معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

كيان العدو في نفق كورونا والعجز عن التأليف: كل الوسائل متاحة
09/04/2020

كيان العدو في نفق كورونا والعجز عن التأليف: كل الوسائل متاحة

جهاد حيدر

لم يتردد المسؤولون الإسرائيليون في مواصلة ألاعيبهم السياسية في الوقت الذي يواجه فيه كيانهم والمنطقة والعالم تحدي انتشار فيروس كورونا الذي يشكل خطراً غير مسبوق على صحة البشرية واقتصادها، ومن غير الواضح حتى الآن، آفاقه وحجم تداعياته. وبحسب كل التقديرات في داخل الكيان وخارجه، فإن كل السيناريوهات المرتقبة خطيرة، وإن كانت تتفاوت في درجة هذه الخطورة لجهة مفاعيلها على الوضعين الاقتصادي والصحي، والمدى الزمني الذي قد يستغرقه إلى حين الوصول إلى علاج ولقاح. مع ذلك، تجد القوى السياسية في كيان العدو الوقت لمواصلة مناوراتها السياسية التي بالتأكيد لها مفاعيلها السلبية ايضا على الواقع الداخلي الإسرائيلي، بشكل أو بآخر.

من أبرز ما يلفت في المشهد السياسي الإسرائيلي أن رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو على استعداد لادخال "إسرائيل" في انتخابات رابعة وفي ظل انتشار فيروس كورونا، تفاديا لاقصائه عن منصبه في رئاسة الحكومة، الذي سيجعله مجرداً من كل وسائل الابتزاز لمنع محاكمته بالفساد والرشوى التي قد تدخله السجن. ولا يتوانى شركاؤه في حزب الليكود ومعسكر اليمين عن الالتفاف حوله لحمايته من القضاء، والتسبب للكيان الإسرائيلي بتكاليف اقتصادية اضافية، كما حصل في مرات سابقة. هذا إلى جانب المخاطر الصحية التي قد تترتب على ذلك ايضا.

الواضح أن التحولات التي شهدتها الساحتان الحزبية والسياسية، في أعقاب انتخابات شهر اذار، كانت مختلفة عن المحطات الانتخابية السابقة. ويعود ذلك إلى قرار رئيس تحالف ازرق ابيض، بني غانتس تشكيل حكومة طوارئ برئاسة نتنياهو ومن ضمن اتفاق تفصيلي. أدى ذلك إلى تفكك التحالف وفتح الطريق أمام آخرين للانضمام إلى الحكومة المرتقبة. هذا الواقع الذي تشكل أظهر بشكل جلي أن الاتجاه العام للتطورات هو نحو تفادي انتخابات رابعة، وتأليف حكومة تنهي حالة الشلل الحكومي الذي تعاني منه إسرائيل، منذ نحو سنة ونصف.

من حيث المبدأ كانت ولا تزال مروحة السيناريوهات النظرية هي نفسها، في أعقاب كل المحطات الانتخابية. لكن هناك مجموعة عوامل مستجدة – كما أشرنا – تدفع إلى ترجيح تشكيل الحكومة. إنما، قبل الوصول إلى هذه النتيجة المُرجَّحة، من الطبيعي أن تشهد "إسرائيل" حالاً من التقلبات والمناورات التي يمكن أن تهدف إلى تحقيق أكثر من هدف، من ضمنها تحسين المكتسبات المفترضة، وتعزيز الصورة والموقف. ومن أبرز ما يسعى نتنياهو إلى تحقيقه في هذا السياق، أن يكون له دور حاسم في تعيين قضاة المحكمة العليا، التي تشكل رأس المنظومة القضائية في كيان العدو، على عكس مطلب المساواة في التعطيل والاختيار، الذي يطمح اليه غانتس. حيث من المفترض أن يتم تغيير ثلث اعضائها الـ15 في غضون الأعوام الأربعة المقبلة. ويبدو أن معسكر اليمين يرى في هذا المطلب فرصة تاريخية قد لا تتكرر حتى فترة طويلة لفرض تركيبة محدَّدة لهذه السلطة التي يرى اليمين أنها خارج هيمنته بعدما تمكن من تعطيل الحكومة. وتنبع أهمية هذا المطلب في أنه مدخل الزامي إلى شرعنة الاستيطان في الاراضي المحتلة، تمهيداً لضم أجزاء منها إلى دولة الاحتلال تنفيذا لـ "صفقة القرن" الأميركية.

مع ذلك، يمكن التقدير أن كل هذه الطموحات والعراقيل لم ترتقِ حتى الآن إلى درجة تؤدي إلى تغيير في تقدير الاتجاه العام لمسار المفاوضات المتواصلة، أو المتقطعة، وكونه يتجه نحو تشكيل الحكومة، انطلاقا من فرضية حرص الجهات الأساسية على تجنب اجراء انتخابات رابعة. وعلى هذه الخلفية، فإن كل ما شهدناه وقد نشهده ليس إلا محطات في سياق نفس الاتجاه.

إلى حين حسم التجاذبات وانتهاء فعالية المناورات السياسية، يُتوقع استخدام كافة الوسائل والتكتيكات، من ضمنها تلويح حزب الليكود بالاستعداد للذهاب لانتخابات رابعة، وذلك بالاستناد إلى استطلاعات الرأي التي منحت معسكر اليمين هذه المرة ارجحية 64 مقعدا، بما يسمح له بتشكيل الحكومة المقبلة بدون مشاركة خصومه الذين سيضطر إلى تقديم تنازلات لهم. لكن ما قد يُعزِّز كبح تحقق هذا المسار، هي المخاطر المحفوفة به نتيجة الاثمان المستجدة التي لم تكن حاضرة في العمليات الانتخابية السابقة، بفعل انتشار فيروس كورونا. ويبدو أن نتنياهو سيكون ممتناً لفيروس كورونا، لأن له الفضل الأكبر في تتويجه رئيسا للحكومة المقبلة. كما قد يُشكِّل انتشار هذا الفيروس ايضا سلماً لغانتس وغيره ممن سيلتحقون بقطار الحكومة، تحت شعار أن المسؤولية ازاء المواطنين تفرض تجنيب "إسرائيل" أخطارا صحية، غير مبررة، والمزيد من الازمات الاقتصادية. وإلى ذلك الحين، تبقى "إسرائيل" تعيش تحت خطر تفاقم انتشار الفيروس الذي أصبح يهدد المستوطنين واقتصاد الكيان، الامر الذي يُتوقع أن يفرض عليهم لاحقاً العودة المدروسة لتفعيل النشاط الاقتصادي بهدف الحد من الخسائر وتفاقمها.

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات