاق الصواريخ. فحينما كان طيران العدو يأتي لقصف مواقع الاطلاق كان يقصف مواقع خالية، وكانت صواريخ المقاومة تتابع قصف المواقع الاسرائيلية المحددة من قواعد اخرى.
لقد شكلت حرب تموز 2006 اول هزيمة للعسكرية الاسرائيلية في "حرب مواجهة" مع قوة محاربة عربية. وهذا يمثل نقطة تحول مفصلية في تاريخ الصراع العربي ـ الاسرائيلي وتاريخ وجود "اسرائيل". وقد سارعت "اسرائيل" لتشكيل ما سمي "لجنة فينوغراد"، للبحث في اسباب هذه الهزيمة ولايجاد السبل لتلافيها في المستقبل.
ويدخل في باب تبسيط الامور الاعتقاد ان "لجنة فينوغراد" قد اقتصرت على البحث في "تقصيرات" القوات الاسرائيلية والعمل لتلافي هذه "التقصيرات" في المستقبل. فالبحث في "التقصيرات" ونقدها كان هو الجانب الاصغر في عمل "لجنة فينوغراد". وفي رأينا المتواضع ان "لجنة فينوغراد" ومعها كل القيادات الاسرائيلية قد انكبت على البحث في ايجاد أشكال جديدة، غير متوقعة، للحرب ضد لبنان، شعبًا ومقاومة وجيشًا. وان استغلال تفجير بيروت في 4 اب 2020 هو استمرار لحرب تموز 2006، وبتعبير أدق هو رد اسرائيلي ـ اميركي ـ طابور خامسي لبناني على هزيمة "اسرائيل" في حرب تموز 2006، وهو "الحرب الاسرائيلية الثالثة" ضد لبنان.
ويجري الآن نشر فكرة وتسويقها، خاصة من خلال التحقيقات الامنية والقضائية الجارية، مفادها أن كارثة 4 آب 2020 هي "انفجار" وليست "تفجيرا"، وهي انفجار ناتج عن الاهمال والفساد لا غير.
لا شك ان الاهمال وعدم الكفاءة وعدم الشعور بالمسؤولية والاستهتار والفساد هي من العوامل المساعدة على تنفيذ هذه الجريمة الكبرى ضد الشعب اللبناني ومقاومته التي هزمت العدو الاسرائيلي لاول مرة في تاريخه. ولكن الحقيقة الجوهرية هي انه بموجب هذه العملية تم اختراع شركة دولية وهمية قامت بشراء كمية ضخمة من نترات الامونيا المتفجرة من النظام العميل لاميركا في جورجيا، وشراء او استئجار باخرة مشبوهة لنقل هذه المواد الى موزامبيق، ثم تحويل هذه الباخرة الى المرفأ اللبناني بطريقة مشبوهة تماما، ثم حجز الباخرة في لبنان ثم تفريغها في مرفأ بيروت بطريقة مشبوهة جدا جدا، ومن ثم زرع هذه القنبلة النووية الصغيرة في قلب لبنان والاحتفاظ بها طوال هذه السنوات لتفجيرها "بالوقت المناسب" وتدمير بيروت. وقد أسرع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، أسرع الى بيروت لرسم الخطوط العريضة لوضع لبنان تحت الوصاية الاجنبية.
لقد سبق للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ان قال "ان اسرائيل هي اوهن من بيت العنكبوت". و"اسرائيل" ليست دولة "عربية"، وتعرف ان السيد حسن نصر الله ليس زعيمًا "عربيا"، وبالتالي تعرف أنه لا يقول الا ويفعل. و"اسرائيل" لم تعد تنام والسيد حسن نصر الله والمقاومة "موجودان" على خاصرتها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024