آراء وتحليلات
حرب النفط السعودية الروسية الثانية تعمق جراح ابن سلمان
إيهاب شوقي
تشهد أسواق النفط حاليًا حربًا معلنة للأسعار بين السعودية وروسيا، وهي الثانية من نوعها في غضون ست سنوات، الا أن كفة الميزان تغيرت في هذه الحرب وهو ما يشكل انعكاسًا لتغيرات جيو - استراتيجية عميقة، ويبرهن على حجم الضعف الذي أصاب المملكة ونذر الخراب جراء سياساتها غير الرشيدة.
وقبل الاشارة الى الفارق بين الحرب الماضية والراهنة، تجدر الاشارة سريعًا الى لمحة من الخسائر التي تعرضت لها درة التاج السعودي "ارامكو" بفعل انخفاض الأسعار الحاد والذي سجل الأسبوع الحالي اسوأ انخفاض منذ عام 1991.
فقد خسرت أرامكو هذا الأسبوع أكثر من 320 مليار دولار من قيمتها التي باتت تتراوح عند 1.4 تريليون دولار، بعيدًا عن مستوى تريليوني دولار الذي أصرّ عليه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل إدراج الشركة في السوق في كانون الأول/ديسمبر الماضي
الحرب الاولى:
وبخصوص التحدي الاول بين روسيا والسعودية، ففي اواخر عام 2014، قررت منظمة أوبك عدم خفض الانتاج رغم الفائض الهائل في المعروض بالسوق العالمية. ونقلت رويترز حينها عن مصادر صحفية أن السعودية، وبكل بساطة، قررت استخدام سلاح النفط، ولكن ضد روسيا وايران بالدرجة الاولى، وبتنسيق كامل مع الولايات المتحدة الامريكية، بهدف تركيع هاتين الدولتين. وقالت التقارير في ذلك الوقت ان انخفاض اسعار برميل النفط الى اقل من سبعين دولارا بعد ان كانت 120 دولارا قبل بضعة اشهر، اي بمعدل يقترب من الاربعين في المئة، يعني ان دولا مثل ايران وروسيا تشكل صادرات النفط اكثر من خمسين في المئة من دخلها، ستجد نفسها امام ظروف اقتصادية صعبة للغاية في الاشهر المقبلة.
الحرب الثانية:
وبخصوص المعركة الراهنة، فقد شهدت أسعار النفط هبوطاً حاداً تاريخياً بعد أن اتخذت السعودية اجراء احمق، حيث خفّضت المملكة أسعار نفطها الخام لتبدأ بذلك حرب أسعار ضد روسيا.
وحدث ذلك بعد انهيار التحالف النفطي بين أوبك وروسيا، حيث اقترحت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، بقيادة السعودية، على روسيا، خفضاً إضافياً في إنتاج النفط اليومي، بهدف إيقاف انخفاض أسعار النفط إثر تراجع الطلب العالمي، خاصة من الصين مع انتشار فيروس كورونا، إلّا أن روسيا رفضت الاقتراح ولم يتوصل الطرفان إلى اتفاق.
وأدى فشل الاجتماع بين أوبك وروسيا إلى صدمة في صناعة النفط، تسببت بانخفاض أسعار النفط بنسبة 10 % وكانت الأسعار عالقة بسوق هابطة منذ فترة بعد تفشي فيروس كورونا الذي تسبب بانخفاض حاد في الطلب على النفط الخام.
صفعة روسية لامريكا:
والطريف ان هذا الاجراء انعكس بالسلب والخراب على أسعار النفط في الولايات المتحدة الأمريكية بما يصل إلى 27%، وهو أدنى مستوياتها منذ 4 أعوام، ليبلغ سعر البرميل 30 دولاراً، وقد وصف الخبراء الرفض الروسي بأنه صفعة قوية لامريكا وانتاجها من النفط الصخري، وهو ما يدفع بشركات الصخر النفطي الأمريكية إلى وضع مالي صعب أو شبه مستحيل حتى أن بعضها سيشهر إفلاسه على الأرجح، وفقا لما قاله المحلل في "بي في أم أسوسييتس" تاماس فارغا، والذي أضاف أن "الرابح الأكبر هي الشركات النفطية المحلية (الروسية) التي لطالما أكدت أن القيود على الإنتاج تحد من قدرتها على تطوير حقول نفطية جديدة".
من الخاسر السعودية او روسيا؟
ونحن الان امام اختبار قوة وربما يكون الرفض الروسي هو رد للعدوان السعودي في الحرب الاولى، حيث إن السعودية هي التي طلبت خفض الانتاج هذه المرة، على عكس الحرب الماضية.
وتقول التقارير ان الأسعار المنخفضة ستختبر القيادة السعودية و"أرامكو" السعودية، وانه ورغم النظرة إلى الخطوة السعودية باعلان حرب الأسعار على أنها تصب في إطار تهميش روسيا، فإن المحللين يرون أن موسكو ستستفيد من هذه الخطوة.
ومن الملائم عرض مبررات خسارة السعودية لهذه الحرب:
أولًا: روسيا حاليًا هي الأكثر عزلة عن خسائر انخفاض الأسعار لأن ميزانيتها السنوية تعتمد على متوسط سعر يبلغ حوالي 40 دولاراً للبرميل، إذ أجبرتها العقوبات الأمريكية على أن تصبح أكثر كفاءة.
بينما دول الخليج، ورغم انتاجها النفط بأقل تكلفة ممكنة، الا انه وبسبب الإنفاق الحكومي الكبير والإعانات السخية للمواطنين، فإنها تحتاج إلى سعر يتراوح ما بين 70 دولاراً للبرميل أو أكثر لتحقيق التوازن في ميزانياتها.
ثانيا: اعتماد روسيا على احتياطيات الذهب، وبحسب ما قال ألكسندر بورنو، مدير الأبحاث في شركة الدراسات NXTanalytic، فإن "روسيا على الأرجح يمكنها أن تتحمل لفترة أطول من السعودية انخفاض أسعار النفط".
وذلك راجع إلى الاستراتيجية المالية التي اتبعتها موسكو خلال الأعوام الماضية، حيث عملت على زيادة حصة الذهب في احتياطياتها على حساب الدولار.
ويعد الذهب أكبر المستفيدين من هذه الأزمة، حيث قفزت أسعاره إلى أعلى مستوياتها في 7 سنوات، لأنه يعد ملاذا آمنا، وبالتالي شهد اقبالا كبيرا من المستثمرين بعد هبوط الأسهم وأسعار النفط.
وقد حذر الخبراء من أن انخفاض أسعار النفط "يكلف المملكة العربية السعودية خسارة قدرها 400 مليون دولار يوميا، أي نحو 150 مليار في السنة، ويكلف مجلس التعاون الخليجي بأكمله 300 مليار دولار".
واذا ما ضممنا ذلك الى توقف العمرة وربما الحج القادم، اضافة الى تقلص المعاملات التجارية الاخرى مع الصين، فنحن امام استحقاقات خطيرة قد تعصف بالوضع الداخلي السعودي والخليجي عموما، بعد اهدار الاموال في تمويل الارهاب ودعم مصانع السلاح الامريكية واعتماد الاقتصاد الريعي القابل للهزات العنيفة امام اي طارئ دون جهد في بناء اقتصاد وطني يحمي الشعوب ويصون مقدراتها.
وهو بلا شك تعميق لجراح بن سلمان بعد القلاقل الداخلية واجراءاته التي تنذر بخراب غير مسبوق.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024