آراء وتحليلات
رسائل الاعتداء الإسرائيلي الأخير في سوريا
جهاد حيدر
في الشكل والمضمون، يندرج الاعتداء الإسرائيلي الأخير الذي استهدف مطار الشعيرات في منطقة حمص، في سوريا، ضمن سياق الاعتداءات الإسرائيلية التقليدية المستمرة منذ سنوات. إلا أنه من حيث السياق الظرفي والتوقيت، ينطوي على أكثر من رسالة تتصل بالتطورات التي تتوالى في البيئات الثلاثة لكيان العدو، الداخلية والاقليمية والعالمية.
يأتي الاعتداء الإسرائيلي ضمن اطار "المعركة بين الحروب"، التي بدأ بها العدو في الاراضي السورية مطلع العام 2013. وتعددت أهدافها وتطورت على وقع تطور المواجهة مع الجماعات التكفيرية. فعندما كان النظام السوري وحلفاؤه يخوضون معركة الوجود، كان العدو يهدف إلى استغلال انشغالهم لمنع تزودهم بأسلحة متطورة. واستند في ذلك إلى كون مصلحة سوريا ومحور المقاومة بعدم فتح أكثر من جبهة في آن الامر الذي سيدفعهم إلى عدم الرد. وهذا ما كشفه رئيس وحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية "امان" خلال تلك الفترة، العميد "ايتي بارون". ثم بعد القضاء على التهديد الوجودي للجماعات التكفيرية، بدأت سوريا بعملية نهوض واعادة بناء قدراتها بدعم الجمهورية الاسلامية في ايران. ورأت "إسرائيل" في المرحلة التي تلت تهديدًا استراتيجيًا قد يتطور إلى حد بلورة قوس من الصواريخ الدقيقة يضم جنوب لبنان وجنوب سوريا، وهو ما عبر عنه ايضًا رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ووزير الأمن في حينه افيغدور ليبرمان.
على خلفية هذه المستجدات، تطورت أهداف "المعركة بين الحروب" وأصبحت تهدف إلى ما يسميه كيان العدو منع التمركز العسكري الايراني في سوريا، والذي يُخفي وراءه هدفا آخر، وهو منع سوريا من اعادة بناء وتطوير قدراتها الصاروخية والعسكرية، خاصة بعد دخول الصواريخ الدقيقة على معادلة الصراع. تحت هذا العنوان واصل الكيان اعتداءاته المضبوطة، ومن ضمنها اعتداء الشعيرات وما سبقه وما قد يليه من اعتداءات.
مع ذلك، ينطوي السياق الظرفي لهذا الاعتداء على أبعاد ورسائل أخرى. فهو أتى في أعقاب انتشار فيروس كورونا داخل كيان العدو وفي بيئته الاقليمية، الذي لا يزال يتحرك تصاعدياً في مسار مفتوح على سيناريوهات متعددة، متفاوتة في درجات الخطورة. وكما هو الحال في مواجهة كل مستجد، فإن العدو يدرسه من زاوية ما قد ينطوي عليه من تهديدات وفرص. ومن الواضح أنهم يرون في انتشار كورونا في ساحات محور المقاومة، كما لو أنه فرصة مستجدة قد تساهم في تعزيز القيود على صانع القرار (سوريا ومحور المقاومة) في الرد على الاعتداءات الإسرائيلية.
في المقابل، يحضر مفهوم مضاد لهذا التقدير ينطلق من أن كورونا يتمدد ايضًا داخل كيان العدو وهو كذلك في مسار تصاعدي. ويعني ذلك، عملياً، أن العدو يُقدِّر ويتخوف من أن يرى أعداء "إسرائيل" أنها أصبحت مشغولة بنفسها، وحريصة على تجنب أي مواجهة قد تتسبب بتوتر أمني يدفع الجمهور الإسرائيلي للخروج من المنازل في الوقت الذي تناشده القيادة الإسرائيليه للبقاء في المنازل تفاديا لانتشار الفيروس، الأمر الذي قد يكبحها عن مواصلة اعتداءاتها.
في ضوء هذه المخاوف يبدو أن العدو هَدَفَ من خلال اعتدائه الأخير إلى توجيه أكثر من رسالة:
- رسالة إلى أعداء "إسرائيل" مفادها أنه في ضوء انشغاله بمواجهة تحديات الداخل والتصدي لانتشار فيروس كورونا، سيواصل ايضًا سياساته العملانية العدوانية في بيئته الخارجية، وسيتحرك في كل من الساحتين بموازاة حركته في الساحة الأخرى.
- أراد العدو أيضًا أن يثبت بالممارسة العملانية أنه في ظل انتشار كورونا، لا تزال أولوية مواجهة تعاظم قدرات محور المقاومة على رأس جدول اهتماماته، وأنه لن يسمح بأن يتحول انشغاله بالتحدي الذي يمثله كورونا، إلى فرصة لمحور المقاومة لمواصلة خططه في بناء القوة.
- في نفس السياق، هَدَفَ العدو إلى توجيه رسالة كشف فيها أنه لن يرتدع ايضًا عن هذا الخيار أياً كانت المستجدات والتداعيات.
لكن ما تجاهله العدو أن أي مواجهة واسعة ستترك مفاعيل كارثية على الداخل الإسرائيلي، نتيجة المستجدات الاقتصادية والصحية، وبفعل الاجراءات الرسمية التي تطالب الجمهور الإسرائيلي بالبقاء في المنازل وعدم التجمع. وبالتالي فإن هذا العامل، سيجعله أكثر حذراً في أي خطوة يدرك أو يُقدّر معها أنها ستؤدي إلى ردود فعل مضادة لما قد يترتب عليه من نتائج وتداعيات في الداخل الإسرائيلي. ويتعارض هذا السيناريو مع ما كانت التقديرات ترجحه ازاء مجريات السنة الجارية، لجهة كون العدو يتجه نحو تصعيد يتجاوز فيه العديد من الخطوط الحمراء السابقة. وفي كل الاحوال، لا يزال مسار تداعيات انتشار فيروس مفتوحا على العديد من السيناريوهات، بما فيها السيناريوهات الأشد سوءًا وهو أمر يقر به الخبراء في كيان العدو.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024