معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

24/01/2019

"المعركة بين الحروب".. بين جدوى متواضعة ومخاطر تتعاظم

جهاد حيدر

أعادت الاعتداءات الاسرائيلية الأخيرة في الساحة السورية، طرح جدوى استراتيجية "المعركة بين الحروب" على ساحة البحث والتقدير لدى لجهات المختصة في كيان العدو. ورغم التباهي الاسرائيلي بمفاعيل وانجازات هذه الاعتداءات، إلا أنه يلاحظ تزايد الدعوات وعلى لسان العديد من الخبراء من ذوي الاختصاصات الامنية، الى اعادة دراسة الجدوى الاستراتيجية في مواصلة هذه الاستراتيجية، وهو ما يكشف عن تقويم مهني داخلي مغاير عن الخطاب السياسي والدعائي.

كيف بدأت هذه المعركة (بين الحروب)، والى أين انتهت، وماذا تعني الدعوات الى اعادة النظر بها؟

 في السابق كان يكفي الاستناد الى السياقات السياسية والامنية، السورية والاقليمية، لفهم طبيعة المستجدات التي أنتجت الفرصة الملائمة التي مكنت اسرائيل من شن اعتداءاتها وما زالت. اما الان فبات الامر على لسان رئيس قسم البحوث في الاستخبارات العسكرية، امان، العميد ايتي بارون، الذي أوضح في قراءة له نشرها معهد ابحاث الامن القومي في "تل ابيب"، بأنها "كانت ترتبط منذ بدايتها في وضع الامور الفوضوية في سوريا في اثناء الحرب الأهلية التي وقعت هناك. ففي بداية العام 2013 لاحظوا في إسرائيل أن مزايا الساحة الشمالية تزيد حرية العمل العملياتية التي تتاح للجيش الإسرائيلي" وهو بذلك يشير الى الحرب التي تم شنها على سوريا الامر الذي قيد النظام والجيش السوري عن الرد في حينه، على خلفية التفرغ لمواجهة التهديد الدولي والاقليمي الذي يعبث بالساحة السورية. ونتيجة ذلك لم يكن من مصلحة النظام السوري فتح أكثر من جبهة في الوقت نفسه. استنادا الى ذلك، أدركت تل ابيب أنه من خلال "إدارة سليمة لمخاطر التصعيد يمكنها أن تسمح لـ"إسرائيل" باستخدام قوتها كي تقلص تهديدات قائمة ومتشكلة. وذلك دون أن يؤدي استخدام القوة إلى مواجهة واسعة النطاق لا ترغب فيها "إسرائيل"".  وعملياً، بدأت "اسرائيل" اعتداءاتها مطلع العام 2013، عبر استهداف نقل الوسائل المتطورة الى حزب الله، ثم اضافت لاحقاً هدفا آخر في السنة الأخيرة يتمثل بصد مساعي تثبيت الوجود الإيراني في سوريا.

على مستوى النتائج، يمكن تسجيل أكثر من ملاحظة:

لا شك أن "اسرائيل" استطاعت أن تحقق انجازات موضعية تكتيكية. مع ذلك، فقد فشلت هذه العقيدة العسكرية على المستوى الاستراتيجي والدليل على ذلك، تعاظم قدرات حزب الله في لبنان الى مستويات غير مسبوقة، وتحديدا ما كشفه سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن اتمام المهمة فيما يتعلق بالصواريخ الدقيقة. ولم تنجح "اسرائيل" ايضا في اخراج القوات الايرانية في سوريا، ولم تمنع مسار مراكمة القدرات في الساحة السورية.

على خط مواز، أدركت "اسرائيل" مستجدات الوضع السوري، الذي رفع مستوى المخاطر التي قد تؤدي الى مواجهات عسكرية.  وهو ما أورده ايتي بارون، "تراكمت المخاطر على الحرب ما بين الحروب على مدى السنوات الاخيرة: فالوجود الروسي في سوريا من نهاية العام 2015، استوجب تطوير آليات تنسيق ناجعة وانتباها اشد في استخدام القوة؛ تغيير سياسة النار للدفاعات الجوية السورية استوجب اعادة انتظام خاصة في تنفيذ الهجمات والاستعداد لتسلل صواريخ إلى اراضي إسرائيل؛ وتثبيت الوجود الإيراني استوجب ادارة حساسة لمخاطر التصعيد". ومن أبرز تجليات ارتفاع هذه المخاطر المحطات التي توالت في العام 2018 وقبل ايام ايضا. بدأ تجسدُ ارتفاع هذه المخاطر من حادثة اسقاط طائرة اف 16 آي الإسرائيلية في 10 شباط 2018. ثم تجسد ذلك بليلة الصواريخ التي استهدفت الجولان بعد الاعتداء الاسرائيلي الذي استهدف مطار تيفور، وادى في حينه الى استشهاد عدد من عناصر حرس الثورة الاسلامية. والحادثة الثالثة تمثلت باسقاط طائرة الاستطلاع الروسية في 17 ايلول 2018، وقتل على متنها 15 ضابطا روسيا. وهو ما أدى في حينه الى تأزم العلاقات الروسية ـ الاسرائيلية التي عادت الى التحسن بقدر. ونقل الروس نتيجة ذلك الى سوريا، بطاريات صواريخ أرض ـ جو متطورة من طراز اس 300.

وارتفع منسوب هذه المخاطر، مع اطلاق صاروخ ارض ارض باتجاه الجولان، قبل أيام، رداً على اعتداء اسرائيلي في مطار دمشق، أعقبه الاسرائيلي باعتداء اضافي ردا على الصاروخ. وهو ما عزَّز التقديرات في "اسرائيل" بأن الاستمرار في استراتيجية "المعركة بين الحروب" سوف يؤدي الى مزيد من المواجهات التي ستصبح أكثر اتساعاً، وأكثر كلفة، وأشد خطراً، في مقابل جدوى مشكوك بها، أو قد لا تتناسب معها.

المستجد الأبرز الذي أعاد ارباك الحسابات الاسرائيلية، هو انتصار الدولة السورية وحلفائها في محور المقاومة، على الخطر الارهابي، وعودة سيطرة الجيش على أغلب الاراضي السورية، وهو ما منحها هامشاً أوسع في الرد على الاعتداءات الاسرائيلية العسكرية المباشرة التي بدأت مطلع العام 2013.  هذه المستجدات وغيرها، دفعت بارون الى أن يختم قراءته بالقول إن معنى كل ذلك "يحتمل الا يكون ممكنا مواصلة العمل ضد نقل الوسائل القتالية لحزب الله وضد الوجود الإيراني في سوريا دون المخاطرة بالتصعيد بل وتدهور الوضع إلى مواجهة شاملة. يبدو إذاً ان استخدام القوة الإسرائيلية في اطار المعركة ما بين الحروب يستوجب بحثا استراتيجيا وعملياتيا، يركز على أهدافها، ضرورتها، نجاعتها وقدرة تحقيقها في الظروف الحالية للساحة".

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل