آراء وتحليلات
تونس: حكومة الفخفاخ والتحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية
تونس ـ روعة قاسم
بعد مخاض عسير استمر لأكثر من شهر تمكّن رئيس الحكومة المكلف الياس الفخفاخ من تشكيل حكومته، وقدم تشكيلتها التي وصفت "بالمعقدة والمختلطة" الى رئيس الجمهورية قيس سعيد في الآجال المحددة. وقد سبق للفخفاخ ان تقلّد منصب وزير السياحة في أواخر 2011 وفي سنة 2012 اصبح وزيرا للمالية وكان من المرشحين للانتخابات الرئاسية الأخيرة. وينتمي سياسيا لحزب "التكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريّات" الذي كان شريكا مع حركة النهضة في حكومة "الترويكا" لغاية 2014.
واليوم تتجه الأنظار في تونس الى يوم الأربعاء القادم الذي حُدد كتاريخ لجلسة منح الثقة للحكومة، وسط توقعات بأن تتمكن هذه الحكومة الوليدة من نيل ثقة البرلمان بأغلبية مطلقة أي بحوالي 110 نواب يشكلون التمثيلية البرلمانية لهذه الحكومة. وتتكون التشكيلة الحكومية المعدلة من 32 وزيرا من المستقلين والحزبيين، وتضم 6 أحزاب سياسية هي النهضة والتيار الديمقراطي وتحيا تونس وحركة الشعب اضافة الى حزبي البديل والنداء. وحصل حزب النهضة، الذي يمتلك العدد الأكبر من نواب البرلمان (54 مقعدا)، على سبع حقائب وزارية.
وكل الفرضيات ترجح نيل الفخفاخ ثقة البرلمان بالنظر الى أن الجميع يخشى من سيناريو المرور الى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، مثلما لوّح رئيس الجمهورية قيس سعيد اذا لم تتمكن هذه الحكومة من تحقيق الأغلبية المطلقة.
واليوم السؤال الأبرز بعد اجتياز الفخفاخ لامتحان نيل الثقة هل ستتمكن حكومته من مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والمالية؟
سياسيا، ومع قراءة تركيبة هذه الحكومة التي ولدت من رحم التناقضات والإكراهات، يمكن القول ان عمرها الافتراضي لن يعمّر لشهور طويلة. فحركة النهضة دخلت للحكومة مكرهة ولم تنل الوزارات التي أرادتها، بل أحيلت الوزارات السيادية الى مستقلين هم القاضية ثريا الجريبي (وزارة العدل) والمستشار القانوني في رئاسة الجمهورية هشام المشيشي (وزارة الداخلية) وعماد الحزقي ( وزارة الدفاع) والسفير السابق بسلطنة عمان نور الدين الريّ (وزارة الشؤون الخارجية)، وذلك للخروج من نفق التجاذبات السياسية والصراع على وزارات السيادة.
لذلك فان كل السيناريوهات واردة فيما يتعلق بمصير الحكومة أمام حجم المناورات السياسية التي ستواجهها سواء من الداخل او من المعارضة. فثاني حزب حاصل على الأغلبية وهو قلب تونس (38 نائبا) انضم الى صفوف المعارضة وتمكّن من تكوين جبهة برلمانية تمتلك القدرة على عدم تمرير مشاريع القوانين وعرقلة عمل الحكومة اذا لم تتفق مع أهدافه وبرامجه.
اما اقتصاديا واجتماعيا، فالوضع الاقتصادي في البلاد بات صعبا بسبب التراجع الكبير لمعدلات النمو التي سجلت نقطة واحدة سنة 2019، وارتفاع حجم المديونية ونسبة التضخم. وهناك ضغوطات خارجية أيضا تتعلق أساسا بإكراهات صندوق النقد الدولي الذي فرض شروطه على الحكومات المتعاقبة بعد الثورة وهو اليوم اتخذ قرارا بتجميد القسط الخامس والسادس من القرض الممنوح لتونس بسبب عدم قدرة البلاد على تسديد الأقساط. ويرى صندوق النقد الدولي أن تونس لم تحقق الإصلاحات المأمولة. فاليوم هناك خشية في الأوساط التونسية من أن تصبح البلاد رهينة أكثر لصندوق النقد الدولي مع كل ما يمكن ان يطرحه من اكراهات وضغوطات بشأن سياسات الدولة التونسية خاصة فيما يتعلق بالشق الاجتماعي.
فأمام تزايد حجم التحديات المالية والاقتصادية الداخلية والخارجية، السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل لدى حكومة الفخفاخ القدرة على وضع رؤية موحدة لبرنامج اقتصادي واجتماعي يخرج البلاد من أزمتها، خاصة ان تركيبتها المعقدة تتكون من أحزاب ذات انتماءات سياسية وايديولوجية متناقصة، فهناك الحزب الليبرالي والحزب الاجتماعي والحزب الإسلامي، وقد لا تكون لها رؤية موحدة او أهداف واضحة للعمل عليها في كل وزارة. ولئن أسندت بعض الحقائب الوزارية السيادية الى مستقلين أكفاء في اختصاصاتهم، الا انهم لا يمتلكون الخبرة السياسية في تسيير دواليب الحكم والسلطة وهذا بحد ذاته تحد آخر أمام الحكومة الجديدة.
ولعل الوضع المعقد الذي وُجدت فيه حكومة الفخفاخ يعود أساسا الى نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تشرين الأول/ اكتوبر الماضي والتي أفرزت برلمانا منقسما ومشتتا، ممّا عمّق التجاذبات والصراعات السياسية في بلد لا يزال يخطو خطواته الأولى على طريق الديمقراطية الناشئة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024