معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الوباء بدأ يغير المجتمعات العربية.. في أي اتجاه؟
23/04/2020

الوباء بدأ يغير المجتمعات العربية.. في أي اتجاه؟

سركيس ابو زيد

الوباء يغير العالم، واستمرار توسع انتشار كورونا وضع مجتمعات واقتصادات وحكومات الدول العربیة أمام تحدیات كبیرة، في وقت تواجه فیه ھذه الأنظمة أزمات سياسية واقتصادیة عمیقة، وصار البعض منها ضمن عداد الدول الفاشلة أو غیر الفاعلة، حیث تدور حروب داخلیة وتدخلات عسكریة خارجیة على أرضھا.

وبعد تداعیات "كورونا" ومستقبل المنطقة التي تشهد أزمات متشابكة ومتراكمة ومتعددة الأطراف، یمكن رسم التحولات على الشكل التالي:

1 - سیاسیًا وأمنیًا:

- نجح الوباء في "تفریغ" شوارع المتظاھرین في الجزائر ولبنان والعراق، بينما استعادت جیوش المنطقة الساحات العامة بحجة اعلان حالة الطوارئ والتعبئة وتنفیذ إجراءات "الحجر المنزلي". والخوف یكمن في أن تستخدم الأنظمة الاستبدادیة الوباء لتعزیز السیطرة الدكتاتورية من خلال الإجراءات التي یتم الترویج لھا تحت ضغط الضرورة للسیطرة على الفیروس، فتستغلها لتتتبّع حركة المتظاھرین والمعارضین.

- أوقف الوباء الأزمات والصراعات في العراق وسوریا والیمن ولیبیا. وغيّر "كورونا" سلوك ھذه الدول في التعاطي لحل أزماتها، إلا أن الأكید أنھا بعد انتھاء الوباء ستعود هذه القضايا فيها الى الواجھة، وربما بوتیرة أكثر حدة أو باشكال مختلفة.

- تأثیر الوباء سیكون أكثر حدة في الدول الضعیفة أو الدول التي توشك على الانھیار، مع احتمال تجدد موجات الإرھاب والتمرد والتدخل الإقلیمي والدولي، الأمر الذي سیؤدي بدوره إلى خسائر فادحة لدى السكان في المناطق المنكوبة.  

- انتشار "كورونا" سیشكل اختبارًا جديًا لمرونة وقدرة النظام الإقلیمي ككل على إدارة الجوانب السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والأمنیة للأزمات التي ستشكل بدورها تحدیًا كبیرًا لحكومات الدول الإقلیمیة والاختيار بين التكامل الاقليمي أو الانكفاء.

- الدول العربیة أمام معضلة بناء الدولة الوطنیة، أي دولة تكتسب شرعیتھا الفعلیة لا من احتكار العنف فحسب بل من مسؤولیتھا في رعایة مصالح الناس. السیر في طریق بناء الدولة الوطنیة یستدعي ترشيد ومراقبة السلطة ومحاسبتھا والمطالبة بنظام قوي وفاعل في تحقیق صالح مواطنیه العام.

2 - اقتصادیًا:

- خسائر فادحة في التجارة والتعاون الاقتصادي على المستويات الدولية خاصة بین الصین والعالم العربي. والخسائر بمئات ملایین الدولارات یومیا، لأن الصین أضحت أھم شریك تجاري لمعظم الدول العربیة. فحجم التبادل التجاري بین الطرفین كبير يدل على نمو ھائل وصلت نسبته إلى 20 في المئة خلال العقد الجاري. وأول التبعات السلبیة ظھرت في تراجع سعر برمیل النفط  منذ اندلاع أزمة فیروس كورونا. وھو الأمر الذي یعني تراجع مداخیل الدول العربیة النفطیة. وسیزید الطین بلة تراجع الطلب على النفط من الناحیة الكمیة بسبب توقف الإنتاج في مناطق عدة وتراجع حركة السفر والتجارة. كما أن أسواق الدول العربیة ستتأثر بتراجع الإنتاج الصناعي الصیني من السلع الاستھلاكیة، فمثل ھذا التراجع سیقود إلى قلة المعروض من ھذه السلع وارتفاع تكالیف النقل والتأمین علیھا. ومن تبعات ذلك إرتفاع تكالیف مستوى المعیشة وتراجع القوة الشرائیة لفئات الدخل المحدود والطبقة الوسطى العربیة التي اعتادت على استھلاك المنتجات الصینیة الأنسب سعرا مقارنة بالمنتجات الأوروبیة والأمیركیة والیابانیة.

- آثار سلبية كبیرة على النشاطات الاقتصادیة ذات الطابع الموسمي مثل السیاحة.

- تغیّرات عاصفة في بنية الاقتصاد: تراجع معدلات النمو، تفاقم في معدلات البطالة، إفلاس العدید من الشركات، خاصة في قطاعات السیاحة والطیران والصناعات الصغیرة، تعثر في حركة التجارة العالمیة، اھتزاز في القطاع المالي، تراكم في المدیونیات.

- انخفاض الإنتاج في عدد كبیر من القطاعات، وانخفاض الإنفاق الاستھلاكي بسبب ضعف القوة الشرائیة، وتدني الإنفاق الاستثماري بسبب عدم الیقین، وانغلاق أسواق التصدیر السلعي والخدمي بسبب مشاكل النقل، بالاضافة الى تأجیل قرارات الاستثمار في مشروعات جدیدة، انتظارا لانقشاع الغیمة.

- عدم قدرة العمال ذوي الدخل المنخفض، في جمیع أنحاء المنطقة، على إنجاز عملھم عن بُعد (في المنزل) ولا یحصلون على رواتبھم إذا تغیّبوا عن عملھم. ومع استمرار الحجر المنزلي ودخول الاقتصادات في مرحلة الركود، ستتضّرر شرائح المجتمع الأكثر فقرا - التي تشكل غالبیة المواطنین - بشكل غیر متساوِ إذ سیجد اللاجئون والعمال المھاجرون أیضا أنه من المستحیل التعامل مع تداعیات ھذا الوضع. ولا یبدو أن أیًا من حكومات المنطقة لدیھا خطة حول كیفیة تقلیل الضرر الاقتصادي أو معالجة الانقسام المتزاید في مجتمعاتھا.

3 - اجتماعیًا:

- ارتفاع البطالة، حيث ھناك ملیون وسبعمئة ألف شخص عامل سيتوقفون عن العمل إضافة إلى العاطلین عن العمل في المنطقة العربیة.
- اشتداد الفقر، إذ إن إمكانیات ھذه الدول المادیة للإنفاق المطلوب محدودة، ومعیشة المواطن ستتضرر.
- ازدیاد الدیون على كاھل الدول التي بالتالي ستصبح أعباء على المواطنین.
- فقدان ملایین الوظائف وسیكون لھا تداعیات كبرى على النساء بصورة خاصة.  
- الحد من تمویل النظم الصحیة التي تشكو من نقص التمویل وعدالته أصلا.
- اللاجئون لا یحصلون على خدمات صحیة وقائیة كافیة وأغلبیتھم من النساء والأطفال، فھم لا یستطیعون الوصول
إلى خدمات وأدوات النظافة الأساسیة،  مما يطال خاصة أوضاع المھمشین الذین یعانون ظروفا صحیة صعبة.
- العادات والتقالید الاجتماعیة طرأ علیھا تغییر مفاجئ: غابت المصافحة بالأیدي، وتوقف العناق، وعلقت الزیارات
المتبادلة، والموتى باتوا یوارون في الثرى دون مآتم. حتى التعلیم الذي كان مرتبطا بالحضور على مقاعد الدراسة ومطعّما بالوسائل الإلكترونیة المساندة، توقف لیحل محلھ التعلیم والتعلم عن بُعد بفعل إقفال المدارس والجامعات في معظم الدول. ھذا التغییر الظرفي سیكون له تأثیر لاحق.

4 - دروس

لدى معظم الدول والمجتمعات العربیة تجارب مریرة مع الحروب والنزاعات والأزمات المتعاقبة خلال العقود الماضیة. وتتمیّز المجتمعات العربیة أیضًا بالشك والخوف من بعضھا البعض نتيجة الأزمات المتكررة التي مرت فيها. علمًا أن روح التعاون والتضامن والتطوع لها دور فاعل في قدرة الدول على التصدي لتفشي "كورونا"، وهذه الحالية متعثرة. كما أن التعامل الأمثل مع الحوادث البیولوجیة یتطلب العدید من العوامل والقدرات التي تعتبر غالبًا مواطن ضعف في معظم الدول العربیة، ومنھا التخطیط والتجھیز المسبق، والتواصل ما بین المؤسسات الرسمیة المدنیة من جھة والمدنیة والعسكریة والأمنیة من جھة أخرى، إضافة إلى التعاون بین الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني. ولكن یجب استخلاص بعض الدروس المستفادة عند تجاوز ھذه الأزمة. فھذا قد یكون حافزا لمراجعة جدیة لمنظومة الأمن والسلامة البیولوجیة في العدید من الدول العربیة وبشكل منھجي بھدف تعزیز القدرات والإمكانیات لمواجھة المخاطرالمستقبلیة.  

التوقعات المتفائلة تشیر إلى أن الشرق الأوسط قد یتمكن من احتواء تفشي الوباء بحلول حزیران تقریبا. وھناك من یعتبر أن العالم بعد أزمة "كوفید - 19 "لن یكون كما كان قبلھا، الوباء بدأ يغير المجتمعات العربية، لكن في أي اتجاه؟ ھل ستكون الغلبة للنزعات الشعبویة والانعزالیة، أم للنزعات الأممیة والتضامنیة؟ ھذا سؤال صعب، وإجابته سوف تظھر في الأسابیع أو الأشھر القادمة، وإن غدا لناظره قریب.

فيروس كورونا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل