آراء وتحليلات
بيروت منكوبة.. لا تغلقوا الأبواب والشبابيك
عبير بسام
استيقظت صباحاً وأنا أنظر باتجاه باب الشرفة الزجاجي وقد تحول إلى قطع صغيرة، اخترق بعضها الحائط الإسمنتي، وبعضها الآخر وصل انتشاره إلى نهاية غرفة الجلوس التي يبلغ طولها خمسة أمتار، وغطى طاولة الكمبيوتر والكرسي حيث أجلس وأعمل. كان الوضع وكأنني تلقيت خبر الانفجار من جديد. فساعة التفجير كنت في الجنوب، أقود سيارتي باتجاه بيروت ورأسي يضج بحجم المأساة التي حدثت، وما يمكن أن تكون تداعياتها، والاتصالات تتوالى من لبنان وخارجه تسأل عن صحتي وصحة العائلة وصحة لبنان. أراد الجميع أن يفهم ما الذي حدث بالضبط، وكثرة الأسئلة كشفت عن الحجم الكبير للانفجار الكارثي، وعندما دخلت بيروت الإدارية ابتدأ حجم الكارثة بالانكشاف.
ما إن انعطفت لأصل إلى الحي الذي أقطن فيه في مدينة بيروت نزولاً من جسر سليم سلام، باتجاه الباشورة، حتى ابتدأ صوت تكسر الزجاج تحت عجلات السيارة يخبر جزءاً من القصة، الناس في الشوارع، بعد ساعتين من الانفجار تتلفت يميناً ويساراً بذهول. في الحقيقة ولأول مرة لم تضج الأصوات في حينا بقدر ما كانت تضج الوجوه بحجم الفاجعة. في تلك اللحظات تصبح القيادة كما البساط ينسحب من تحت الأقدام، محل الخضار الذي يتسوق فيه الحي انقلب رأسًا على عقب، الناس تلملم أشياءها من البيوت، محل البيع أمام البيت يجمع ما تناثر ليغلقه، وتابعت السيارة طريقها فوق أكوام الزجاج المتساقط من أبنية الحي.
قبل أن أركن السيارة نزلت لأتفقد المنزل. كان في رأسي تصور ما، كنت أدعو الله ألا يكون صحيحاً، ولكنني نزلت واندفعت أفتح الباب، واذا بباب الجيران الغائبين مخلوعاً، بسبب هول الضغط الذي أحدثه الانفجار. دخلت منزلي فوجدت أن الأشياء تبعثرت ووجدت طريقها نحو باب الدار واستقرت على أطرافه، ولكن الهول الكبير كان عندما لمحت المكان الذي أجلس فيه عادة لأكتب مقالاتي وأجري أبحاثي على حاسوبي الشخصي وأبحر عبره في فضاء الإنترنت، مغطى بقطع من الزجاج الحاد، التي كان يمكن أن تخترقني.
لا أدعي أنني أعرف أحداً ممن يسكن أو يعمل في منطقة المرفأ أو حولها ولكن ما أعرفه أن منظر الجرحى والشهداء كان أكبر من أن يستوعبه العقل، وفي تلك اللحظات التي يحتاج فيها لبنان إلى التكاتف والتعاضد مع بعضه البعض ابتدأ بعض الأهل والأصدقاء إرسال مقاطع الفيديو التي تحمل تعليقات بعض المحطات التلفزيونية في لبنان، وبالأخص ما صرح به مارسيل غانم على تلفزيون المر "M TV". وبدأت بالتنقل ما بين المحطات لأتابع ما عليها، بعد أن كان التلفاز مثبتاً على المؤسسة اللبنانية للإرسال "LBCI". واتضحت ماهية ما يحدث، فإن مأساة لبنان لم تكن فقط بالكارثة التي حلت به، وإنما بالاستفزاز والتحريض السياسي الذي ترافق معها، وكأن ما في لبنان لا يكفيه.
وهنا لا يمكننا إلا أن نسأل، هل ما حدث عفوي أم مخطط له؟ الحاوية التي انفجرت تحتوي أكثر من 2750 طن من نترات الأمونيا بحسب ما صرح به المسؤولون الرسميون في لبنان، تجلس في المرفأ كقنبلة موقوته منذ أكثر من ست سنوات. وكأن العبوة تنتظر الوقت المناسب لتعيد إشعال لبنان من جديد لتهيئته للدفع نحو التصويب على الحكومة لتحميلها مسؤولية ما حدث. فبحسب ما نشر وتم تداوله في وسائل الإعلام ونشرت وثائقه، فإن حاوية نترات الأمونيوم وصلت إلى لبنان في العام 2014، وهناك معلومات خاصة تشير إلى أن الحاوية عمرها 10 سنوات تقريباً. وقد تم رفع شكوى إلى قاضي الأمور المستعجلة في العام 2014، تحت موضوع "طلب تحديد مصير كمية من نترات الأمونيوم موجودة في أحد عنابر مرفأ بيروت"، يطلب فيها المدير العام للمرفأ تحديد مصير الحمولة بسبب خطورتها، والذي أعيد تجديده في العام 2017، ولم يأت أي جواب بهذا الخصوص.
الأمر الملفت، هو أن أحد الأهداف التي أشار إليها نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني في أيلول/سبتمبر العام 2018 خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما حمل خريطة لبنان التي حملت أهدافا محتملة سيستهدفها الكيان في حال استهدف جنوده من قبل المقاومة في لبنان رداً على اغتيال اي من قيادة المقاومة، أحد هذه الأهداف كان مرفأ بيروت، متهماً حزب الله بامتلاك أسلحة فيه، وهذا ما أشار له بعض الإعلام "الإسرائيلي" اليوم، مع العلم أن شحنة الأمونيا التي تسببت بكارثة لبنان يوم الثلاثاء جاءت على متن الباخرة روسوس "RHOUS"، القادمة من جورجيا متوجهة إلى موزمبيق وتم حجزها في مرفأ بيروت حيث بقيت حمولتها. فالثابت أننا نعيش اليوم في عالم يجب ألّا تترك فيه الأمور للصدف.
"كمل النقل بالزعرور"، مع تصريح ترامب الذي واصل نغمة الاستغلال الداخلية، وهو التصريح الذي انتُقد عليه أيضًا من وزارة الحرب الاميركية وجاء فيه: أن قنبلة انفجرت في لبنان وما حصل هو اعتداء رهيب. وفي انتظار التحقيق، جاء إعلان النائب مروان حمادة قرار استقالته من المجلس النيابي، وطلب وضع القضية في عهدة المحكمة الدولية، ثم كرت المسبحة من وليد جنبلاط الى سمير جعجع وغيرهم كثر، حيث من الواضح أن المطلوب: أخذ لبنان نحو التدويل وتعطيله مرة أخرى.
عندما خرجت من المنزل ظهر الثلاثاء، أردت أن أفتح باب الشرفة المنفجر، أي تنفيسه، وفكرت للحظات أن الكيان الصهيوني ما زال يهدد لبنان، وأن انفجاراً قد يحدث، ومن الأفضل ترك الأبواب والشبابيك الخارجية "مشقوقة" قليلاً تحسباً لأي طارئ، ولكنني تكاسلت. لم أكن أعرف أن يوم الثلاثاء هو يوم انفجار ما في لبنان، ولكن من المؤلم أن نعرف أن حجم المؤمرات التي تحاك اليوم من أجل إدخال لبنان في أتون الفوضى والفقر، هو ما يدفع للتفكير بحتمية ضرورة فتح الشبابيك والأبواب.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024