آراء وتحليلات
الوجه الآخر لكورونا: طوارئ عالمية تفتك بالمعارضات
سركيس ابوزيد
حتى مأساة الوباء يتم استغلالها وتسخيرها من قبل السلطات والدول التي سيست كورونا لتحجيم معارضيها وتعزيز سلطانها والاستفراد بالنفوذ لخدمة مصالها. ولأن الحكومات تكافح جائحة كوفيد -19، أصبحت المعارضة السياسية في معظم البلدان مهمشة. وهكذا تمكنت السلطات في هذه البلدان استغلال الأزمة والتذرع بحالة الطوارئ، من أجل الحد من الديمقراطية.
وفي غياب التجمعات الكبيرة والتظاهرات والمهرجانات الانتخابية، انتقل الجدل السياسي بالكامل إلى وسائل الإعلام التي كرست اهتمامها الكامل على المرض فركزت برامجها على أسباب الوباء ووسائل معالجات المرض، وأبعدت المشاهدين والمستمعين والقراء عن الحياة السياسية. حدث هذا لأن الجمهور يطالب بتغطية كوفيد-19 ويريد أن يعرف المخاطر التي تواجهه، كما أن المصلحة العامة تستوجب تقديم معلومات دقيقة حول فيروس كورونا من اجل التوعية والارشاد العام.
لم تترك التغطية المكثفة للجائحة أي مجال للاهتمام بأحزاب المعارضة والحركات السياسية. وهذه الحالة انعكست على بعض البلدان التي تشهد انتخابات رئاسية ونيابية ومنافسات حادة قد تغير وجهة الحكم.
في الولايات المتحدة، غاب جو بايدن عن الرأي العام بين عشية وضحاها، وهوالمرشح الديمقراطي المفترض لمنافسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني المقبل.
بالمقابل، زُود الأمريكيون بتغطية حية يومية للمؤتمرات الصحفية التي يعقدها ترامب مع التجمعات السياسية، بينما يتولى الخبراء الحكوميون تصحيح أكاذيبه، والمعلومات الخاطئة التي يطلقها حول الوباء.
كذلك في كيان العدو، قرر بيني غانتس، السياسي المعارض البارز، الانضمام إلى حكومة جديدة بقيادة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، مبررا موقفه بالظروف الصعبة التي ولدها للوباء.
وفي أوروبا الوسطى والشرقية، تستغل الحكومات تعليق الحياة الطبيعية لتنفيذ خطط طويلة الأمد من أجل تعزيز سلطانها. ومع تركيز وسائل الإعلام الدولية على الوباء بصورة كاملة، سيلاحظ القليل من الناس ما يحدث داخل الدول من صراعات سياسية: التقارير المثيرة عن زعيم بولندا الفعلي، ياروسلاف كاتشينسكي، ورئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، قد اختفت من وسائل الإعلام، بعد أن غطتها بشكل بارزة لسنوات.
وفي حين أن المعارضة المَجَرية تحتج على "حالة الطوارئ" التي فرضها أوربان، فإن المعارضة البولندية تطالب بذلك. لقد أعطى برلمان المجر لأوربان، سلطات طوارئ حتى يتمكن من تعليق الحقوق الفردية، وإجبار الناس على الحجر الصحي تحت طائلة عقوبة السجن. وستتمكن حكومته أيضاً من سجن الصحفيين، الذين يَنشرون معلومات كاذبة أو مشوَهة، لمدة تصل إلى خمس سنوات.
في بولندا، يريد كازينسكي وحزب القانون والعدالة الذي يتزعمه، عدم إعلان حالة الطوارئ، لأن ذلك يعني تأجيل الانتخابات القادمة. وفي ظل الظروف الحالية، من المؤكد إعادة انتخاب الرئيس البولندي الحالي، أندريه دودا، في 10 أيار المقبل. إذاً، تستخدم حكومة القانون والعدالة الوباء لمنح دودا فرصة جديدة، بينما تخضع المعارضة للحجر الصحي بسبب فيروس كورونا.
بسبب الوباء ايضا أجلت الانتخابات النيابية والرئاسية والتمهيدية، والاستفتاءات، في أكثر من 20 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، وإسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا.
لقد مثل فيروس كورونا حالة طوارئ عالمية. وتستخدم الحكومات هذا الطوارئ لتعزيز سلطاتها. وربما لن يتخلى بعضها عن التشريعات الجديدة، بعد زوال التهديد الوبائي.
تحاول أحزاب المعارضة، أن تتكيف مع الإجراءات المتخذة لمعالجة أزمة القرن، خاصة في قطاع الصحة العامة. وتسعى الى أن لا يُطمس الخط الفاصل بين الحكومة والمعارضة باسم "الوحدة الوطنية". كما تتمسك الحكومات بوصف انتقادات قادة المعارضة بأنه "اقتتال داخلي" غير شرعي حتى تبرر قمعها وابعادها عن الحكم لاضعافها حتى لا تسمح للمعارضين بمساءلة الحكومات.
إن للطوارئ تأثيران: ففي الدول الديمقراطية، ركزت الطوارئ على تعزيز السلطة التنفيذية. حتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان أداؤه كارثيًا منذ البداية، يستفيد من ديناميكية الالتفاف الذي ولدته حالة الطوارئ حول سلطته التنفيذية.
أما التأثير الآخر، فإن ضرره يبدو أكثر وضوحا: إذ
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو بصدد إضعاف الكنيست، والمحاكم. ويمكن لرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، رائد "الاستبداد" في الاتحاد الأوروبي، أن يحكم الآن بمقتضى مرسوم الطوارئ، ويريد تعليق الانتخابات والاستفتاءات، ومنح الحكومة سلطات استثنائية منها سجن الصحفيين.
ويستحضر الكثير من السلطويين أزمات سابقة اتخذت فيها إجراءات تبدو مبررة ظاهريًا للقضاء على المعارضين. منها مثلا يوم استُخدم التشريع الذي سُن لمكافحة الإرهاب في أعقاب هجمات 11 أيلول 2001 على الولايات المتحدة، لقمع المعارضات السياسية لواشنطن باستخدام قوانين شرعية تبرر ايضا غزوات خارجية بحجة محاربة الفساد.
وهذا ما يحصل اليوم، حيث يتم استغلال وباء فيروس كورونا من أجل اعلان حالات الطوارئ والاحكام الاستثنائية واصدار تشريعات للحد من دور ونفوذ حركات الاحتجاج ضد الحكومات التي تواجه مخاطر استثنائية . فعندما أعلن بوتين إدخال تغييرات على الدستور، حظر المظاهرات ايضا، بحجة أنها ستسمح للفيروس بالانتشار.
ما العمل إذاً؟ في الديمقراطيات الناجحة، يجب أن تستمر البرلمانات، والمحاكم في العمل. ولكن في الوقت نفسه تجري محاولات مع قطاع الأعمال، والأوساط الأكاديمية وخبراء في الإنترنت، من أجل اعتماد "الديمقراطية عن بعد".
الوباء وضع حكومات العالم أمام تحديات ما زالت من دون جواب: أولًا مكافحة المرض واصلاح القطاع الصحي، ثانيًا اصلاح الانظمة السياسية حتى تكون أكثر عدلًا وانسانية. الوباء ليس مجرد جرثومة، هو تحد هز عرش الاستكبار العالمي وفضح عجز الرأسمالية المتوحشة.
النكبة العالمية التي نواجهها اليوم وضعت الأنظمة السياسية على أنواعها في مرحلة الحكم الانتقالي بسبب الظروف الاستثنائية: من جهة سلطة تفتش عن مبررات لتعليق سيادة القانون وتسعى الى فرض حالة طوارئ دائمة لفترة طويلة حتى بعد انتهاء مخاطر الوباء. ومن جهة ثانية مقاومة مدنية شاملة تواجه الوباء والاستبداد معا.
النظام العالمي الجديدفيروس كورونا
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024